"لما أنا ارجع من سيناء وغيري يرجع من سيناء أومال مين اللى هيفضل هنا عشان يحميها، اللي مكتوب له حاجة هيشوفها في أي مكان" كانت هذه آخر كلمات نطق بها الشهيد محمد جوده لطفي السواح، آخر ضباط الشرطة بمحافظة الدقهلية الذي استشهد بسيناء، عندما ودع والداته في آخر زيارة له بمنزلهم البسيط بقرية برق العز التابعة لمركز المنصورة. رحل "السواح" عن عمر يناهز 26 عاما، بعد استشهاده في 23 من شهر أكتوبر الماضي، تاركا خلفه طفلين الأولى "بتول" 3 أعوام، والآخر في رحم زوجته. وتأتى الذكرى الأولى لعيد الشرطة، بعد مرور ثلاثة أشهرعلى استشهاد "السواح" بسيناء، إثر انفجارعبوة ناسفة بمدرعة الأمن المركزى الذي كان يستقلها هو و3 جنود آخرين، في إحدى المأموريات الخاصة بقطاع الأمن المركزى بالإحراش بمنطقة سيناء، وسط حالة من الحزن والفقد يعيشها أهله وأصدقاؤه يتذكرون خلالها ذكرياتهم ومواقف التى عاشوها معا.
"السواح كان دايما بيطلب الشهادة من ربنا" هكذا استهل النقيب أحمد طلعت، ضابط بمديرية أمن الدقهلية، حديثه عن صديق طفولته الذي استطاع أن يغير مجرى حياته من عشقه لكرة القدم إلى الاقتناع والتقديم فى كلية الشرطة بعد انتهائهم من مرحلة الثانوية معا. ويضيف طلعت "أنا والسواح أصدقاء منذ مرحلة الإعدادية، فى المدرسة مع بعض والدروس مع بعض ولعب كرة القدم كمان، وأيام ما كنا بنلعب فى فريق المنصورة كنا نتمرن وندرب بردو مع بعض، السواح طول عمره وهو صغير كان نفسه يكون ضابط، لدرجة أن بعد ما انتهينا من مرحلة الثانوية العامة بمدرسة برق العز الثانوية، قال لي أنت لازم تدخل كلية الشرطة معايا، قلت له يا محمد شرطة إية أنا بحب الكورة ومش هسيبها مليش في الشرطة، رد علي "إحنا مش بنعمل كل حاجة مع بعض هتيجى تقدم معايا" لدرجة أنه أرسل والده لوالدي عشان يكلمه ويقنعه أن أدخل كلية الشرطة معاه". "أسوأ وأحسن مكالمة حصلت في حياتي في نفس الوقت" هكذا يصف طلعت تلقيه مكالمة هاتفيه في السابعة صباحا من ضابط زميل له بالأمن المركزي بقطاع الأحراش بسيناء، يخبره بأن صديق العمر استشهد بعد تفجير مدرعته بألغام الإرهابيين فى سيناء. يتابع أنه لا يعرف كيف يصف المكالمة هل بالكارثة لرحيل صديق عمره، أم بالفرح والسعادة لأن ربنا استجاب لدعاء السواح وأعطاه الشهاده التي كان يتمناها دائما. ويختتم طلعت حديثه بموقف فى ذاكرته لا ينساها طيلة 13عاما من الصداقه مع السواح، قائلا،"فى يوم كنا في شهر رمضان، وبعد ما خلصنا الكلية كنا واخدين إجازة ومروحين فى الطريق راكبين ميكروباص كل زمايلنا كانوا فاطرين اليوم ده من شدة التعب والإجهاد في تمارين الكلية، محمد الوحيد اللي كان فينا صايم وأصر أن يكمل صيامه حتى نهاية اليوم، محمد ملتزم جدا بدينه وبصدقاته مع كل أصحابه، وكان موجود في فرحي ومتأخرش عليا. مواقف كتيرة جدا من عمرى مقدرش أنساها مع السواح، والنهاردة في أول ذكرى لعيد الشرطة بعد وفاته أنا وكل زمايل محمد روحنا نزور والدته ونطمن عليها وعلى ولاده.
أنا هفضل هنا فى سيناء لما أجيب حق أحمد حجازي وحق الرجالة والخدمة هنا مثلها مثل أى مكان، اللى ربنا كاتبه هنشوفه في أي مكان" هكذا استهل النقيب محمد صلاح، صديق السواح وابن خالته، آخر كلمات ودع به صديقه وقريبه وزميله فى كلية الشرطة والذي هون عليه أول 45 يوما من التحاقه بكلية الشرطة.
أحمد حجازى ومحمد السواح ويضيف صلاح "السواح كان إنسان بسيط جدا وطيب وصاحب صاحبه، عمره متأخر على طلب لحد أو كلم حد فينا فى يوم من الأيام وحش، كانت روحه خفيفة ومتواضع وبيهزر مع الكبير والصغير". ويشير صلاح إلى أن السواح كان يسبقه بعام دراسي فى كلية الشرطة، وأنه الوحيد الذي هون عليه أول 45 يوم فى الكلية، قائلا "السواح قالى كلمة مش قادر انساها وانا رايح الكلية أول مرة الساعة 7 الصبح قا لي: آخر حاجة تفكر فيها الانتحار اثبت وخليك راجل". ينقطع صديقه عن الحديث باكيا بشده، لتذكره موقف مؤلم بعد وفاة صديقه، قائلا "السواح مات وترك زوجته حامل فى الشهر الثانى يعنى لما طفل يتولد وأبوه ميت لا هو شافه ولا ابنه شافه ده أصعب إحساس ممكن حد يمر بيه ربنا يصبر زوجته وأهله، ده كمان غير بنته بتول اللى عندها دلوقتي 3 سنين، ودائما تسأل عليه".
الدموع تتساقط من عينيه ولا يستطيع مواصله الحديث، ليختتم صلاح حديثه عن صديق عمره وابن خالته، بذكرى لن ينساها معه وهى، "إن السواح أرسل له رسالة وهو فى الكلية في أول 45 يوما لعدم وجود وسيلة اتصالات بينهما مكتوبا فيه، "خليك راجل واثبت ولو احتجت أى حاجة تجيلك عرف أي ضابط بس نازل من عندك من المنصورة وأكيد هيوصلنى"، الجواب دة من سنة 2007 وهو معايا وهيفضل معايا لحد ما أموت مش هيفارقني أبدا.
صورة الجواب وبعد مرور 3 أيام على استشهاد السواح، أصدر محافظ الدقهلية قرارا بتغيير اسم مدرسة برق العز الابتدائية، إلى مدرسة الرائد محمد لطفي السواح، ومنذ لحظتها أصبح السواح حديث القرية وبطلها الذي استشهد على يد الإرهاب الغاشم دفاعا عن أرض الفيروز. اتصال هاتفي تلقته والدة السواح فى الخامسة صباحا من يوم استشهاده يقول لها "ادعيلى يا أمي أنا طالع مأمورية، فقالت له والدته "متقلقش علينا يا محمد خليك أنت بس فى نفسك وخد بالك يابني وربنا يحميك ويرجعك بالسلامة لينا يارب.
والدة محمد السواح تقول والدة السواح، "كل إجازة محمد كان ينزلها كنت بقوله يامحمد هتسيب سيناء وترجع امتى بقي، انت ليك هناك سنتين بس وأنته خلصتهم من زمان مش هترجع بقي وتريح قلبي من الوجع اللى أنا عايشه فيه ده"، مطالبة الرئيس السيسي بالقضاء على الإرهاب الأسود الغاشم الذي راح ضحيته السواح والعديد من شباب مصر دفاعا عن أرض الوطن وحماية أهالينا. وتختتم والدته حديثها بأن أصدقاء محمد يزورونها من وقت لآخر ويسألون للاطمئنان عليها، حتى فى ذكرى عيد الشرطة اليوم زاروها للاحتفال معها ولمواستها فى رحيل نجلها الذي مر عليه 3 أشهر.