أسعار الدواجن واللحوم اليوم 26 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 26 مايو    متى تنتهي خطة تخفيف الأحمال؟ وزير المالية حسم الأمر    الجثث تفحمت، مصرع 27 شخصا بينهم أطفال في حريق ضخم بمتنزه هندي (فيديو)    أنطونوف: بايدن يهين الشعب الروسي بهجماته على بوتين وهذا أمر غير مقبول    مشهد بديع لشروق الشمس من قلب الريف المصرى فى الشرقية.. فيديو    الدبلومات الفنية 2024| اليوم.. استمرار الامتحانات داخل 2562 لجنة    اليوم بدء أعمال التصحيح لامتحانات الفصل الدراسي الثاني لإعدادية البحر الأحمر    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    نقع الأرز ل4 ساعات يخفض مستويات السكر في الدم    عاجل.. زلزال بقوة 6،3 درجات يضرب جزر فانواتو    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني عبر موقع بوابة التعليم الاساسي    إيلون ماسك يحذر المستخدمين من سرقة رسائلهم على واتساب    حقيقة وفاة الداعية التركي فتح الله جولن    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    وزير البترول: وزارة الكهرباء تتخلف عن سداد فواتير الوقود ب 120 مليار سنويا    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    وزير البترول: ندعم وزارة الكهرباء ب 120 مليار جنيه سنويا لتشغيل المحطات    والدة مصطفى شوبير: وجوده مع الشناوي شرف.. وعزومة «حمام ومحشي» للاعبي الأهلي    المقاولون العرب يهنئ الأهلي على فوزه بدوري أبطال أفريقيا    «أصعب 72 ساعة».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم وتحذر من تغير مفاجئ بالحرارة    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج العقرب    حظك اليوم برج السرطان 26/5/2024    "هرب من الكاميرات".. ماذا فعل محمود الخطيب عقب تتويج الأهلي بدروي أبطال إفريقيا (بالصور)    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    واجب وطني.. ميدو يطالب الأهلي بترك محمد الشناوي للزمالك    أسعار الذهب اليوم الأحد 26 مايو 2024 محليًا وعالميًا    نيابة مركز الفيوم تصرح بدفن جثة الطفلة حبيبة قتلها أبيها انتقاماً من والدتها بالفيوم    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الدلو    جورج لوكاس يتسلم "السعفة الذهبية" بحضور كوبولا في ختام كان السينمائي    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    وزير الرياضة ل"قصواء": اعتذرنا عما حدث فى تنظيم نهائى الكونفدرالية    سلوى عثمان تنهار بالبكاء: «لحظة بشعة إنك تشوف أبوك وهو بيموت»    مشابهًا لكوكبنا.. كوكب Gliese 12 b قد يكون صالحا للحياة    حزب المصريين: الرئيس السيسي يتبع الشفافية التامة منذ توليه السلطة    رابطة النقاد الرياضيين تُثمن تصريحات الشناوي بتأكيد احترامه للصحافة المصرية    أطول إجازة للموظفين.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات للقطاع العام والخاص    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث.. وما يجب فعله للوقاية    العلاقة المشتركة بين سرطان الرئة وتعاطي التبغ    بيرسي تاو يُهادي جماهير الأهلي بعد التتويج بدوري أبطال أفريقيا (فيديو)    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    صوّر ضحاياه عرايا.. أسرار "غرفة الموت" في شقة سفاح التجمع    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    الأزهر للفتوى يوضح العبادات التي يستحب الإكثار منها في الأشهر الحرم    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي «طنطا» و«مدينة السادات»    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هو السِّنُّ أو المَرحَلَة التي يبلغها اليتيم لتنتهي فيها كفَالتُه؟
نشر في مصراوي يوم 30 - 01 - 2016


تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
اليتيم في اللُّغة: (فَعِيلٌ) من اليُتْمِ، وهو في الأصل: الانفِراد؛ حيث صار مُنفرِدًا بعد وفاة أبيه، ويُطْلَق أيضًا على الغَفْلة والضعْف، ومن هذا المعنى سُمِّيَ اليتيم بذلك؛ لفقدانه أباه حين احتياجه إليه، كأنه أُغفِلَ فَضَاع؛ قال الأصمعي: [اليتيم من النَّاس: الَّذِي قد مَاتَ أَبوهُ، وَمن الْبَهَائِم: الَّذِي قد مَاتَت أمه] نقلًا عن "جمهرة اللغة" لابن دُرَيْد، وجاء في "المخصص" لابن سيده: [قال الطوسي: اليَتَم: الغَفْلة، ومنه اليتيم، كأنه أُغْفِل فضاعَ، والإجماع أن اليتيم الفرد، ويتم إذا انفرد ومنه "الدرة اليتيمة"].
أما في الاصطلاح: فهو مَن مات أبوه وهو لم يبلغ الحلم. وكفالة اليتيم هي رعايته وتعهده بما يصلحه في نفسه وماله، قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في "شرح مشكل الصحيحين": [معناها: القيام بأمره وتربيته].
وقال الإمام النووي في "رياض الصالحين": [كافِل اليتيم: القائمُ بأموره]، قال شارحه العلامة ابن علان الصديقي الشافعي في "دليل الفالحين": [دينًا ودنيًا، وذلك بالنفقة والكِسوة، والتربية والتأديب، وغير ذلك]. وقد وَسَّع الفقهاء معناها حتى جعلوها شامِلةً لكُلِّ مَصلحةٍ لليتيم صغُرَتْ أم كَبُرَت؛ قال العلامة الزرقاني: [مِن جملة كفالة اليتيم إصلاح شعره، وتسريحه، ودهنه].
والكفالة على نوعين: ماليةٌ، وأدبية، وهي بنوعيها من أنواع التبرع، وهو: بَذْل الْمُكَلَّفِ مَالًا أَوْ مَنْفَعَةً لِغَيْرِهِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلا عِوَضٍ، بِقَصْدِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ غَالِبًا، وفي الكفالة المتعارَف عليها بين مؤسسات المجتمع المدني -والتي تقوم بها دُور الأيتام عمومًا- يبذل الكافل للمكفول المالَ والمنفعةَ معًا. فهي مُتَحَقِّقَةٌ شرعًا ويترتب عليها الثواب بحصول أَحَدِ نوعيها أو كليهما -الماليّ منها، والأدبيّ-؛ قال الإمام النووي في "شرح مسلم": [وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولايةٍ شرعية].
وكفالة اليتيم من أجَلّ الأعمال وأعظمها ثوابًا عند الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث ورد القرآن برعايته والقيام له بمصالحه والتحذير من إذايته وإهماله في أكثر من عشرين موضعًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القائم بكفالة اليتيم في المقام الأسمى والمحل الأرفع الذي هو غاية كل مسلم محبٍّ لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو: رفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؛ فأخرج البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وأخرج مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كَافِلُ الْيَتِيمِ له أو لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّةِ» وأشار بإصبعيه السبَّابَة الوُسْطَى.
وقد رتَّب الشرع الشريف هذا الأجر العظيم على كفالة اليتيم؛ لأنّ في الكفالة جبرًا لضعْف اليتيم وقيامًا مقامَ عائله الذي فقده، وإنما ينجبر الضعف باستغناء اليتيم عن غيره وقدرته على القيام بنفسه، وهذا يقتضي أنّ الكفالة لا تتوقف بمجرد بلوغ اليتيم، بل تستمر حتى استغنائه عن الناس وبلوغه الحد الذي يكون فيه قادرًا على الاستقلال بشؤونه والاكتساب بنفسه؛ فالكفالة باقية ما بقيت الحاجة إليها، وأجْرها مُستَمِرٌّ ما دام مُقتَضِيها باقيًا.
وبذلك وردت نصوص الشريعة؛ فجعلت أحكام اليتم لا تنتهي ببلوغ اليتيم، وأن ما يترتب على وصف اليتم لا يرتفع عنه حتى يبلغ مبلغ الرشد ويصل حَدًّا يمكنه فيه الاستقلال بأموره والاكتساب بنفسه دون حاجة إلى غيره: فجاء في القرآن الكريم إطلاق اليُتْمِ على البالغين؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾. [النساء: 6]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3].
قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي: [وسمَّاهم "يتامى" لأحد معنيين: إما لقُرب عهدهم بالبلوغ، أو لانفرادهم عن آبائهم مع أن العادةَ في أمثالهم ضعفُهم عن التصرفِ لأنفسهم والقيامِ بتدبير أمورهم على الكمال حسب تصرف المتحنكين الذين قد جربوا الأمور واستحكمت آراؤُهم].
وقال الإمام الزمخشري: [وحقُّ هذا الاسم (اليتيم) أن يقع على الصِّغار والكِبار؛ لبَقاء معنى الانفِراد عن الآباء، إلا أنَّه قد غلب أن يُسَمَّوْا به قبل أن يبلُغوا مبلغ الرِّجال، فإذا استغنَوْا بأنفسهم عن كافِل وقائم عليهم، وانتَصَبوا كُفَاةً يكفلون غيرهم ويقومون عليهم، زال عنهم هذا الاسم].
وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحديدُ أمد الكفالة: بأنه يمتد إلى حين استغناء اليتيم بنفسه عن كافله؛ فأخرج ابن المبارك في "الزهد"، وأبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو يعلى في "مسانيدهم"، والطبراني في "المعجم الكبير" من حديث مالك -أو ابن مالك- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ»، وإسناده حسنٌ كما قال الحافظان: [ورواته ثقات] ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط".
وبذلك صرَّح حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ فروى الإمام مسلم في "صحيحه" وغيرُه؛ أنّ نَجْدَةَ الحَرُورِيَّ كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله؛ فكان فيما أجابه: "وكتبْتَ تسألُني: متى ينقضي يُتْمُ اليتيم؟ فلعمري، إنّ الرجلَ لَتَنْبُتُ لحيتُه وإنه لَضَعيفُ الأخذِ لنفسه، ضعيفُ العَطاء منها، فإذا أخذ لنفسه مِن صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليُتْمُ".
قال الإمام الجصّاص الحنفي في "أحكام القرآن": [فأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن اسم اليتيم قد يلزمه بعد البلوغ إذا لم يستحكم رأيُه ولم يُؤنَس منه رشدُه؛ فجعل بقاء ضعف الرأي موجبًا لبقاء اسم اليتيم عليه].
وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم بفوائد مسلم": [ذهب مالك وأصحابه وكافة العلماء: إلى أن يُتْمَ اليتيم لا يخرجه مجرد البلوغ ولا علو السن؛ حتى يُؤنَسَ منه الرشد وضبطه المال، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة دُفِعَ إليه مالُه وإن كان غير ضابط له].
وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم": [وفي هذا دليلٌ للشافعي ومالك وجماهير العلماء أنَّ حكم اليُتْم لا ينقَطِع بمجرَّد البلوغ، ولا بعلوِّ السن، بل لا بُدَّ أن يظهر منه الرشد في دينه وماله، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، زال عنه وصار رشيدًا يتصرَّف في ماله].
ويشهد لذلك الأصل اللغوي لاسم اليتيم؛ فليس في معناه لغةً ما يُفيدُ حدَّه بالبلوغ؛ فإن الانفراد والغفلة والضعف كلّها معانٍ لا تتوقف على الصغر، وإن كانت تغلب فيه؛ ولذلك سمى العرب المرأة يتيمة حتى تتزوج، ومنهم مَن أطلق وصف اليتم على النساء من غير تقييد بالزواج.
يقول الإمام الزمخشري في "الكشَّاف": [وأمَّا قوله عليه الصلاة السلام: «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» فما هو إلا تعليمُ شريعةٍ، لا لغة؛ يعني: أنه إذا احتلم لم تجرِ عليه أحكام الصِّغار].
واليتيم يكون أحوج ما يكون إلى الكفالة رعايةً وكفايةً وإصلاحًا في المرحلة التي تلي البلوغ؛ إذ هي أكثر مراحل العمر حرجًا، بل إن الواقع يشهد بأن توقف الكفالة في هذه السن قد يكون سببًا في ضياعه وانقلابه على المجتمع الذى تركه دون أن يضع قدمه على الطريق أو تكتمل له عناصر النجاح.
فكفالة اليتيم لا تتوقف ببلوغه، وإن زال عنه وصف اليُتْم عُرْفًا، أو بالتكليف الشرعي الذي يُقصد به خروجُه عن حد الصِّغَر، وإنما تستمر بعد بلوغه إلى وقت حصول رشده؛ كما في إيتاء الأموال في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾.. [النساء: 6]، وذلك يتحقق بحصول الأهلية الكاملة لليتيم، التي تبيح له أن يباشر كافة التصرفات بنفسه، وتسقط بها وصاية غيره عليه، وتنتهض بها مسؤوليتُه الكاملة عن كل ما يصدر عنه مِن أعمال، ويخرج بها اليتيم عن وصف "القاصر".
فتحصل من ذلك: أن الشريعة قصدت بكفالة اليتيم: رعايتَه في جميع شؤون حياته ومعيشته مأكلا ومشربًا وملبسًا ومسكنًا وتأديبًا وتعليمًا وتثقيفًا وزواجًا، وغير ذلك من ضروريات الحياة وحاجياتها؛ كما يصنع الوالدان بولدهما سواءً بسواءٍ؛ حتى يصل إلى مرحلة الاستقلال التامة نفسيًّا واجتماعيًّا وماليًّا بحيث يكون قادرًا على بناء أسرته قائمًا بشؤونه مُنفِقًا على نفسه وعلى من يعول.
وتحديد المرحلة أو السنّ التي يتم فيها استقلالُ اليتيم بنفسه رعايةً وكفايةً واكتسابًا بحيث تنتهي كفالته عندها: هو أمرٌ يخضع لحالته وقدراته الذاتية واستعداده النفسي، كما يخضع للعرف والنظام المجتمعي وطبيعة العصر الذي يحيا فيه؛ وهذا كما عليه المحققون من الفقهاء في حد العطاء في الزكاة؛ فيجوز إعطاءُ الإنسان من الزكاة حتى تُخرِجه من حدّ الحاجة إلى حدّ الغنى بل ويُعطى عند جماعةٍ مِن الفقهاء ما يُغنيه عمرَه كلَّه بتقدير العمر الغالب لأمثاله؛ وهذا يقتضي أنّ كفالة الأيتام تشمل توفيرَ فُرَصِ العمل لهم، فإن كان استعدادُ اليتيم متوائمًا مع الجانب الحِرفي أُنفِقَ عليه حتى يتقن الحرفة التي يمكنه أن يتمهَّر فيها، ثم أُعطِيَ من الآلات في حرفته ما يكفيه لتمام نفقته، وإن كان صاحب عِلْمٍ أُعطيَ من المال ما يُغنِيه ويُفَرِّغه لهذا العلم من كُتُب وأُجرة تعلُّم ومعلِّم وغيرها، ومن ذلك مِنَح التفرغ التي تُعطَى لِمَن أراد الحصول على مؤهل علمي معين يناسب كفاءته العلمية وقدرته العقلية، أو حتى لمن يحتاج إلى هذا المؤهل العلمي للانسلاك في وظيفة تُدِر عليه دخلاً يكفيه ومَن يعوله؛ حيث اقتضت طبيعة العصر وابتناء الوظائف وفرص العمل فيه على المؤهلات العلمية أن صار المؤهل بالنسبة له كالآلة بالنسبة للحِرَفي علاوة على ما يكتسبه في ذلك من علم يفيده ويفيد أمته.
وكذلك اليتيمة تَظَلُّ في الكفالة حتى تتزوَّج، ويُنفَق عليها في توفير جهازها وإحضار مستلزمات زواجها، وكذلك ذوو الاحتياجات الخاصة مِن الأيتام؛ يبقون في الكفالة ما بقيَ احتياجُهم لغيرهم.. وهكذا.
وعلى ذلك: فكفالة اليتيم والصرف عليه ومَن في حُكْمِه -كمجهول الأبوين- لا ينبغي أن ينقطع بمُجَرَّد بُلُوغِه الحُلُم، أو بُلُوغِه سِنًّا أكبر مع كونه ما زال مُحتاجًا إلى من ينفق عليه ويقف بجانبه، بل يستمر الصرف عليه إلى أن يصل إلى بَرِّ الأمان ويعتمد على نفسه؛ كأن يلتحق بإحدى الوظائف، أو يحوز من المشاريع ما يُدِرُّ دخلًا منتظمًا يكفيه ومَن يعوله، وكذلك اليتيمة أو مَن في حُكْمِها -كمجهولة الأبوين- يَظَلُّ الإنفاق عليها مستمرًّا حتى تتزوج بما يشمل توفير جهازها ومستلزمات زواجها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
فتاوى متعلقة:
- ما هو الحكم الشرعى فى التسول؟
- ما الشروط الواجب توافرها في الحاضنة -أم الأطفال- في حالة الانفصال؟
- ما حكم تصرف الأب في مال أولاده القصر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.