"دايقين المُر.. احنا غلابة عبّرينا يا حكومة" كلمات أصبح مزارعو القصب في نجع حمادي يتداولونها مرات ومرات، تعبيرًا عن غضبهم من تجاهل الحكومة لهم، وعدم مراعاة الصناعات المحلية الناتجة من محصول القصب، لاسيما السكر الذي يتم استيراده من الخارج بالرغم من وجود كميات كبيرة مخزنة داخل مصانع السكر، فضلا عن عدم زيادة سعر طن قصب السكر عن الموسم الماضي واستقراره عند 400 جنيه، أو الاهتمام بصناعة العسل الأسود التي تشتهر بها نجع حمادي، والذي يتم تصديره للخارج. مزارعون يكدحون ليل نهار، لا يتذوقون طعم الراحة، طوال موسم زراعة القصب، بداية من زرعه، مرورًا بعزقه وريّه وتسميده، حتى حصاده، حيث تواجههم أزمات عديدة ومتكررة كل عام، أهمها نقص العمالة اليومية وندرتها وارتفاع كلفتها، ونقص الأسمدة ومياه الري، حيث يحلم المزارعون بإنهاء موسمهم بالحصول على عائد مادي يساعدهم في ظروف الحياة الصعبة، ولكن حلمهم أصبح الآن هو إمكانية أن يسد العائد المادي مديونياتهم لدى بنوك التنمية والائتمان الزراعي وعدم تعرضهم للحبس. انهيار يقول عبده محمد، مزارع، إن زراعة القصب أصبحت مهددة بالانهيار بشكل كبير، حيث بدأ المزارعون في التخلي عنها "عشان مش جابية همها" موضحًا أن تكلفة الزراعة فاقت اجمالي العائد المادي للمزارع بأضعاف، ما يؤدي إلى مشقة للمزارع دون أي فائدة، مما جعل البعض يضطر إلى زراعة محاصيل أخرى مثل المانجو وبعض الأشجار المثمرة. ويضيف عبد الحميد محمد، مزارع، أن اضطرار المزارعين لتوريد القصب إلى العصارات البلدي يرجع إلى سببين، أولهما: الحفاظ على الصناعة المحلية التي تشتهر بها نجع حمادي، وثانيهما: عدم وجود زيادة في سعر طن قصب السكر في شركات السكر، فضلا عن تأخير صرف المستحقات المالية للمزارعين هناك. ويوضح محمد أن المزارعين أصبحوا الآن في حيرة كبيرة، خاصة بعد انخفاض سعر قنطار العسل الأسود، الذي وصل سعره إلى 140 جنيها فقط، ما يتسبب في وقوع ضرر على المزارع بشكل كبير ويجعله يفقد الأمل في الحصول على عائد مادي، وأيضا يتسبب في وقوع ضرر كبير على العمالة اليومية التي تنتظر موسم عصير القصب للعمل داخل العصارات، خاصة بعد أن توقف العمل بشكل نسبي داخل هذه العصارات وتسبب انخفاض سعر القنطار في وجود ركود في العسل الأسود، بعد عدم إقبال التجار لشرائه أيضًا. ويشير عبد الله محمد، إلى أن صناعة العسل الأسود أصبحت تقل بشكل نسبي، خاصة بعد انخفاض سعر القنطار، وعدم إقبال المزارعين على زراعة القصب، قائلًا "دايقين المُر بدل العسل" موجهًا رسالة للمسؤولين في الدولة بقوله "إحنا غلابة عبّرينا يا حكومة". ويوضح نشأت الرواي، صاحب عصارة، أن العسل الأسود ينخفض سعره بشكل مستمر، مما يجعل المزارعين يعزفون عن توريده للعصارات، التي يعمل بها عدد كبير من العمال المؤقتين، و"فاتحة بيوت ناس كتير" لافتًا أن انخفاض سعر القنطار يرجع إلى عدم إقبال التجار على الشراء "عشان يموتوا السوق" ويتحكمون في سعر العسل، خاصة في موسم العصير. شركة مساهمة ويشير عمر توفيق، نائب رئيس البنك الأهلي المصري فرع نجع حمادي، إلى أنه توصل إلى دراسة بحثية لإنشاء شركة مساهمة لخدمة مزارعي القصب وأصحاب عصارات العسل الأسود بقنا، حيث طرحت الدراسة المشكلات التي تواجه الصناعات القائمة على محصول قصب السكر والحلول المقترحة لعلاجها، مشيرا إلى أن الدراسة تطرح أن أهم المشكلات التي تواجه المزارعون، وهي ارتفاع أسعار الأيدي العاملة وندرتها، وعدم ملائمة الزيادات السنوية في أسعار القصب، وعدم إدخال الميكنة الحديثة في الزراعة والمحصول، وانخفاض أسعار منتج العسل الأسود داخل العصارات، حيث لا يتعدى سعره 4 جنيهات في حين يصل سعره عند التصدير إلى أكثر من 10 دولار أي ما يعادل 75 جنيها مصريا. وأضافت الدراسة، بحسب توفيق، أن منتج العسل غير مطابق للمواصفات القياسية، وبالتالي غير قابل للتصدير مباشرة قبل إجراء معالجة أخرى عليه، والطريقة الحالية لإنتاج العسل الأسود بدائية لم يتم تطويرها منذ الستينيات، وبالتالي فإن هناك فاقد في محصول قصب السكر يصل إلى 50%، حيث يتم استخدام آلات العصر البدائية، واستخدام المصاصة في عملية الغلي مما ينتج عنه فقد في الكمية الضخمة من المصاصة، بالإضافة إلى ضياع منتج هام أثناء انتاج العسل وهو المولاس في صورة شوائب "غشيم" يتم التخلص منه والذى يدخل في صناعة أكثر من 17 منتج آخر مثل العطور، الخل، الإسبرتو، الخميرة وغيرها. وأوصت الدراسة بعدة حلول لحل هذه المشكلات، منها إنشاء شركة مساهمة مصرية تطرح أسهمها للاكتتاب العام وتساهم فيها البنوك ورجال الأعمال وأفراد الشعب والجهات الحكومية ويكون مقرها المنطقة الصناعية بنجع حمادي، وتكون مهمتها استيراد المعدات الحديثة اللازمة لمحصول القصب وتصنيعها محليا، وبيع وتأجير هذه المعدات للمزارعين وشركات السكر واصحاب العصارات، وتطوير عصارات العسل الأسود بإدخال نموذج مطور لعصارات تم تصنيعها محليا بالتعاون مع وزارة الصناعة والهيئة العامة للتنمية الصناعية، تعمل بالطاقة الشمسية والغاز الطبيعي ويكون بالتقسيط لأصحاب العصارات. وقال نائب رئيس البنك الأهلي أن هذا سيؤدي لتوفير آلاف فرص العمل الثابتة لأبناء المنطقة، واستصلاح الأراضي الصحراوية المحيطة وزراعتها بمحصول القصب بالطرق الحديثة في الري بالاعتماد على الآبار الجوفية المكتشفة حديثا في الصحراء المصرية، والتعاون مع الشركات التي تعمل في هذا المجال مثل شركة الأهلي للتنمية الزراعية التي أقامها البنك الأهلي المصري في السودان لزراعة الأراضي السودانية وزراعة محصول القصب وتشغيل العمالة المصرية هناك. وأوضح توفيق أنه قدّم الدراسة من قبل لعدة هيئات حكومية لمناقشتها وبحث آليات تنفيذها، ومخاطبة هذه الجهات بالتعاون والتنسيق مع المزارعين.