في كل عام، يتابع جمهور عالمي يربو على خمسين مليون شخص أوركسترا فيينا الفيلهارمونية وهي تعزف موسيقى الفالس خلال الحفل الذي يقام بمناسبة العام الجديد. ويختار هؤلاء الجماهير الطريق السهل للاستمتاع بالأوركسترا الشهير التي تحتفل هذا العام بالذكرى ال175 على تأسيسها، حيث يستمعون للموسيقى أثناء الاستلقاء على الأريكة وربما أيضا وهم يرتدون ملابس النوم. ولكن هناك خمس طرق للحصول على نظرة مقربة على الأوكسترا الشهيرة والاستماع إليها، وتتوقف هذه المسألة على موهبتك وقدرتك على الاحتمال. أولا: الذهاب إلى الأوبرا أليست هذه الفرقة هي أوركسترا تقدم السيمفونيات في قاعات الحفلات؟ الإجابة هي نعم، ولكن هناك وجه آخر للعملة، فإن أوركسترا فيينا الفيلهارمونية تقدم عروضها كل ليلة تقريبا في دار الأوبرا الرسمية في فيينا. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل كثير من النقاد وعشاق الموسيقى الكلاسيكية يعتبرون هذه الأوبرا واحدة من أفضل دور الأوبرا في العالم. ونظرا لأنهم يقدمون كل من عروض الأوبرا والحفلات الموسيقية، فإن العازفين في الأوركسترا الفيلهارمونية لابد وأن يتحلون بقدر كبير من المرونة للتوافق مع مختلف المطربين وأنماط الموسيقى وقادة الأوركسترا، حسبما يقول رئيس الأوركسترا أندرياس جروسباور. وأضاف جروسباور هو يجلس في مكتبه الأنيق المحلي بالخشب: "نحن نعزف بالصوت البشري، ويجب أن نكون مستمعين جيدين". وفي حين أن المسارح الأخرى تقدم نفس العمل لعدة سهرات متتالية، فإن دار أوبرا فيينا معروفة بتقديم عرض مختلف كل ليلة. ويتعين على الموسيقيين الانتقال ما بين أصوات الموسيقار فاجنر البطولية إلى ألحان فيردي الإيطالية ثم إلى موسيقى شوستاكوفيتش العصرية التي تنتمي للقرن العشرين خلال أقل من أسبوع واحد. ويستطيع الزوار الذين يقضون بضعة أيام في فيينا الاستماع إلى الأوركسترا الفيلهارمونية وهي تقدم عدة عروض موسيقية فضلا عن أصوات بعض من أروع المطربين في العالم. ثانيا: الاستماع مجانا بالنسبة لمن لديهم رهبة من الذهاب إلى الأوبرا، فإن أوركسترا فيينا الفيلهارمونية تقدم حفلة موسيقية صيفية مجانية كل عام في حديقة قصر شوينبرون، المقر الامبراطوري السابق لعائلة هابسبرج الملكية. ويحضر قرابة 100 ألف شخص هذا الحفل الموسيقي الذي يقام في الهواء الطلق، وبعكس قاعة الاحتفالات التي يعتبر فيها السعال بمثابة جريمة، فإن الجماهير التي تحضر هذه الحفلات الموسيقية الصيفية يجلسون على العشب الأخضر ويرقصون على أنغام الموسيقي في أجواء احتفالية وترويحية. ويقول جروسباور إن الأوركسترا على علم بأن الموسيقى الكلاسيكية هي بمثابة منتج يروق لفئة معينة من الجمهور، "ولكنها منتج متواجد منذ فترة طويلة". وبالتالي فقد بدأت أوركسترا فيينا الفيلهارمونية تسعى للوصول إلى فئات أوسع من الجماهير والشباب، بغرض استمالتهم ليكونوا جماهير المستقبل وربما أيضا موسيقيين محتملين. وينظم أعضاء الأوركسترا ورش عمل عديدة للطلاب النمساويين ويقومون بتدريب الفرق الموسيقية للصغار. ثالثا: الصبر والجدية للوصول إلى الهدف هناك طريقة أخرى للاستماع إلى الأوركسترا بانتظام، ولكنها تتطلب كثير من الصبر، وربما تستغرق هذه المسألة سنوات في الواقع. وفي حين أنه من الممكن بالطبع شراء تذاكر لإحدى حفلات أوركسترا فيينا الفيلهارمونية، فإن البعض يتوق لإقامة علاقة طويلة المدى بالفرقة عن طريق الاشتراك في الحفلات الموسيقية. ويقول جروسباور إن قائمة الانتظار للقيام بهذا الاشتراك طويلة، "وربما تستغرق 10 أو 12 أو حتى 13 عاما". ويتعين على المتقدمين إرسال طلبات الاشتراك في صورة ورقية خلال الفترة ما بين شهري آذار/مارس وأيار/مايو من كل عام، ثم ينبغي عليهم تكرار المحاولة في العام التالي ثم السنوات التي تليها حتى يحل دورهم في نهاية المطاف. ويحصل المحظوظون على فرصة لحضورعروض الحفلات الموسيقية لمدة عشر عطلات نهاية أسبوع في الموسم الواحد في قاعة أوبرا "موسيكفيرين" الفاخرة التي تشتهر بإمكانياتها الصوتية العالية التي تسلط الضوء على دفء وتفرد أنغام أوركسترا فيينا الفيلهارمونية. وتعزف أوركسترا فيينا الفيلهارمونية بطريقتها البديعة ليس فقط بسبب الأعمال الأوبرالية التي تقدمها، بل لأنها أيضا تستخدم آلات موسيقية مصنوعة بطريقة مختلفة عن الآلات التي تستخدمها غيرها من الفرق الموسيقية. ويقول جروسباور إن البوق الذي يستخدم في فيينا هو أحد هذه الأدوات الفريدة، فهو يبدو مثل المخمل، كما أنه أكثر نعومة وغموضا من أمثاله". رابعا: محاولة قيادة الفرقة الموسيقية على مدى تاريخها الذي يمتد على مدار 175 عاما، عمل موسيقيون من أمثال ريتشارد فاجنر وجيوسيبي فيردي ويوهانس برامز مع أوركسترا فيينا الفيلهارمونية سواء كقادة أوركسترا أو كعازفين منفردين. ويستطيع زوار العاصمة النمساوية محاولة السير على نهج هؤلاء الموسيقيين العظماء في "هاوس دير موزيك" أي "بيت الموسيقى"، وهو متحف موسيقي تفاعلي في فيينا. ويحتوي المتحف على منصة قائد أوركسترا وشاشة فيديو تظهر عليها الفرقة الموسيقية. وبينما يحرك الزوار عصاة قيادة أوركسترا إلكترونية، يتفاعل الموسيقيون على الشاشة أمامهم، مما يؤدي إلى انبعاث موسيقى متناغمة أو يشيع جو من الفوضى في بعض الأحيان. وإذا ما ساءت الأمور، فسوف يصيح أحد الموسيقيين على الشاشة قائلا: "إن قيادتك للأوركسترا في الحقيقة مروعة، فإنك مجرم موسيقي". خامسا الانضمام إلى أوركسترا فيينا الفيلهارمونية كعازف يتعين على أولئك الذين يحلمون بالحصول على وظيفة لدى الأوركسترا أن يخوضوا أولا اختبار قبول في غاية الصعوبة من أجل العزف لدى دار أوبرا فيينا الرسمية. ولابد أن يثبت الموسيقيون جدارتهم لمدة ثلاث سنوات على الأقل في الأوبرا قبل أن يصبحوا أعضاء مكتملي العضوية في الأوركسترا. ومن المتوقع أن يتعلم الموسيقيون التقاليد الكلاسيكية للأوركسترا التي يتم توارثها من جيل إلى آخر بين زملاء الفرقة، كما يجب عليهم الالتزام بالجداول الصارمة للحفلات الموسيقية. ويقول جروسباور إن أعضاء الفرقة يدربون أنفسهم وفق أعلى المعايير مضيفا: "نحن لا نقدم عرضا فحسب، إنها مهنة جادة"، ويؤكد قائلا: "نحن نحترق من أجل موسيقانا".
