أمام أحد الأضرحة الشهيرة بالأقصر، تقف سيدة مسنة تسأل القبر الشفاء، وأخرى على ملامحها مسكنة المعوذ تسأل الولد، وهذا يرد المال، وذاك يرد الزواج أو النجاح. مشاهد اعتادت على رؤيتها العين في مختلف محافظات الجمهورية التي لا تخلو من قبور وأضرحة ومقامات يتقرب إليها الناس بالقرابين، ويبتهلون إليها بالدعاء، ويتمسحون فيها تبركا، وحتى السجود إليها أحيانا. في محافظة الأقصر، جنوبي مصر، نجد العديد من المقامات التي لها جذور تاريخية، ومن أهمها مقام "أبو الحجاج" الذي يعد من أكبر وأقدم المقامات بالمحافظة ، وهو للزاهد أبو الحجاج الأقصري، يأتي إليه المريدون من جميع أنحاء المحافظة ومن محافظات أخرى، للتبرك به، وطلب قضاء حوائجهم، خاصة السيدات، حيث يوجد من الداخل أكثر من مقام يتبركون بهم جميعا، ومسجد يصلون به ويدعون ويتقربون إلى الله من خلاله، ويوجد أيضا مقام الشيخ الطيب، والشيخ أحمد رضوان، والجيلاني. تقول "سعاد. أ" : تأخر زواجي وبلغت الثلاثين، ولم أرتبط بشخص حتى الآن، وكلما حدث ذلك وتقدم شخص لخطبتي لا يكتمل الأمر، لذا نصحتني إحدى قريباتي بالذهاب بصفة مستمرة إلى مقام سيدي أبو الحجاج للتبرك به، إذ إنها جربت ذلك عندما تأخر زواج إحدى بناتها، وذهبت إليه ودعت به إلى الله، وتزوجت ابنتها، لذا قررت أن أذهب للمقام وأدعو الله ليسهل لي الأمور. وتابعت ، فى البداية لم أكن أصدق بأن التبرك بالأولياء له علاقة بقضاء بالحوائج، وأن كل ذلك خرافات لا أساس لها من الصحة، لكن تكرر أمامي الكثير من الحالات فتكونت لدي رغبة للتجربة، لأرى ما سيحدث، وعند ذهابي إلى المقام شعرت بالراحة النفسية وبدأت أدعو الله في الوقت الذي أضع يدي على أحد الأضرحة، وكنت أفعل كما أرى السيدات يفعلن، ويرددن عبارات "شاء الله يال البيت بركاتكم، بحق آل البيت اشفي عنا"، أو يدعين بالأمر الذي يريدنه، فبدأت أدعو مثلهن بما أريد. وتضيف " فاطمة .م"، إن ابنها رغم بلوغه سن ال 3 سنوات، لكنه لا يستطيع المشي بطريقة طبيعية، وذهبت إلى العديد من الأطباء لكن دون فائدة، ونصحتني أم زوجي بالذهاب إلى الشيوخ والأولياء، لأنه "مربوط" ولابد من فك الربط بالذهاب إلى الأولياء، ولعل الله يجعلهم سببا في شفاءه، لذا طفت بالعديد من الأضرحة، منها مقام سيدي أبو الحجاج، والشيخ الطيب، أدعو بهم إلى الله ليشفي لي ابني. وفي الأفراح، خاصة في القرى، تذهب العروس في ليلة الحنة، مع أسرتها، للأضرحة والمقامات للتبرك، لتحل عليها البركة قبل الدخول في حياة جديدة، ليخرج موكب مكون من السيارات للعروس والأسرة، ويطوفون حول الأضرحة والأولياء. وترى "نادية . م - ربة منزل" في ذهاب العروس للأضرحة قبل زواجها عادة عن الأجداد، حيث تأخذ البركة من الصالحين، ويدعو لها الأهل بهم بأن تكون حياتها سعيدة، حيث تطوف بجميع المقامات وتقرأ الفاتحة عند كل منهم وتوزع الحلوى، والمخبوزات، وجميعها موروثات لا تتغير مع مرور الزمن، كالذهاب مثلا لزيارة القبور يوم العيد. بينما يعتقد أحمد عبد العزيز - مواطن، أن الذهاب للأضرحة للتبرك أو لقضاء الحوائج هو من الخرافات، وقد يرجع إلى جهل البسطاء، الذين اعتادوا عليه كموروث دون التفكير فيه، ويقول إنه ليس هناك حاجز بين العبد وربه ليدعو به، حتى أولياء الله الصالحين، لكن هذا لا يقلل من قيمتهم ولا مانع من الزيارة لكن دون فعل ما يخالف التعاليم الدينية. ويقول الشيخ محمد صالح - وكيل وزارة الأوقاف بالأقصر، أن زيارة المقامات والأضرحة الخاصة لأولياء الله الصالحين أمر جائز ولا بأس به، لكن عند الزيارة على الشخص أن يوقن بأن الله هو النافع وهو الضار، وليس الولي، لكن لا مانع من أن يدعو الله من داخل المقام أو الضريح، حيث إنه مكان طاهر وله فضل وبركة عند الله، لكن بالالتزام بالتعاليم الإسلامية الشرعية. وتابع صالح، لا يجوز التمسح بالضريح أو حتى وضع اليد عليه أثناء الدعاء، لكن لا بد أن يكون على مسافة منه، وعند الدخول يقرأ السلام والفاتحة، ويبدأ في الدعاء إلى الله، مشيرا إلى أن زيارة الأضرحة تشبه زيارة القبور، وهو أمر لم ينهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، بل أمر بزيارتها والدعاء إلى الميت، لكن دون استخدام حتى ألفاظ تخرج عن التعاليم الدينية، كذلك التبرك لا يجوز مثلا "أن أدعو الله بالولي مما يحدث بأن يدعو البعض ياشيخنا خلي ربنا يشفيني" أو غير ذلك، لأن هذا نوع من الشرك بالله، لكن الصلاة والدعاء جائز، بل هو أمر فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، كان جبريل يقول له انزل في هذا المكان وصل ركعتين، وبعد أن يصلي يقول له لماذا صليت هنا فيقول هنا ناجى موسى ربه، أي الصلاة والدعاء في مكان مبارك هو أمر جائز، دون الاعتقاد بأن الولي هو وسيط بينه وبين ربه.