تأتي علا جمعة، من البدرشين إلى مقر وزارة التضامن الاجتماعي في العجوزة. مشوار يستغرق ساعتين تقطعه يوميًا حتى ألفتها وجوه أفراد الأمن على أبواب المكان، كذلك طلبها المتجدد "عاوزة أقابل الوزيرة عشان تشوفلي حل". في 20 مارس الجاري، داخل الوزارة كانت تُقام فعاليات اختيار الأم المثالية بحضور الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، علمت علا ذلك عندما قدمت إلى المقر في صباح اليوم، ازداد رجائها للعاملين بضرورة مقابلة الوزيرة "عندي مشكلة في معاش تكافل وكرامة". لم تكن علا وحدها أمام مقر الوزارة، تجمع عدد من المواطنين الآخرين، يغلب عليهم العنصر النسائي، فيما اضطر عاملون الوزارة إلى غلق الأبواب. لجأت علا قبل عام ونصف إلى معاش تكافل وكرامة، قدمت كل الأوراق اللازمة وتقاضت مرة واحدة ألف و320 جنيهًا إجمالي ثلاثة أشهر "لما جيت أضرب الفيزا بعد كدة قالولي المعاش وقف عشان جوزك عليه تأمين". عمل زوج علا في إحدى شركات تصنيع السُفن "بس الكلام ده من سنة، أمنوا عليه وبعد كدة مشي ووقفوا التأمين ودلوقتي بيشتغل على توك توك"، دارت على الهيئات الحكومية حتى استخرجت ورقة تُفيد بإيقاف التأمين على زوجها "والنهاردة بعد سنة ونص من اللّف على الحكومة قدمولي تظلم وبيقولولي النتيجة في 15/4 اللي جاي". ووضعت وزارة التضامن شروط منذ بدء تقديم خدمة معاش "تكافل وكرامة" عام 2015، وتنص على التالي، ألا يكون الشخص يعمل سواء بالقطاع الحكومي أو الخاص بأجر تأميني أكثر من 400 جنيه أو يتقاضى معاش تأميني أو مساعدة ضمانية، وأن تكون الأسرة المتقدمة لديها أبناء من حديثي الولادة حتى سن 18 عامًا، على أن يكونوا بمراحل التعليم المختلفة، وفي حالة العجز، يتقدم الشخص بشهادة كومسيون طبي رسمية تفيد بأن درجة إعاقته تبدأ من درجة 50، وأما المسنين يكون الحد الأدنى لأعمارهم 65 عامًا. وأيضا يحق التقدم لبرنامج الدعم النقدي أصحاب العجز أو المرض المزمن الذي يحول بينه وبين العمل أو ينقص من قدرته على ذلك، وكذلك الأيتام الذين ينالون الرعاية من أقارب الدرجة الأولى أو الثانية أو أبعد من ذلك.
ما إن دخلت هبة جمال إلى الوزارة حتى كررت الطلب ذاته "عايزة أقابل حد أديله ورقي"، غير أنها تلقت الإجابة ذاتها "جوزك ليه تأمين وعندكم عقارات"، انفعلت السيدة العشرينة قبل أن تغادر. منذ 6 أشهر تتظلم لوقف معاش "تكافل وكرامة" بعد الحصول عليه لمرتين، تحمل هبة بيديها حقيبة بلاستيكية، تضم ورقة من هيئة التأمين مذيلة بعبارة "المؤمن عليه لا يعمل" وأوراق أشعة أجراها الزوج قبل أسبوع لمرضه بحصوات على الكُلى تتطلب تدخل جراحي، فضلا عما يفيد أنها تسكن شقة بالإيجار، ومن قبل كانت تسكن في منزل والد زوجها. منذ عام ونصف العام تقدمت هبة لوزارة التضامن بأوراقها، بعدما ضاق الحال بتوقف الزوج المريض عن العمل "كان شغال في شركة للطوب سابها بسبب المرض من 10 سنين ودلوقت أرزقي يوم أه وعشرة لأ". لدى الزوجة -التي تسكن منطقة البدرشين- طفلين، أكبرهما عمره عشرة أعوام. "تكافل وكرامة برنامج دعم نقدي مشروط" يقول محمد العقبي المتحدث الإعلامي باسم وزارة التضامن لمصراوي، مضيفا أن المتقدم للحصول على المعاش لابد أن تنطبق عليه الشروط، مشيرًا إلى أن هناك 2 مليون أسرة تستفيد من البرنامج إلى الآن منذ بدء عمله "لما يكون في 20 أو 10 أو 5 مبيحصلوش على المعاش أكيد دول مينطبقش عليهم الشروط".
وأوضح المتحدث باسم الوزارة أنه إذا تظلم الشخص الذي يحصل على المعاش أكثر من مرة وهو غير مطابق للشروط "مفيش حد في الدنيا بإيده أنه يغير موقفه إلا إذا تغير وضعه"، مضيفًا إلى أن التظلمات يتم البت فيها، وأن اللجان المسؤولة تتابع حال المستفيدين من المعاش بشكل دوري شهري، فإذا تحسنت ظروفهم، يتوقف الدعم عنهم. وعن مشهد تواجد المواطنين أمام أبواب وزارة التضامن، قال العقبي إن الوزارة جهة خدمية تقدم خدماتها لعشرات الملايين من المصريين "فطبيعي يبقي في تردد كبير عليها ويكون قدامها ناس بشكل مستمر"، موضحًا أنه ليس كل متظلم مستحق. تحكي علا أن لديها أربعة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، الصف الخامس والرابع الابتدائي وطفلتان في مرحلة الحضانة، بينما تزوّج زوجها بأخرى وأصبح يعطيها مصروف يومي 20 جنيهًا فقط "مش عارفة أصرف على عيالي ولا أعلمهم". ضيق الحال دفع السيدة إلى طرق أبواب مختلفة لأجل الحصول على رزق "ناس بتجيبلي سجاد أغسله في البيت لما يتقطم وسطي وآخد 15 جنيه، أو واحدة موظفة عاوزة تعمل أكل فتجيبهولي أعملهولها وتديني 5 جنيه، حاجات بسيطة متعيّش بيت". كذلك اضطرت هبة للعمل في مجزر للدجاج، تتلقى فيه الأجر باليومية من أجل الإنفاق على أسرتها وسداد مصاريف مدارس الأبناء. تقول السيدة العشرينية إنها تأتي لمقر الوزارة في العجوزة لنحو كل عشرة أيام، تحرم أسرتها من أجر ذلك اليوم، وتقطع المسافة لأجل تقديم أوراق تفيد باستحقاقهم "التكافل والكرامة". آخر المرات أخبرها موظفو الوزارة أنهم بانتظار رد التأمينات، وما عليها سوى وضع "الفيزا" لسحب الأموال في تاريخ 15 مارس الجاري وإن لم يحدث جديد تأتيهم مرة أخرى، فعادت السيدة للوزارة الثلاثاء 20 مارس، لتجد الرد بإعادة تقديم الأوراق مرة أخرى. "محدش بيقول حاجة ولا عايز يريحني" بصوت يحمل الاستياء تعبر هبة، بينما تشير إلى أن توجهها لموظف مختلف كل مرة تأتي فيها للوزارة يسبب لها معاناة "بيطالبوني بنفس الورق تاني بعد ما أقدمه". عادت السيدة العشرينية إلى منزلها في البدرشين –حال بقية المواطنين- لم تجد حلاً، ولا تريد العودة لرحلة البحث بين التأمينات والتضامن، فالأولى تخبرها أنه لا يجوز سحب الملف التأميني والمتاح تلك الورقة التي يعطونها لها، أما الثانية فتلزمها بالتردد على جهة التأمين.