ما يحدث الآن من العديد من الإعلاميين المصرين يحتاج منا- نحن الليبيون- وقفة جادة للوقوف عنده وتحليله، لأنه موضوع يحتاج بحق إلى وقفة تأملية تحليلية جادة بهدف التقريب وليس التباعد والفرقة، ولذلك فقد أخذت على عاتقي هذه المهمة الصعبة. إن المعروف تاريخيا أن إدارة القذافي كانت مرتبطة بمجموعة من كبار وصغار الإعلاميين في مصر من خلال قسم الإعلام الخارجي ، حيث تقوم بانتقائهم عن طريق ثلاثة من السياسيين الذين لهم علاقة وطيدة بالسدة القذافية، وتكونت هذه المجموعات مع الزمن وازداد عددها، وكان يتم تشكيل وفود منهم في احتفالات ملك ملوك إفريقيا بطائرات خاصة وتحمل كافة نفقات الإقامة في أفضل فنادق ليبيا والمصاريف الشخصية بالإضافة إلى المكافآت النقدية والعينية التي تدفع لهذه الزمرة من الإعلاميين الذين كانوا يكتبون ما يملي عليهم ويعملون أيضًا، وفقًا لرؤيتهم، على تحسين صورة القذافي ونظامه في المجتمع المصري، وتوصيل صورة خاطئة بأن الشعب الليبي يعيش في نعيم تحت رعايته. إلي جانب هذا المشهد القميء نجد مشهدًا آخر يمثله عدد قليل من الصحفيين المصريين الشرفاء الذين ينحازون للحق دائمًا، باعتبار أن ذلك يمثل ميثاق الشرف الإعلامي وانطلاقًا من الإيمان بالحرية في التعبير والرأي، ولذلك فقد كانوا يقومون بانتقاد ما يدور في ليبيا، وما يقوم به هذا القذافي لأنه ظاهرة استبدادية فريدة في العصر الحديث، وهؤلاء الإعلاميين كانوا يتعرضون إلي ضغوط شديدة من أعوان الرئيس المصري السابق حسني مبارك من أجل الكف عن ذلك، ومنهم من تعرض للتهديد والاعتداء من وسطاء مصريين كانوا عملاء لمخابرات القذافي، وهكذا كانت علاقة الإعلام المصري بليبيا بشكل عام، تتكون من هذين المشهدين العامين. بإيجاز وبدون الخوض في التفاصيل المعروفة للجميع، استلم راية العلاقة بين الإعلاميين وليبيا مكتب منسق العلاقات الليبية المصري، وتفنن هذا المكتب في كسب العديد من الإعلاميين وتقديم معلومات مضادة لثورة فبراير واستخدم في ذلك كل علاقاته السابقة وحتى بعد انتهاء المكتب رسميًّا استمرت عناصره تؤدي هذه المهمة، ونجحت في تقديم صورة مشوهة تمامًا لما يدور في ليبيا . وهنا أقف باستغراب بشدة ممن لم يكونوا خاضعين لهذا العمل الذي يقوم به هؤلاء المضادين للثورة الليبية، وهم غالبية الإعلاميين المصريين الذين ناصروا ثورة مصر، وبالتالي ثورة ليبيا، وأتساءل: لماذا لم يأتِ بعضهم إلى ليبيا منذ الأيام الأولى للثورة، خاصة مع دخول العديد من القنوات الإخبارية العربية مثل الجزيرة والعربية والقنوات الفضائية الأمريكية والأوربية إلى المنطقة الشرقية والوصول إلى مدينة بنغازي عن طريق الحدود المصرية، وبالتالي فإنها قطعت المسافة من القاهرة إلى الحدود المصرية الليبية منذ الأسبوع الأول لاندلاع الثورة، هذا التساؤل مشروع لأنكم أشقاؤنا وجيراننا، ونحن عمقكم الاستراتيجي والاجتماعي، مع ذلك لم يأتِ صحفيًّا واحدًا لنقل الأحداث. كنت أبحث عن السبب في القاهرة في شهر أبريل فوجدت فعلاً أن الأصدقاء القدامى الذين أشرت لهم مستمرون في التأثير، ورغم وجودي بالقاهرة كان يتم استضافتي بقوات الجزيرة والعربية وال"إن بي إن" اللبنانيه يوميًّا من القاهرة، أما القنوات المصرية فكانت تعزف عن الخوض في الملف الليبي إلا برنامجين في قناة النيل الإخبارية وإذاعة صوت العرب، وفي وصحفتي المصري اليوم واليوم السابع . والآن وبعد مضي سنتين أتابع برامج قنوات الحياة ودريم والمحور وسي بي سي، وغيرها من القنوات الخاصة، فأجدهم يتناولون القضايا الليبية بنفس اللغط وسوء الفهم المنقول إليهم في السابق، فيطلق البعض منهم على ثوار ليبيا "ثوار الناتو"، وهو المصطلح الزائف الذي أطلقه أعوان القذافي، والأشد من ذلك أنهم يستضيفون أتباع القذافي في عدة لقاءات أو يتم إجراء المداخلات معهم، حتى القنوات الرسمية تنقل أخبار ليبيا الإيجابية بصياغة لا تعطيها حقها، وتضخم أي حدث مضاد لأمن واستقرار ليبيا، وتستعمل الصياغات نفسها التي نقرأها في صفحات أتباع القذافي في مصر على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". فهل ستستمر الأمور بهذا الشكل الذي يغيب المواطن المصري عن حقائق ما يدور في ليبيا؟! وهنا أتوقف لأشير إلى شائعة انتشرت في مصر أثناء اندلاع الثورة، بأن الأستاذ الفاضل مصطفي عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي، يتفاوض على منح إسرائيل قاعدة حربية على الحدود الليبية المصرية، وبدأت التعليقات، ثم بعد ذلك انتشرت شائعة عن وجود وفود متبادلة بين ثوار ليبيا وإسرائيل، واستمرت التعليقات أيضًا، إن ما كان يجري من تلفيق أخبار كاذبة شيء مخجل حقًّا. ولعل السؤال الأهم هو: ما الحل الآن والوضع هكذا؟! بطبيعة الحال، لا تتوقعوا من إدارة ليبيا الجديدة أن تبعث لكم طائرة خاصة لتنقلكم لليبيا وتمنحكم المكافآت، ولكن إن كنتم صادقين، فكلفوا مراسلين لكم في ليبيا، وتفضلوا بربط علاقات بينكم وبين القنوات الليبية الحرة، وقدموا برامج مشتركة، وناقشوا بكل حرية حتى إذا أردتم أن تنقلوا ما يقوله أعوان القذافي فذلك حقكم، ولكن استمعوا أيضًا للرأي الآخر، واكتشفوا الحقيقة بأنفسكم وبشكل مباشر دون أي تدليس من أحد. أقول هذا وأنا كلي أمل في أن تبدأ مبادرة حقيقية من إحدى القنوات الفضائية الخاصة لتكون بداية بناء شراكة إعلامية ليبية مصرية مبنية على شرف المهنة والاحترام المتبادل ونقل الحقائق دون تزييف. وهنا اقترح أن تتم المبادرة من الإعلام الليبي بتخصيص برامج في بعض الفضائيات الليبية باستضافة بعض الإعلاميين والسياسيين المصريين للحديث عن الشأن المصري وتحليل الوضع في ليبيا أيضًا، وبناء عليه يتم تبادل البرامج مع بعض القنوات المصرية والإعلاميين الذين يتم اختيارهم لعمل برامج عن الشأن الليبي في القنوات المصرية، وبذلك أن تكون المبادرة جاءت من ليبيا الثورة إلى مصر الثورة.. والله ولي التوفيق. [email protected] -- Dr IBRAHIM GUIDER الدكتور ابراهيم قويدر