رغم إشادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، ووصفه ب"الصديق المُقرب" له بعد اجتماعهما في سبتمبر الماضي، ووجود كثير من المصالح المشتركة بين بلديهما (اقتصادية وعسكرية وسياسية)، إلا أن العلاقات بينهما تشهد حالة من التوتر ليست جديدة، ولكنها بدأت تظهر على السطح خلال الأيام الأخيرة الماضية، قد تؤثر على حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يشارك فيه بقوة أنقرةوواشنطن. وتصاعدت وتيرة الخلاف بإعلان السفارة الأمريكية في أنقرة أمس، الأحد، عن تعليقها "بأثر فوري" لكل خدمات التأشيرات لغير المهاجرين في تركيا من أجل "إعادة تقييم التزام الحكومة التركية تجاه منشآت وأفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية”. وأعربت واشنطن عن قلقها العميق "إزاء الاعتقال، واعتبرت التهم الموجهة لمواطنها لا جدوى منها”. ويأتي ذلك بعد حوالي أسبوع على اعتقال السلطات التركية موظفًا في القنصلية الأمريكية باسطنبول، وجهت له تهمة التواصل مع الداعية الإسلامي ورجل الأعمال المنفي إلى أمريكا فتح الله غولن، والذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو العام الماضي. وردا على قرار أمريكا، أصدرت تركيا، بيانا مُماثل للبيان الأمريكي، تُعلن فيه إيقاف إصدار تأشيرات للمواطنين الأمريكيين، باستثناء تأشيرات الهجرة. وقالت سفارة تركيا في واشنطن إنها بحاجة إلى "تقييم" التزام السلطات الأمريكية بتوفير الأمن للسفارة والعاملين فيها. "تسليم غولن" وكان فتح الله غولن، الذي يعيش الآن في بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999، نقطة خلاف دائمة بين واشنطنوأنقرة، إذ طالب الرئيس التركي نظيره الأمريكي بتسليم الداعية الإسلامي إلى بلاده من أجل محاسبته على التخطيط للانقلاب. واقترح أردوغان على ترامب أن يسلم غولن إلى الحكومة التركية، مقابل إفراج أنقرة عن قس أمريكي مُحتجز في أراضيها منذ عام 2016، بتهمة الانتماء لجماعة غولن. وأطلق العديد من الأتراك المُقيمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية حملة جمع توقيعات عبر الموقع الرسمي للبيت الأبيض، لمطالبة واشنطن بتسليم غولن إلى حكومة بلادهم. ورغم جهود تركيا الحثيثة لاستلام غولن، إلا أن أمريكا لم تحسم أمرها في هذه المسألة حتى الآن. "الأكراد" ولا يعد غولن نقطة الخلاف الوحيدة بين البلدين، إذ نددت أنقرة بقرار الولاياتالمتحدة بتسليح القوات الكردية التي تنظيم داعش في شمال سوريا، في مايو الماضي. وأكد نور الدين شانكيلي، نائب رئيس الوزراء التركي، إن ذلك القرار غير مقبول، فيما قال مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية، إن كل سلاح يحصل عليه مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردي السورية يعد تهديدا لتركيا مؤكدا معارضة أنقرة للقرار. وأبلغ أردوغان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استيائه من تسليح أمريكا للقوات الكردية، وذلك في إطار الزيارة التي قام بها المسؤول الأمريكي إلى أنقرة في أغسطس الماضي. "حرس أردوغان" كما أثارت واقعة اعتداء مجموعة من الحرس الشخصي للرئيس التركي على متظاهرين أتراك في واشنطن، نوعا من الاضطراب بين البلدين، إذ أصدرت شرطة واشنطن مذكرات اعتقال بحق 12 من عناصر المرافقة الأمنية لأردوغان، اعتدوا على المتظاهرين الذين شاركوا في احتجاج أمام مقر السفارة التركية في واشنطن. وردا على هذا القرار، استدعت الخارجية التركية سفير الولاياتالمتحدة لدى أنقرة وابلغته برفضها لقرار بلاده باعتقال 12 من حراس الرئيس التركي. وقالت الخارجية في بيان صدر عنها بهذا الصدد إن "قرار السلطات الأمريكية إعطاء أوامر باعتقال الحراس الأتراك لا يعد قرارا مستقلا ولا موضوعيا". وعلق أردوغان على الأمر، في مؤتمر صحفي، قائلا: "عندما كنت في الولاياتالمتحدة، نظم أعضاء حزب العمال الكردستاني ومنظمة فيتو تظاهرة على بعد 40 أو 50 مترا من الموقع الذي كنت موجودا فيه، لكن الشرطة الأمريكية لم تتخذ أي إجراءات، هل تتصورون ماذا كان سيحدث لو حصل نفس الشيء في تركيا؟". قررت واشنطن، الشهر الماضي، تجميد عملية بيع الأسلحة إلى خدمة الحماية الشخصية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هاجم حراسه متظاهرين في واشنطن في مايو الماضي، حسب ما أعلن عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي. "ضربات قاسية" وتجد صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن ما حدث مؤخرا بين البلدين يوضح حقيقة تعرض التحالف بين البلدين، والذي طالما ارتكز على الروابط التجارية والاستخباراتية والعسكرية، لضربات قاسية خلال الأشهر الأخيرة. وأشارت الصحيفة، في تقرير على موقعها الإلكتروني، إلى أن التحالف المتوتر بشكل متزايد بين واشنطنوأنقرة شهد تدنيا حادا أمس، الأحد، عندما أعلنت الحكومتان الأمريكية والتركية عزمهما إلغاء إصدار معظم تأشيرات السفر، مما أثار التباسا بين المسافرين وكشف عن اتساع الفجوة بين شركاء الناتو.