اندهشت كثيرا من الذين تصوروا - لفرط سذاجتهم وضعفهم الذى يقودهم دائما للبحث عن حلول لمشاكلهم خارج أنفسهم - أن أوباما جاء ليرسى قواعد العدل المختلة فى الكون أو يعيد للعرب حقوقهم المنتهكة من الكيان الصهيونى ، كتبت هذا مبكرا أثناء الانتخابات الأمريكية حينما اتجهت مؤشراتها إلى ترجيح فوز أوباما وبعد زيارته لمؤتمر إيباك أكبر مؤسسة ضغط " لوبى" يهودية فى أمريكا .. وكانت وجهة نظرى أن العرب غير مبادرين بالأفعال وأنهم ينتظرون نبى أو رسول لن يأتى .. وكان عنوان مقالتى التى نشرتها مجلة أكتوبر " فى انتظار الذى لن يجىء" وفيه بنيت وجهة نظرى على معطيات الواقع وتحليل المعلومات المتاحة عن أوباما وتوجهاته السياسية التى أتاحت له الاقتراب من أعتاب البيت الأبيض. ودخل أوباما البيت الابيض وجاء إلى مصر وخطب فيها ولم ينقل لنا فى خطابه إلا السيناريو المرسوم له والذى لا يزيد التغيير فيه عن سلفه إلا فى الشكل وليس المضمون ، لكن أهلنا الطيبون رأوا فى الخطاب ما يمنون أنفسهم به فى أحلامهم، حامدين الله أنه سبحانه عوضهم ب" أوباما " العاقل عن "بوش" الطائش. لكننى مرة أخرى لم أنخدع فى أوباما لأننى قرأت أوباما جيداً، وقررت : أوباما لم ولن يخرج عن ثوابت الإدارة الأمريكية نحو إسرائيل ، هذه الثوابت التى لم تعد مجرد التزام سياسى أو استراتيجى للأمة الأمريكية أو للرئيس الأمريكى القابع فى البيت الأبيض ولكنها أصبحت إلتزام عقيدي وأخلاقي ، هذا أمر مفروغ منه وغير قابل للنقاش، إسرائيل لم تعد مجرد هذا الكيان الذى نعرف نحن أنه اغتصب أرض فلسطين وأعلن دولتة عليها ، إسرائيل بالنسبة لهم مشاعر وأفكار معقدة تعيش وتعشش الآن فى مراكز التفكير والأحساس لغالبية الشعب وصانعى القرار والسياسين الأمريكيين ، وإلى الدرجة التى يمكن أن نقرر فيها أن أوباما المسيحى, يهودى الهوى و الهوية .. كيف؟! سؤال شبيه بهذا طرحه جيفرى جولدنبرج محرر ال"نيويورك تايمز" وأجابة السؤال كانت عبارة عن حوار طويل أجراه المحررمع أوباما قبل أن يصبح سيدا للبيت الأبيض . وإذا عرفتم مثلى إجابة أوباما سوف نفهم جميعا لماذا يفرض الرئيس الأميركى على العرب التطبيع مع إسرائيل - رغما عنهم - قبل أن يخطوا أى خطوة حقيقية نحو الدفع باتجاه إنشاء دولة للفلسطينيين .. وللكلام بقية .