هكذا كان يتحدث الجميع في فرحة غارمة وفي أول لحظات يماس فيها الشعب المصري حقه في اختيار قراره ، واستنشاق نسيم الديقراطية، حيث أدلى المصريون بكثافة بأصواتهم في 54 ألف مركز اقتراع على التعديلات الدستورية في سابقة بتاريخهم الحديث وسط تجاذب بين المؤيدين والمعارضين، وتدفق الناخبون باعداد كبيرة على مراكز الاقتراع في كافة انحاء الجمهورية للمشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي كان اول اختبار للديمقراطية بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك. وفي ظاهرة لم تشهدها مصر منذ قرابة ستين عاما وخصوصا في عهد مبارك الذي تميز بارتفاع نسبة الامتناع عن المشاركة، شهدت مصر أول لقاء بين الشعب وصندوق الاقتراع في بداية عصر الديمقراطية، كان بمثابة عيد الحرية وكرنفال حب مصر، حيث خرج أبناء مصر للإعلان بشكل ديمقراطى وراقي عن آرائهم، فلا مشاحنات أو مضايقات، فالكل فى طابور واحد يمسك ببطاقة إبداء الرأى ليعلن رأيه بمنتهى الحيادية والتحضر، فقد اختفت كل السلبيات المتعارف عليها، وأكد شعب مصر للجميع أنه جدير بممارسه حقه السياسي وأنه محترفاً سياسياً وليس كما كان يدعي النظام السابق بأن شعب مصر يجهل ممارسة الديمقراطية. كيف كان عُرس الديمقراطية؟ فتحت المراكز ابوابها في الساعة الثامنة صباحاً، وتشكلت منذ الصباح الباكر طوابير من الناخبين والناخبات من اعمار مختلفة وكذلك مسلمون ومسيحيون، وامتلأت الشوارع المصرية باللافتات المؤيدة والمعارضة لهذه التعديلات، فقام المؤيدون بتعليق لافتات تدعو للتصويت ب«نعم» من أجل دعم استقرار مصر، بينما قام المعارضون بلصق لافتات حملت صورة خالد سعيد «شهيد الإسكندرية» كتبوا عليها: «قولوا لا للتعديلات الدستورية»، فيما قامت مجموعات من الشباب بحملة توعية في مختلف المناطق لحث المصريين على الذهاب إلى مقار اللجان الانتخابية وإقناعهم بقيمة صوتهم في تحديد ملامح مستقبل مصر. وأغلقت لجان التصويت على الاستفتاء على التعديلات الدستورية ببعض المحافظات فى السابعة مساءً كما كان مقرراً، ورغم ذلك استمر المواطنين فى التوافد على لجان التصويت في عدد من المحافظات الأمر الذي استوجب مد توقيت الاستفتاء فيها إلى التاسعة مساءً. كان يوم 19 مارس بمثابة عيد قومي لكل المصريين، حيث شهد جميع لجان الاستفتاء اقبالاً شديدا من جانب 45 مليون مصري ممن لهم الحق التصويت علي الإستفتاء من جميع أطيافهم وانتمائاتهم، بالإضافة إلى قرابة 16 ألف عضو بالهيئات القضائية المختلفة تولوا الإشراف على 54 ألف لجنة اقتراع فرعية على مستوى الجمهورية وشارك في عملية المتابعة الوطنية نحو 50 ألف شاب يمثلون المنظمات والأحزاب والحركات الشعبيةوتؤمن قوات الجيش والشرطة مقار اللجان. وفي مشهد غير مألوف على الحياة السياسية المصرية، شهدت مراكز الاقتراع إقبالا من الناخبين وزحاما غير مسبوق على صناديق الاقتراع، وتوافد عدد كبير من فناني مصر ومثقفيها على لجان الاستفتاء في أنحاء الجمهورية للمشاركة بأصواتهم على التعديلات الدستورية، وسط حشود واسعة من الشعب المصري في بادرة لتأكيد ضرورة المشاركة. علامات فارقة من أهم العلامات الفارقة لهذا اليوم عن غيره هو احترام كافة القوى السياسية قواعد اللعبة الديمقراطية فى أول اختبار حقيقى للديمقراطية، وتسجيل أرقاماً قياسية في معدلات المشاركة، وغياب الحشود الأمنية أمام اللجان، وعدم تسجيل أى واقعة اشتباك أو بلطجة، إلى جانب اختفاء ظواهر التصويت القسرى الموجه، بالإضافة إلى اختفاء الرشاوى الانتخابية وسيناريوهات البلطجية، وسقوط الخوف من التزوير، فضلاً عن سقوط لعبة تصويت الأموات، وسقوط نظرية النتيجة المعدة سلفاً. كما أنها أول مرة في تاريخ مصر يتم إرسال تعزيزات إلى اللجان من بطاقات التصويت، والصندوق، والحبر الفوسفورى التى تعانى نقصاً. ومن ضمن المفارقات أيضاً ذهاب عدد من الوزراء السابقين إلى لجان التصويت فى هدوء ودون ضجيج الحراسة الشخصية والتشريفة والدراجات النارية، إلتزموا الطابور كأي مواطن، كما قدم الدكتور عصام شرف رئيس حكومة تسير الأعمال أفضل نموذج لإلتزامه بطابور الديمقراطية مثل الأخرين ولم يستغل منصبه مثلما كان يحدث في الماضي. ومن العلامات الفارقة ايضاً أصرار المعاقين على ممارسة حقوقهم السياسية والمشاركة في الاستفتاءات ولأول مرة في تاريخ مصر، كما لاحظ وجود إقبال شديد من الشباب والفتيات وخاصة طلاب وطالبات الجامعات بجانب المرأة التى خرجت بشكل غير معتاد للمشاركة فى الاستفتاء وظهرت طوابير حقيقية لأول مرة أمام اللجان فى حراسة الجيش والشرطة وسط حالة من الهدوء وإصرار على التصويت. ماذا يقول العالم عن الاستفتاء الشعبي المصري؟ ركزت أعين العالم على الساحة المصرية لكون هذا اليوم اختباراً للديمقراطية الوليدة فى مصر، وأنبهر بالحشد المصرى والطوابير الحقيقية الممتدة أمام لجان الاستفتاء ما استدعى تمديد فترة التصويت، كما أعجبه الحالة الحضارية التى ظهر عليها الشعب المصرى أمام وداخل لجان الاستفتاء، حيث قال كل مواطن كلمته دون الاحتكاك بالطرف الآخر، وهذه هى البداية الصحية لمصر الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير. سلبيات نتعلم منها أشارت تقارير العديد من منظمات المجتمع المدني التي التزمت بمتابعة ومراقبة نزاهة الاستفتاء الشعبي إلى عدد من التجاوزات أبرزها وجود تأثير واضح على إرادة الناخبين، فى العديد من الدوائر الانتخابية، وعدم احترام إرادتهم التصويتية بشكل كاف، وحدوث مشادات بين عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، الذين يدفعون الناخبين للتصويت ب (نعم) وجماعات من الأقباط يدفعون الناخبين للتصويت ب (لا) فى بعض اللجان، وعدم ختم استمارات التصويت في بعض اللجان، وتوجيه بعض مشرفى اللجان الناخبين للتصويت ب«نعم»، ورغم هذه الملاحظات إلا أنه كان يوماً مغايير تماما لما كان في الماضي فيكفي عدم تزوير إرادة المواطن. السياق التاريخي للاستفتاء الشعبي في مصر شهدت مصر على مدار تاريخها السياسي نحو 21 استفتاء شعبي، 4 منها في عهد جمال عبد الناصر و10 في أيام السادات و7 في عهد مبارك، كانت هذه الاستفتاءات وسيلة من وسائل الاستبداد لتزوير ارادة الشعوب باسم الديمقراطية. حيث تم توظيف كافة آليات التزوير فيها والتي أتضحت مؤشراته في تكثيف التواجد الأمني مع تلاشي الإشراف القضائي ورغم تجنب المواطنين المشاركة واعتزالهم سياسياً كانت النتائج غير منطقية وتتحدث عن ال99.999%، وجرى اول استفتاء في مصر في يونيو 1956 وهو خاص باختيار الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا لأول مرة وتعديل الدستور لذلك وتمت الموافقة بنسبة 99.8% ، وكان الاستفتاء الثاني في فبراير 1958 حول قيام الوحدة بين مصر وسوريا واختيار عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة وتمت الموافقة بنسبة 99.999% وكان الاستفتاء الثالث في 15 مارس 1965 لاختيار عبد الناصر رئيسا للمرة الثانية والموافقة عليه بنسبة 99.999% وفي الاستفتاء الرابع في مايو 1968 كان على بيان 30 مارس جاءت نتيجة 99.989% وأما الاستفتاء الخامس كان في اكتوبر 1970 لاختيار أنور السادات رئيساً للجمهورية بعد وفاة عبد الناصر ونتيجة 90.4% أما الاستفتاء السادس كان في اول سبتمبر 1971 حول اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا بنتيجة 99.9% والسابع كان في 11 سبتمبر 1971 علي الدستور الدائم وموافقة 99,982%، أما الاستفتاء الثامن كان في مايو 1974 حول ورقة اكتوبر بنسبة 99.95% والتاسع في سبتمبر 1967 لاختيار السادات رئيسا لفترة ثانية بنسبة 99.93% والعاشر بنسبة 99.21% في استفتاء فبراير 1977 حول قوانين حماية الوحدة الوطنية اما الاستفتاء الحادي عشر في مايو 1978 كان حول ما عرف بقانون العيب بنسبة 89٪ وكان الاستفتاء الثاني عشر في ابريل 1997 حول معاهدة السلام وحل مجلس الشعب وكانت بنسبة الموافقة 99.99% والثالث عشر في مايو 1981 حول عدم تحديد مدة الرئيس موافقة 99.99% والرابع عشر كان في سبتمير حول اعتقالات سبتمبر ومبادئ الوحدة الوطنية . ويعتبر الاستفتاء الخامس عشر أول استفتاء يعقد في عهد مبارك وذلك في اكتوبر 1981 لاختيار حسني مبارك رئيسا للجمهورية الاستفتاء، وكان السادس عشر في فبراير 1987 حول الدعوة لحل مجلس الشعب، وتكرر استفتاءات الفترات الرئاسية أيضا في استفتاء السابع عشر في اكتوبر 1987 حول اختيار مبارك لفترة ثانية لحسني مبارك، والثامن عشر في اكتوبر 1993 واختيار مبارك لفترة ثالثة وفي سبتمبر 1999 اجري استفتاء لاختيار مبارك لفترة رابعة، وكان من أكثر الاستفتاءات لعنة لعى فقهاء الدستور في مصر وفي 20 مايو 2005 حيث اجري استفتاء لتعديل المادة 67 من الدستور وكذلك استفتاء 12 مارس 2007 حيث اجري استفتاء لتعديل 43 مادة من الدستور.