حملات نظافة مكثفة ورفع كفاءة الطرق بمراكز المنيا خلال أيام العيد    ميقاتي لهوكستين: لبنان لا يسعى للتصعيد وتهديدات إسرائيل لن تثنينا عن العمل على إرساء التهدئة    الحوثيون: وقف عملياتنا العسكرية مرهون بإنهاء عدوان إسرائيل على غزة    ميدو:هناك تعمد ونية مبيتة لخسارة الزمالك كل البطولات.. وهل أسلوب الإرهاب أصبح النظام المتبع؟    التحقيقات تكشف عدم وجود شبهة جنائية في غرق شابين بنهر النيل بمنشأة القناطر    حالة الطقس في مصر خلال الأيام المقبلة.. «الأرصاد»: أجواء مستقرة    توجيه عاجل من وزيرة البيئة بشأن حادث نفوق حوت بالساحل الشمالى    عمرو دياب: من 35 سنة وأنا معنديش غير جمهوري.. بحبكم وبقدركم    بائع غزل البنات: «كرم ربنا مغرقني وعوضني عن 31 سنة شقى    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    وزير الشئون الإسلامية السعودية: ما تحقق في موسم الحج أمر يدعو للفخر    كيف تتجنب سحب البطاقة الائتمانية في ماكينة الصراف الآلي؟    محافظ المنوفية يحيل رئيس الوحدة المحلية لمدينة قويسنا ونائبه للتحقيق (تفاصيل)    نوستالجيا 90/80 ترفع شعار كامل العدد على مسرح السامر    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    "التنمية الصناعية" تستعد لطرح جديد للأراضي عبر الخريطة الاستثمارية.. اعرف التفاصيل    4 أطعمة يجب تجنبها في العيد للحفاظ على صحتك    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    بعد انتشار ظاهرة قطع الأشجار.. تحرك برلماني عاجل لوقف وحظر تصدير الفحم    مستشهدًا بالدوري الإنجليزي.. خبير اللوائح يحسم الجدل حول كرة الزمالك (صورة)    راموس يوضح حقيقة اعتزاله كرة القدم    قائد الجيش اللبناني والمبعوض الأمريكي يبحثان التطورات على الحدود الجنوبية    معلومات الوزراء: المتحف المصرى بالتحرير أقدم متحف أثرى فى الشرق الأوسط    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    إصابة 5 أشخاص نتيجة انقلاب توك توك فى ترعة الشيخ سليم فى الإسماعيلية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الهندسة الزراعية والنظم الحيوية جامعة الإسكندرية فرع الشاطبي    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    تامر حسني بيطير فى الهواء بحفل التجمع (صور)    الفنان إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن إصابته بمرض السرطان    إيبارشيات وأديرة سوهاج تهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 من أعضاء المهن الطبية للدراسات العليا بالجامعات    خبير تحكيمي: طاقم تحكيم مباراة الزمالك والمصري تهاون في حقه وكان يجب إعادة ركلة الجزاء    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    هوكشتاين: نمر بأوقات صعبة ونريد حلولا حاسمة للوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل    موعد مباراتى ليفربول ومانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى 2024 - 2025    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    وزير الإسكان: جارٍ تنفيذ 23 مشروعاً لمياه الشرب وصرف صحى الحضر والمناطق الريفية بالوادى الجديد    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    طريقة تحضير كبسة اللحم بالأرز البسمتي    بكين: فقدان 4 أشخاص جراء الفيضانات الجبلية في منطقة شينجيانج بشمال غربي الصين    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    الصحة: تنفيذ 454 زيارة مفاجئة للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ب23 محافظة خلال عيد الأضحى    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    سفاح البصرة.. القبض على مصري بالعراق قتل 4 مصريين وقطع جثثهم    المالية: عودة الاقتصاد المصرى لمسار أكثر استقرارًا فى مواجهة التقلبات العالمية    جانتس لمبعوث بايدن: سندعم أي تحرك فعال لإزالة تهديد حزب الله    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    تظاهرات إسرائيلية غاضبة أمام منزل نتنياهو ومقر الكنيست    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'جدو' اللاعب و'جدو' الديكتاتور- عبد الحليم قنديل- صحيفة القدس العربي
نشر في مصر الجديدة يوم 08 - 02 - 2010

عندما ينشر هذا المقال، تكون أفراح مصر بالفوز ببطولة الأمم الأفريقية للمرة السابعة- قد انتهت، وتذبل فرحة المصريين بإنجازات 'المنتخب الوطني'، ويحل الهم والغم المقيم مع حكم 'الحزب الوطني'.
ولا أحد يقلل لاسمح الله من قيمة المنتخب الكروي المصري، فهو بطل أبطال أفريقيا بامتياز، ومديره الفني البارع حسن شحاته هو المعلم الأعظم كرويا، ولاعبه محمد ناجي الشهير بجدو هو الأسطورة الخارقة، وصاحب القدم الذهبية، وصانع الفوز بالبطولة في مرمى فريق غانا، وكان الفريق الغاني مسيطرا، لكن بركة جدو لاعب الاحتياطي صنعت المعجزة، وأشعلت حماس وأفراح المصريين في المقاهي والبيوت، وفي الشوارع والميادين، وبصور بدت مزيجا من الانفعال الكروي الحاد وتفريغ مكبوت الغضب، بزحام كثيف لأعلام مصر، ورقص في عز البرد، وإطلاق لصواريخ الألعاب النارية، وحرق لإطارات سيارات قديمة في عرض الشارع، وتدافع بالأيدي، وخناقات مراهقين، ومعاكسات لفتيات بالحجاب وبدون الحجاب، وصيحات هستيرية، وبصورة بدت معها مصر كأنها تفرح من قلبها، وإن بدا الفرح مبالغا فيه إلى حد الجنون، كان الفرح تلقائيا وطبيعيا في غالبه، ومصنوعا مزادا منقحا أحيانا، وبشحن متصل من عشرات القنوات التليفزيونية المملوكة للحكم ومليارديراته، ولم تخل القصة من محاولات لسرقة الفرح، وتصوير النصر الكروي على أنه من صناعة 'حسني' مبارك، وليس 'حسن' شحاته، وأخذ هدف الفوز من 'جدو' اللاعب، وإضافته لنياشين 'جدو' الديكتاتور.
بدا المصريون شعبا يتيما من حقه أن يفرح، فليس في حياتهم شيء يبهج، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، يحكمهم ديكتاتور عجوز يوغل في العقد التاسع، وتتوالى أجيالهم فلا ترى غير وجهه المرمم بعناية فرعونية، وتدهسهم أقدار الموت المستعجل في العبارات والقطارات، وعلى أرصفة الدم، وتحيطهم البطالة والفقر و'عيشة' المقابر، ويقرأون ويسمعون أرقاما فلكية لثروات لا يعرف أحد كيف تكونت؟، وسرقات لا يعرف أحد كيف جرت؟، وضيق متصل في فرص الرزق والعيش، وجرح غائر في كرامة الأبدان، وشقوق في الروح تحجزهم عن بدن الوطن، فقد انتهى المصريون إلى غربة في الوطن، ولم تعد مصر تعني لهم سوى النكد والوجع وعسر الفهم، ولم يعد لهم من حلم قومي سوى الخروج من مصر، بدا لغالبية المصريين كأن البلد يكرههم، بدت الروح مفارقة للبدن، وبدت كرة 'جدو' المفاجئة كأنها تعيدهم إلى مرمى مصر، وسرى مع الكرة المفاجئة إحساس مفاجئ باسترداد وطن، وبدت الانتفاضة وطنية، وإن كانت موقوته، فلدى المصريين جوع حقيقي إلى مصر التي غادرتهم من زمن، وبدا المصريون كأنهم المهاجرون العائدون إلى صالات الوصول، بدا التعويض الكروي سخيا عن بؤس الغربة، وبدا الاندفاع إلى الفرح الكروي مستعجلا شقيا، وكأنه سباق إلى شربة ماء في خشونة الصحراء، فالكرة تصعد وتهبط وتخاتل، وأفراحها صنو أتراحها، و'العارضة' وحدها لها الدوام، والشباك تسكنها أهداف الفوز كما فرص الهزائم، وعليه، فقد بدا المصريون في عجلة لاقتناص الفرح العابر، وقبل أن تحل مواعيد الأتراح المقيمة.
ومن زاوية أخرى، بدا فرح المصريين بالنصر الكروي جنونيا، وإن انطوى على منتهى التعقل، وبدا تألق نجوم الكرة هو الشيء الوحيد المفهوم في حياتهم، فهم لايفهمون لماذا يحكمهم مبارك إلى أبده الذي لا يجيء؟، ولماذا يصبح 'فلان' مليارديرا؟، ولماذا يصبح 'ترتان' وزيرا أو رئيس تحرير؟، فلا قواعد، ولا كفاءة، ولا قانون يعمل، بينما الملاعب يحكمها القانون، وصفارة الحكم العادل، وليس فيها التزوير الذي يجعل الساقط وحيد قرنه، ولا فيها الغش الذي يخلط الوطن بعقار الهلوسة، ولا فيها الرشوة التي تجلب الحظ، ولا فيها السرقة التي تصنع السلطة، ولا فيها شفط ثروات وتجريف أراض، ولا فيها النكد الذي يوحل غالبية المصريين في مستنقعات الفقر والبطالة والمرض، ودون ذنب جنوه سوى أنهم ولدوا كمصريين، فقد بدت أقدار غالب المصريين عشوائية تماما، في حين بدت أقدار مصريين آخرين على قدر من الانضباط والقابلية للفهم، وهم احد عشر كوكبا على مستطيل الكرة الأخضر، ليس فيهم أحد ابن رئيس جمهورية، ولا فيهم أحد ابن ملياردير سارق، ولا فيهم أحد ابن وزير غشاش أو نائب ناجح بالتزوير، بل يقودهم مدرب عظيم التواضع حسن شحاته من كفر الدوار، وفيهم حارس مرمى أسطوري عصام الحضري من كفر البطيخ، وفيهم لاعب معجزة جدو من حوش عيسى، وكلهم بشر من طين وتراب مصر وكبدها المحروق، حارت عقولهم في فهم ما يجري حولهم، وانتهوا إلى اللعب بالأقدام، ولكن بإتقان وجدية وحرفية، وحيث يتوافر تكافؤ الفرص، وحيث لاغش ولا رشوة ولا سرقة حظ، وبتوكل على الله يعرفه الضمير المصري من فجر التاريخ، وبتوفيق منصف يعرفه الذي يجد فيجد، وفي دنيا الكرة التي صارت مقام العدل الوحيد الشاهد على مقابر ظلم انتهت إليها حياة المصريين .
فرح المصريون بلهفة اليتيم التواق للحظة عدل سماوي، وإن استعاض عن تأخرها -المقدور بلحظة عدالة كروية ناجزة، فرح المصريون من الأعماق بإنجاز بنيهم، وإن لم تسلم الجرة هذه المرة أيضا، فالذين سرقوا بلدا لاتعز عليهم سرقة كعكة النصر في مباراة كرة، وبدلا من ترك الفرح لأهله، بدلا من أن يفرح المصريون البسطاء بنصر أولادهم في كفر البطيخ وكفر الدوار وحوش عيسى، ويستخلصوا العبر، ويستعيدوا الثقة بذواتهم المدهوسة، بدلا عن أن يكون الفرح شعبيا خالصا، كان طائر الرخ المسمى بالحكم المصري يرخي سدوله، ويخطف كأس النصر، ويحجزه للعائلة وضباطها ومليارديراتها، وبدت الصورة التذكارية التي نشرتها صحف الحكم معبرة عن الذي جرى، الديكتاتور العجوز حسني مبارك في قلب الصورة، وكأنه 'الكوتش'، ووزير الداخلية المزمن حبيب العادلي في صفوف اللاعبين، وكأنه الهداف الأعظم، والولدان علاء وجمال مبارك في آخر الصف العلوي، وكأنهم الوارثون للكأس، بدت سرقة الفرح جريمة ظاهرة، وبدا الخلط مفضوحا، وكأنهم يقرأون الآية بالمقلوب، وكأن فريق الحكم هو الذي انتصر في أنغولا، وليس فريق الكرة، وكأن فريق الخيبة العظمى هو ذاته فريق النصر الأعظم، وكأن شجرة البؤس هي ذاتها 'كوشة' الفرح، وكما سرقوا الأرض وانتهكوا العرض، وأذلوا العباد وأهانوا البلاد، وصادروا أحلام أجيال وراء أجيال، وحولوا البلد لعزبة، فإنهم أرادوا أيضا سرقة الكأس الكروي، وتسليمه كتسليم البلد إلى صاحب العزبة، وكأن 'توجيهات' سيادته كانت وراء الفوز العظيم، وليس تعب حسن شحاته، أو كأننا وقعنا ضحية لخداع كاميرا، وتصورنا أن هدف الفوز في مرمى غانا أحرزه اللاعب 'جدو'، بينما الذي أحرز الهدف كان 'جدو' الحاكم، وليس جدو اللاعب، فالكرة دوارة كما تعلم، ولا تجري في مصر ولا في أنغولا بدون توقيع حسني مبارك، فلا شئ يستعصي على السرقة والتزوير في مصر الآن، والذي يغتصب حكم بلد لايصعب عليه اختطاف كرة، واختصار فرحة وطن بناسه الطيبين في ابتسامة سيادته، والتي بدت مصنوعة و'ممكيجة' إلى أبعد حد، وبدت شيخوخة الديكتاتور كأنها تمتص شباب اللاعبين، ففريق الكرة المصري كله من الشباب الغض، وليس بينهم سوى واحد أو اثنين من المحترفين دوليا، بينما فريق الحكم المصري من المحترفين للعجز، وأغلبهم ماشاء الله في شيخوخة رئيسهم، وفي بقائه المزمن فوق الرقاب، وليس بينهم واحد في شباب 'جدو'، ولا حتى في عمر والده، فقد شهدت الكرة المصرية تجديدا متصلا، ومن جيل 'الخطيب' إلى جيل 'أبو تريكه ' إلى جيل 'جدو'، وكلهم توالوا في زمن مبارك السرمدي الواحد، وفي زمن عائلة واحدة تحكم مصر ك'مول' تجاري مسجل باسم الأب، وتفتح شقة في الأسكندرية بابها في أسوان، وقد ولد 'جدو' اللاعب قبل 26 سنة، بينما 'جدو' مبارك يحكم مصر من 29 سنة، ويسرق فرحة المصريين برمية 'جدو'، ويرمي أجيالهم في بئر الأحزان.
' كاتب مصري
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.