لا خلاف في أننا تحولنا من الكبت في التعبير عن الرأي والقيود التي حالت دون المشاركة بالرأي إلى الحرية الغير مسبوقة في قدرة كل شخص عن التعبير بما يملك من أراء، ولا جدال أن النظام الحالي يتيح اقصى درجات أن يعبر كل شخص عن أفكاره، وآرائه، ويفتح افقاً غير مسبوقاً في النقد واختلاف الآراء، فما من رئيس دولة بالعالم يحظى بهذا النصيب من النقد والمعارضة في وسائل الإعلام بكل أشكالها، حتى بوسائل الإعلام المملوكة للدولة، تحرر المصريون من عقدة الخوف، بعد عقود من السيطرة الأمنية والمخابراتية والدولة البوليسية التي كانت تراقب الأقلام والأفواه والإعلام بكل أشكاله، فاصبح لدينا مساحة من الحرية للآراء نحسد عليها، إلا أن الكثيرين استغلوا ذلك في غير موضعه، وفى غير هدفه، فبدلاً من النقد البناء وطرح الرؤى الأخرى البديلة، اتجه هؤلاء إلى أساليب التشهير والسب والقذف، في أسلوب غير لائق، وغير مهذب، لا يرتضى به غالبية الشعب، ولا يتفق مع الأخلاق أو الأديان، ولا مع الشخصيات السوية، التي تعرف قيمة الحوار وتبادل الآراء، وغاية النقد، وسمو القيم والأخلاق، فما كان من بعض الشخصيات العامة والتي ظهرت بعد الثورة، والتي تتناول مواقف وسياسيات النظام، وخاصة الرئيس، في إبداء رائيها، ونشره على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تصل لملايين المصريين، فوفقا لآخر إحصائيات استحوذت مصر على المركز الأول عربيا في استخدام الفيس بوك، ومركز متقدم عالميا، ولا ننسى تأثير تلك الشبكات في نجاح الثورة، والتواصل بين المصريين إثناءها، فما كان من تلك الشخصيات إلا ارتضت الظهور بشكل لافت، فاذا أردت أن تلفت الأنظار، في هذا الكم الرهيب من المعلومات ونشر الآراء، فإما أن يكون لك رؤية في غاية الرقى يستمع لك الأخرين، وإما أن تنتهج رائياً مخالفاً، أسلوب استخدمه بعض المدونون والناشرين، فاصبح لكل شخص هوية، ولسان ورأى، وقلم وفكر، إلا أنى من خلال متابعتي لبعض الأشخاص، وجدوا بعضهم تحولوا إلى أسلوب قذر لا يليق، في الإهانة لرئيس الدولة، وتناوله ببعض الألفاظ الغير لائقة، وما من دولة إلا تعاقب على تلك التجاوزات ما عدا مصر، فما قمنا بالثورة وطالبنا بالثورة، لننشر ما يضر القيم والأخلاق، وما يصل إلى " قلة الأدب " ، فرئيس الدولة هو رمزها، ويمثلها، وإهانته هي إهانة كل مصري، فهل ليس بإمكاننا أن ننتقد ونعرض آرائنا دون الدخول إلى نفق الإساءة، لكن الإساءة تضر صاحبها، وتعبر عن شخصيته، وما يمتلك من قدرات علمية وتربية وثقافة وملكات الحوار، فاذا اخترقت حواجز القيم أو الحوار والتعبير، فتكون نتيجته الإسفاف والانحطاط ، دون تحقيق غايات إتاحة الرأي والحرية، فهذا فهم خاطئ للرقابة الذاتية على الأنفس، واعتقد أنه اذا غابت تلك الرقابة أو لم يستوعبها البعض، تبقى رقابة القانون رادعة، واقوى، تنظم تلك الخروقات التي زادت عن الحد، وضاقت بها النفوس، وأضرت بها قيم المجتمع، فلابد ونحن في نهضة حقيقية من الحرية أن يكون القانون فاعلاً وحاكما، طالما أن الرقابة الذاتية للأشخاص، أو ميثاق الشرف للإعلام، قد انحرف عن مساره، فلا نرضى بالإهانة للرئيس، ولا نرضى بتكميم الأفواه. د.سرحان سليمان الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والاقتصادي [email protected]