تقدم تكنولوجي متسارع، وطرق نشر مختلفة، ومصادر مفتوحة للمعلومات.. جميعها تحديات كبيرة تواجه الصحافة الورقية، إلا أنه ما زال أمامها بقية من العمر، حيث قد تستمر لجيلين مقبلين، بحسب قراء ومختصين، رغم الاعتراف بهيمنة الإعلام الرقمي، وأن المستقبل سيكون له بنسبة 100%. "ولاد البلد" تسأل، هل ما زالت الصحف الورقية تمنح القارئ متعة التصفح والاطلاع بما تمثله من رصيد تاريخي وثقافي؟ أم أن الإعلام الرقمي بما يملك من قدرة أسرع في جلب ومتابعة المعلومة والحدث سيهزم الصحافة الورقية؟ تقول هبة عطية، مهندسة، إن الصحافة الورقية تأثرت في العالم أجمع بثورة المعلوماتية والانترنت، وأصبح غالبية قراء المواد الصحفية يتابعونها من خلال المواقع الإخبارية وصفحات النشر الإليكتروني، كونها بلا مقابل مادي مدفوع، إضافة لسرعة تحديثها وجاذبية العرض بها. وتضيف عطية أن هناك من تنقطع علاقته بالصحافة الورقية، التي أصبحت جزء من روتين حياتهم اليومي، ومشهد المقهى الذي يجلس به البعض وهو يقرأ صحيفته الورقية أثناء تناوله مشروبه الصباحي أو تدخينه "الشيشة" لن يمحى من ذاكرة الكثير من شعوب العالم، مشيرة إلى أنها لا تفضل قراءة الجرائد الورقية وتعتمد على الصفحات الإلكترونية. ويقول الحاج محمود عباس، بائع بمحل أحذية، سأخسر كثيرا لو توقف إنتاج الجرائد الورقية لأنني أستفيد منها جدا في حشو الشنط من الداخل حتى تظهر الشكل الخارجي للشنطة، ولا أقرأ في أي جريدة سوى المانشتات. تناقص البيع يقول عادل رجب رمضان، بائع صحف، إنني ورثت هذه المهنة عن والدي، ومنذ أعوام تراجع إقبال القراء على شراء الصحف الورقية، ونسبة كبيرة من القراء يفضلون القصص الخبرية والعناوين المثيرة، وهو ما يؤدي لزيادة حجم وانتشار صحف الإثارة التي تهتم بموضوعات يحتل فيها الجنس والجريمة مساحة أكبر. ويضيف رمضان أن الجرائد الورقية تحتاج إلى تطوير في المحتوى وفي الشكل والتنوع، والمصداقية التي يقل الالتزام بها ما يفقد ثقة القارئ تجاه الصحيفة الورقية. ويضيف محمد حسن محمد، بائع صحف، أنه منذ 47 عاما وهو يعمل بائع جرائد، رغم أنها الآن لاتحقق له دخلا ثابتا، فأ قصى عدد يبيعه يوميا يكون مائة نسخة من كل الجرائد التي يعرضها، التي يتجاوز عددها 20 جريدة، ويضيف محمد: أعتقد أن ارتفاع سعر الورق الذي تسبب في ارتفاع أسعار الجرائد له علاقة بضعف الإقبال على الشراء. ويقول رمضان سيد محمد، بائع جرائد، أعتقد أن دخول الانترنت سبب أساسي في أزمة الصحافة الورقية، وهو ما تعكسه أرقام البيع والتوزيع قبل وبعد ظهور الإنترنت والمواقع الإخبارية عبره. وتقول كوكب أحمد، بائعة صحف، كنت أبيع أكثر من نسخة للقارئ الواحد يوميا في أيام التسعينيات، وكان موزع الجرائد يأتي بالأعداد فوق دراجته، وكنت أبيعها جميعها بعد نزولها بوقت قليل، اليوم أبيع 20 نسخة فقط، لأن القراء استسهلوا قراءة الأخبار على الانترنت بدلاً من شراء الصحف الورق. تطوير المحتوى وتضيف كوكب أن تطوير شكل الجريدة الورقية واختيار موضوعات صحفية مهمة هي ما يجذب القراء للشراء، وهو ما أراه في الزبائن اليوم، فالقارئ يبحث عن العنوان الجذاب والموضوع الأكثر أهمية و مصداقية، وإن لم يجد ذلك يقل الإقبال على شراء الصحف، وكثير من الصحف التي تهتم بكتابة عناوين مثيرة تباع سريعا، وأخرى لا تباع على الإطلاق وتبقى النسخ موجودة للعدد الآخر، ولا يباع منها سوى نسخة واحدة. ويرى مصطفى ثابت، رئيس التحريرالتنفيذى لبوابة الفجر الإليكترونية، التابعة لجريدة الفجر الورقية، أن الصحافة الورقية في طريقها للإندثار في معظم دول العالم وليس في مصر فقط، فقد أغلقت جرائد ورقية في فرنسا وألمانيا وانجلترا، وتحولت إلى الإصدار الإليكتروني فقط، لذلك لابد من تطوير الصحافة الورقية من آدائها كي تواكب ما يحدث، ولابد أن تزيد الصحف الورقية من التحليلات والتحقيقات والمقالات التي يكتبها القراء. ويضيف ثابت أن 80% من المواطنين الذين يتابعون قراءة الصحف لايعتمدون اعتمادا كليا على الصحف الورقية، حيث أصبح هناك الآن طرقا كثيرة للمعرفة والاطلاع من خلال صحافة الديجتيال مثل sms، ومن مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا عموما، وأمام هذه النقلة بدأت بعض الصحف الورقية تضيف خدمات الديجتيال. ويرى محمود عمر، مدير مكتب جريدة الأخبار بالفيوم، أنه لا غنى عن الصحافة الورقية لأنها تختلف كثيرا عن الصحافة الإلكترونية، التي تعتمد على المعلومة فقط دون التطرق إلى التفاصيل أو البحث فيما وراء الخبر، ولا أنكر أن الصحافة الورقية تعيش أزمة كبيرة بسبب ثورة التكنولوجيا، ولعل أبرز ما يجعل القارئ يبتعد عنها هو عدم جدوى وجدية المحتوى المقدم بها. ويضيف عمر أنه على الرغم من أن خبراء الإعلام يتوقعون انتهاء الصحافة الورقية في عام 2020، إلا أنني أرى أنها لن تختفي لأن مازال هناك قارئ يتمسك بقراءة صحيفته صباحا، وعلى الصحافة الورقية أن تتمتع بالاستقلالية وجودة المحتوى والصورة ونوعيتها والبعد عن الشكل التقليدي، وأن تقدم مادة خبرية مغايرة وليست المادة التقليدية التي تتداولها المواقع بطريقة أقرب للنسخ، ويجدها القارئ في اليوم التالي منشورة في الصحف الورقية ما يجعله يعزف عن شراء الجريدة التي لا تقدم له الجديد. المنافسة وترى داليا راشد، محررة صحفية لموقع إليكتروني، أن الصحافة الورقية ليس في مقدروها منافسة المواقع الالكترونية، التي تعتمد على سرعة تحديث أخبارها على مدار اليوم، فالقارئ غير مضطر لأن ينتظر 24 ساعة لمعرفة الخبر فيما يمكنه الحصول على أحدث الأخبار من خلال تويتة على تويتر أو بوست على "فيس بوك". وتضيف داليا أن الصحافة الإليكترونية تتيح مساحة كبيرة للتسلية بأشكالها المختلفة لإخراج القاريء من الضغوط اليومية، وتستخدم الرسومات البيانية والجداول لتسهيل مادة الموضوع للقارئ، واستخدام الإنفوجراف للموضوعات التي بها أرقام وإحصاءات. ويقول الصحفي محمد الفل، مدير مكتب جريدة الجمهورية بالفيوم، إن الوضع العام للصحافة الورقية الآن في تراجع أمام الصحافة الاليكترونية، التي تنقل الحدث لحظة حدوثه، ولكن مع هذا الصحافة الورقية ستظل باقية لأنه لا توجد وسيلة إعلامية تقوم بإلغاء وسيلة أخرى، وما يحدث أن الصحافة الاليكترونية أثرت سلبا على الصحافة الورقية بخصم جزء من قرائها وجمهورها، لكن يبقى للجريدة الورقية قيمتها ووضعها لدى جمهور قرائها الذين يذهبون يوميا قبل عملهم لبائعي الصحف لشراء صحيفتهم لقراءتها، وبعضهم لا ينام ليلة واحدة بدون قراءة صحيفته المفضلة. ويضيف الفل أنه ستبقى الصحف القومية والصحف الحزبية وأيضا الصحف المستقلة، لكن بقاءها مرهون بتطبيق المعايير المهنية الصحفية. وبحسب خبراء في مجال السوشيال ميديا تحظى الصفحات الإلكترونية بعدد هائل من المتابعين، حيث يرى أحمد سليمان، مدير صفحة "كشف فساد المحليات" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" الصحافة الورقية انتهت بالفعل، وتضائل عدد قرائها لعجزها عن التحديث المستمر للأخبار والمتابعة، وتقديم مادة في وقت أسرع وبتكلفة قليلة، لذلك دشنت صفحة "كشف فساد المحليات" وتهتم بنشر أخبار المحليات والقرى ومشكلات الأهالي. السوشيال ميديا ويضيف سليمان أن أحيانا يتناول صحفي من صحفيي الفيوم الذين أعرف بعضهم قضية ما، ويقوم بالكتابة عنها في الصفحة، وهو ما جعل عدد متابعي الصفحة يتجاوز أكثر من 15 ألف متابع. ويرى ناصر المصري، مسؤل السوشيال ميديا بصفحة طامية مباشر، أن من أهم أسباب تأثير السوشيال ميديا على الصحافة الورقية هو سرعة نقل الأخبار بعد دقائق قليلة من وقوعها، وتطور استخدام الإنترنت وكل فنون السوشيال ميديا، مضيفا: أعتقد أن الصعوبات التي تواجهها الصحافة الورقية، المرتبطة بالنواحي المالية والقانونية، تؤثر بالسلب على آدائها. ويرى الدكتور حسين ربيع، مدرس الصحافة بالمعهد الدولي للإعلام بأكاديميه الشروق، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الشروق نيوز، أن الصحافة الورقية تمر بأزمة انتشار تأثرا بمصادر المعلومات الأخرى وخصوصا الفضائيات والانترنت، مضيفا أنه لكي تحافظ الصحافة الورقية على ما تبقى من مكانتها فليس أمامها إلا استخدام صحافة العمق والتحليل وهو ما يعرف ب "الصحافة الاستقصائية" وهي صحافة تعنى بالبحث والتنقيب عن قضايا ومشكلات تهم المجتمع والتعمق في تناولها.