بعد رفع سعر الخبز، مسئول سابق بالتموين يوجه رسالة قوية لرئيس الوزراء    البنك الأهلي يطلق خدمة إضافة الحوالات الواردة من الخارج لعملاء المصارف لحظيا    مؤيدون لفلسطين يرشقون الشرطة الألمانية بالحجارة خلال تظاهرة في برلين (فيديو)    ناد أمريكي يغازل راموس ب 12 مليون يورو    بداءً من اليوم، فتح باب التظلمات على نتائج الشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    تحرير 13 محضرًا تموينيًا في بلطيم بكفر الشيخ    القليوبية تنهى استعدادات امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    اليوم، ياسمين رئيس تحتفل بزفافها على رجل الأعمال أحمد عبد العزيز    بوليتيكو: الاتحاد الأوروبي يعتزم "معاقبة" رئيس الوزراء المجري بسبب أوكرانيا    إغلاق 3 مراكز دروس خصوصية في الإسكندرية.. والحي يصادر الشاشات والتكييف- صور    أمين الفتوى: من يذبح الأضاحي في الشوارع ملعون    581 طالبا بكلية التمريض جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية يؤدون امتحان مقرر أمراض الباطنة    السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين اليوم.. تفاصيل    الإمارات تدعو لضرورة إيجاد أفق لسلام عادل وشامل فى منطقة الشرق الأوسط    كوريا الشمالية تُطلق وابلا من الصواريخ البالستية القصيرة المدى    إعلام إسرائيلي: 10% من المطلوبين للخدمة العسكرية يدّعون الإصابة بأمراض عقلية    لافروف: اتفاق زيادة التعاون الدفاعى مع الصين ليس موجها ضد أى دول أخرى    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    كهربا: أنا أفضل من مرموش وتريزيجيه    شوقي غريب: رمضان صبحي يستحق المساندة في الأزمة الحالية    اليوم.. النطق بالحكم على حسين الشحات في واقعة محمد الشيبي    أسعار الذهب فى مصر اليوم الخميس 30 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد في مصر بداية تعاملات اليوم الخميس 30 مايو 2024    17.5 مليار جنيه إجمالي إيرادات المصرية للاتصالات خلال الربع الأول من 2024    المدارس تواصل تسليم طلاب الثانوية العامة 2024 أرقام الجلوس    «بسبب صورة على الهاتف».. فتاة تقفز من الطابق الثامن بالمرج    وفاه إحدى السيدتين ضحايا حادث تصادم الفنان عباس أبو الحسن    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مصرع طفل فى العياط    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    اليوم.. حفل افتتاح الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 30 مايو 2024: مكاسب مالية ل«الأسد» وأخبار سارة ل«الحمل»    مصر تُشارك في الاجتماع الأول للمؤسسة الأفريقية للتعلم مدى الحياة في المغرب    «المستقلين الجدد»: تكريم «القاهرة الإخبارية» يؤكد جدارتها وتميّزها    إندونيسى يكتشف زواجه من رجل بعد زفافه ب12 يوما وقصة حب لمدة عام.. صور    جامعة القاهرة تكرم 36 عالمًا بجوائز التميز لعام 2023    نائب وزير الإسكان يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي لمقاولي التشييد ومسؤولي «مشروعات الإسكان» بليبيا    اعرف شروط ومواصفات الأضحية السليمة من أكبر سوق مواشى بسوهاج    الناس اللى بتضحى بجمل.. اعرف المواصفات والعمر المناسب للأضحية.. فيديو    «الصحة»: افتتاح وتطوير 20 قسما للعلاج الطبيعي في المستشفيات والوحدات الطبية    نصائح هامة عند شراء النظارات الشمسية في فصل الصيف    4 حالات اختناق وسط جحيم مخزن بلاستيك بالبدرشين (صور)    مسؤولون باكستانيون: حرس الحدود الإيراني يطلق النار ويقتل 4 باكستانيين جنوب غربي البلاد    أحمد خالد صالح ينضم لفيلم الست مع مني زكي: دوري مفاجأة للجمهور    سعر الذهب يواصل انخفاضه عالميا.. ماذا ينتظر المعدن الأصفر في الأشهر المقبلة؟    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    علاج أول مريض سكري باستخدام الخلايا في سابقة فريدة علميا    السل الرئوي.. الأعراض والمخاطر والعلاج والوقاية    خالد أبو بكر يهاجم "المحافظين": "التشكيك بموقف مصر لو اتساب هتبقى زيطة"    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    خالد مرتجي: إمام عاشور من أفضل صفقات الأهلي    تريزيجيه يتحدث عن مصيره بعد اعتزال كرة القدم    ميدو يطالب مجلس إدارة الزمالك بالرد على بيان بيراميدز    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نصّ محاضرة السفير السعودي لطلاب جامعة قناة السويس
نشر في مصراوي يوم 05 - 05 - 2015

ألقى أحمد عبد العزيز قطان، سفير المملكة العربية السعودية لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، محاضرة لطلاب جامعة قناة السويس بمدينة الإسماعيلية، تحت عنوان ''العلاقات السعودية – المصرية.. تاريخ يرسم الحاضر والمستقبل''.
وعرض قطان خلال المحاضرة أهم الملامح التاريخية للعلاقات السعودية المصرية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وحتى العهد الحالي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
وأكد قطان، أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، تمثل نموذجاً مثالياً للعلاقة بين الدول، حيث تقوم على أواصر الدين والعروبة والتاريخ، وتستند على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وخدمة القضايا العربية والإسلامية والأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وإلى نصّ المحاضرة
'' بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمْ
والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسَلين
سعادة الدكتور/ ممدوح غراب – رئيس جامعة قناة السويس
السَّيِّدَاتُ وَالسَّادَةُ .. إخواني وأخواتي الطلاب والطالبات
السلامُ عَليكُمُ ورحمةُ اللهِ وبَركاتهِ
أود في البداية أن أتقدم لكم بالشكر على هذه الدعوة الكريمة وما لقيته من ترحاب يعبر عن أصالة الشعب المصري الكريم، كما أعتز أن يكون أول لقاء لي بطلبة الجامعات المصرية من خلال جامعة قناة السويس التي تخطو خطى وثيقة نحو أن تكون واحدة من الجامعات الرائدة في مصر والعالم العربي.
إن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تمثل نموذجاً مثالياً للعلاقة بين الدول، حيث تقوم على أواصر الدين والعروبة والتاريخ، وتستند على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وخدمة القضايا العربية والإسلامية والأمن والسلم الإقليمي والدولي. لقد بقيت هذه العلاقة متماسكة حتى في ظل العواصف التي مرت بالمنطقة خلال العقود الماضية، حيث كان التعاون يزداد في أحلك الظروف، والتضامن يبلغ مداه في التصدي للمخاطر الداخلية والإقليمية. فالمملكة ومصر من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، نبض العالم العربي والإسلامي وجناحاه الذي ترتكز عليه سعياً لتحقيق مصلحة الشعوب العربية والإسلامية جمعاء. وقد ساهم في دعم هذه العلاقة ما يحظى به البلدين من مكانة كبيرة في العالمين العربي والإسلامي والمحافل الدولية، علاوة على ما يزخران به من إمكانات هائلة ساهمت في تبوأهما هذه المكانة، وقدرة البلدين على إدارة هذه الإمكانات وتحمل العبء الأكبر في دعم جهود التضامن التي تتطلع إليها الشعوب العربية والإسلامية.
لقد كانت وحدة الهدف سبباً في تقارب وجهات النظر السعودية والمصرية في معظم القضايا التي تهم الأمتين العربية والإسلامية، وهو ما أظهرته الجهود المشتركة لهما في حل الأزمات المتواترة والمتتابعة في المنطقة، في سياق إيجاد الحلول لها وتحقيق أمن المنطقة واستقرارها، وكان ومازال التعاون والتنسيق الدائمين بين بلدينا، بمعية باقي الأشقاء العرب، هو السبيل لحل الخلافات ومواجهة التحديات، وما تأسيس جامعة الدول العربية إلا ثمرة من ثمار هذا التعاون العربي وفي ذروته التعاون السعودي المصري.
إن جذور العلاقات السعودية - المصرية تمتد لعقودٍ طويلة، فقد أكد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود- طيب الله ثراه - على أهمية هذه العلاقة الاستراتيجية بمقولته الشهيرة، ''لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب.'' وترجم ذلك في حرصه خلال تأسيسه الدولة السعودية الحديثة على إقامة علاقات وطيدة مع مصر منذ مطلع القرن العشرين.
السيدات والسادة،
إن استعراض أبرز المحطات في تاريخ هذه العلاقة المميزة يكشف بجلاء وبما لا يدع أي مجالً للشك، أن هذه العلاقة كانت ومنذ تأسيسها قوية متينة وأن ما اعتراها في مرحلة ما من تاريخها كان استثناءً انتهى إلى غير رجعة بإذن الله.
تعود بداية العلاقة حتى قبل إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية في عام سبتمبر 1932م، ففي اغسطس 1926م قام ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – بزيارة مصر واستقبله كل من جلالة الملك فؤاد - رحمه الله - والحكومة المصرية والزعيم التاريخي سعد زغلول. وكانت المملكة تستعين بخبراء مصريين في جميع المجالات وكانت ترسل أبناءها إلى مصر للالتحاق بالمؤسسات التعليمية المصرية عبر سلسلة من البعثات بإيعاز من الملك المؤسس - يرحمه الله. وبعد إعلان التأسيس, قام الاقتصادي الكبير الراحل طلعت حرب باشا بزيارة المملكة عام 1933 محملاً بعدد من المشاريع التنموية، تضمنت انشاء فرع لبنك مصر الشهير في السعودية، وافتتاح خط طيران تجاري بين القاهرة وجدة, إضافة إلى عدد آخر من المشاريع التي ترجمت باتفاقية التعمير بين البلدين عام 1939، حيث قامت مصر على إثرها بتنفيذ عدد من المشروعات العمرانية في المملكة، وهو ما أثر في وجدان كل سعودي يرى الشقيقة مصر وهي تقف بجانبهم خلال تأسيس دولتهم الحديثة.
وكانت العلاقة بين الدولتين قد وصلت إلى مرحلة مهمة من التعاون والترابط, الأمر الذي قد استدعي إعادة النظر في الأطر المنظمة لها لتكون أكثر تنظيمًا واتساعًا وحلاً لكثير من الأمور العالقة، وسرعان ما بدأت المفاوضات بين البلدين في إبريل - مايو 1936م لعقد معاهدة صداقة بين البلدين ، وقد بدأت المفاوضات في 20 إبريل واستمرت حتى 7 مايو، وقد توفي الملك فؤاد أثناء التفاوض، وقام بالتوقيع عليها يوم 7 مايو 1936م علي ماهر باشا رئيس الوزراء المصري آنذاك, نيابة عن الحكومة المصرية، وعن الحكومة السعودية فؤاد حمزة مستشار الملك المؤسس, وتم التصديق عليها من الحكومتين.
ولعل أخطر ما كان يحتاج إلى تضافر الجهود السعودية - المصرية بوادر تفجر القضية الفلسطينية وكان الملك عبدالعزيز يردد:
''إن سياستنا التي نستهدفها في البلاد العربية هي أن تكون مستقلة ومحافظة على مكانتها ومنزلتها ولا يعتدي بعضها على بعض.'' لذلك سرعان ما نقلت العلاقات السعودية - المصرية إلى مدى أكبر مما كانت عليه ودفعها بقوة نحو إيجاد كيان عربي يحفظ للعرب وجودهم وترابطهم؛ فأرسل الملك عبدالعزيز الشيخ يوسف ياسين مندوبًا عنه للاجتماع برئيس وزراء مصر لإيضاح رؤيته للعمل العربي المشترك وتأسيس كيان يوحد العرب أمام المخاطر المحيطة بهم، وكانت هذه المقابلة دفعًا لأعمال اللجنة التحضيرية لإنشاء جامعة الدول العربية، حيث توالت اجتماعات اللجنة منذ 30 يوليو 1943م وحتى 6 فبراير 1944م، فيما عُرِفَ ببروتوكول الإسكندرية، وبعد تذليل كثير من العقبات, استطاعت كل من السعودية ومصر قيادة سفينة العرب لتدشين جامعة الدول العربية، التي جاء تأسيسها عام 1945م قبل ميلاد الأمم المتحدة بعدة أشهر.
ثم قام الملك فاروق بزيارته الرسمية الأولى للمملكة في 24 يناير 1945 للقاء الملك المؤسس, مما رسخ بداية العلاقات الشخصية بين زعماء البلدين الشقيقين، ثم قام الملك المؤسس - طيب الله ثراه - بزيارة مصر عام 1946 واستقبل الشعب المصري الملك عبدالعزيز بحفاوة غامرة من المحبة والإخاء والوفاء، وهي مشاعر عبر عنها الملك فاروق - رحمه الله - وهو يشكر الشعب المصري قائلاً: ''ليس أطيب عندي من أن أكرر شكري لكم، فقد أكرمتم في شخص الملك عبدالعزيز شخصي، أكرمتم مصر والعروبة والإسلام.''
ولا يفوتني أن أذكر هنا أنه خلال تلك الزيارة, قام الموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب بتوثيق تلك الزيارة بأغنية غناها ولحنها وكانت كلماتها للشاعر صالح جودت وهي ''يا رفيع التاج من آل سعود'' وكان لأثر هذه البادرة الطيبة في نفس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أن أمر بأن تكون تلك الأغنية أول ما يذاع في الإذاعة السعودية التي أُنِشأَت لاحقًاً. وقررت الحكومة المصرية إصدار طابع بريد تذكاري لتخليد ذكرى هذه الزيارة التاريخية، وأطلقت وزارة الأشغال المصرية اسم الملك عبدالعزيز على شارع النيل بمدينة القاهرة.
لقد عبر الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - عن حفاوة استقبال الشعب المصري له، في كلمته التي أذاعها على المواطنين السعوديين بعد عودته، حين قال:
''أحمد الله إذ أعود إليكم من بلاد هي بلادي وبلادكم، مصر العزيزة، بعد أن لاقيت فيها، في كل شبر مشيت فيه، من الحفاوة والإكرام ما لا يحيط به الوصف، ولا يفي بحقه وافرا الشكر. فقد كانت قلوبهم تتكلم قبل ألسنتهم بما تكنه لي ولكم ولبلادكم من حب لا يماثله إلا ما أشعر به من حب عميق لمصر وأهلها.. ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيت في مصر، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر أن جيش مصر العربي هو جيشكم، وأن جيشكم هو جيش مصر. وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب، وركن من أركان حضارتهم.. بهذه الروح أعود إليكم، وليس لي وأنتم تستقبلونني وأنا أستقبل البيت الحرام إلا أن أدعو الله أن يحفظ الكنانة، وأن يبلغها مناها من الهناء والسعادة.''
وفي يوم الثلاثاء 22 يناير 1946م, غادر الملك عبدالعزيز الأراضي المصرية من ميناء السويس بعد أن أمضى في ضيافة مصر اثني عشر يومًا، ووجَّه رسالة إلى الملك فاروق، جاء فيها:
''... لقد تجلت مصر الكريمة المضيافة عظيمة بملكها وقادتها وشعبها، عزيزة بنهضتها، قوية بجيشها، وما جيش مصر إلا جيش العرب...، وما كنا لننسى مصر الكريمة وصلاتها بشقيقتها العربية السعودية، فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما، وتوحيد جهودهما في سياستهما، وإقامة التعاون بينهما على أثبت الدعائم... وما جامعة الدول العربية التي أسست دعائمها في عاصمة ملككم -بفضل الله ثم بفضل جهود جلالتكم وجهود إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم- إلا أثرٌ لهذه الروح التي تربط بيننا، وتؤلف بين قلوبنا جميعًا... وما شك أحدنا في أن مصلحة البلدين تقضي بوحدة اتجاههما السياسي، ووحدة السبيل الذي يسلكانه في منهاجهما الدولي، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا، يتوارثه الأبناء، ويبقى -إن شاء الله- على وجه الدهر بهذه الروح.''
لقد كانت المملكة في مقدمة الدول تأييدًا لمصر ودعم مسيرتها ماديًّا وسياسيًّا؛ حيث بدأ الملك عبدالعزيز دعمه المادي لمصر بعد زيارته الرسمية لها سنة 1946م بدعم قدره مليون جنيه استرليني، كما استقطبت المملكة الكثير من الفنيين والمعلمين والمستشارين المصريين لتدريب البعثات العسكرية السعودية. وكانت المملكة من أوائل الداعمين لمصر في محاولاتها للتخلص من بقايا الاحتلال البريطاني، حيث اعترفت بلقب الملك فاروق الجديد «ملك مصر والسودان» وهو اللقب الذي أثار توترًا لدى الحكومة البريطانية، رغم ما أحاط الاعتراف السعودي باللقب من مخاطر سياسية هددت علاقاتها مع بريطانيا.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو في مصر عام 1952م قبيل وفاة الملك عبدالعزيز بفترة وجيزة، استمرت العلاقات بين الدولتين قوية؛ حيث بعث الملك عبدالعزيز برسالة إلى رئيس مصر اللواء محمد نجيب مؤكدًا على توطيد الصداقة بين المملكة ومصر، وقام اللواء محمد نجيب بزيارة للمملكة, أدى خلالها مناسك الحج والتقى الملك عبدالعزيز، وجرت بينهما مباحثات لتوطيد العلاقات السعودية - المصرية.
ومن جهته , قام المغفور له، بإذن الله، الملك سعود بن عبد العزيز، بزيارة مصر في مارس 1954 عقب توليه الحكم مباشرة لتكون مصر أول دولة يحرص على زيارتها. ومنذ ذلك التاريخ, استمرت الزيارات المتبادلة بين الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر.
كانت مصر تمر في تلك الفترة بمرحلة حرجة في المفاوضات مع بريطانيا للجلاء عن أراضيها، لذلك, رأى الملك سعود أثناء الزيارة دعم مصر بإعلان تأييد المملكة لها، فقال للسفير البريطاني بالقاهرة: ''إن العرب يعدون قضية مصر قضيتهم ويدافعون عنها، والسلام الحقيقي في الشرق الأوسط رهن بتحقيق المطالب المصرية.''
وظلت العلاقة تشهد تنامياً قويًا تمت ترجمته على العديد من الأصعدة، ففي 27 أكتوبر عام 1955م، تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. وعندما قام الرئيس جمال عبدالناصر بإعلان تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، في 26 يوليو 1956م، كان الملك سعود من أوائل زعماء العالم الذين أعلنوا موقفهم بوضوح تجاه القرار المصري، ففي 29 يوليو 1956م, أيّد موقفها معلنًا أن في ذلك مصلحة مصر والعرب، وأنه يؤيد كل ما من شأنه أن يدعم الاقتصاد المصري ويقوي مركز الأمة العربية، وقال: ''أنا مع مصر بكل ما أملك.''
وأذاعت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر في المملكة العربية السعودية يوم 11 أغسطس 1956م بيانًا جاء فيه أن الملك سعود صرح بما يلي: ''إن الموقف الرسمي والشعبي للمملكة هو موقف التأييد التام والتكاتف العادل مع الشقيقة مصر، وإننا مع إخواننا العرب حكومات وشعوب واقفون صفًا واحدًا في هذه القضية، قضية تأميم قناة السويس، التي نعدها قضيتنا جميعًا.''
والتقى الشيخ يوسف ياسين - مبعوث الملك سعود - الرئيس عبدالناصر في 27 أغسطس 1956م بُناءً على أوامر من الملك سعود لتأكيد دعم المملكة لمصر، ووضع الملك سعود عشرة ملايين دولار تحت تصرف مصر لزيادة رصيدها من العملات الأجنبية, تسهيلاً لعمليات التجارة الخارجية، ولمواجهة الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها من الدول الرافضة للتأميم.
وأثناء العدوان الثلاثي الغاشم على مصر عام 1956م، وقفت المملكة إلى جانب شقيقتها مصر للتصدي لهذا العدوان. وفي 30 أكتوبر, أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، وقدمت المملكة لمصر في 27 أغسطس 1956م مائة مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وهو ما أشار إليه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في خطبته التي ألقاها في الجامع الأزهر، في نوفمبر 1956م، عن موقف الدول والشعوب العربية أثناء العدوان وتحدث عن مكالمة هاتفية محددة تلقاها من الملك سعود - طيب الله ثراه - قبلها بأيام, حيث قال له:
''إن جيش المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وأموال المملكة تحت تصرف مصر، وإن السعودية مستعدة لعمل أي شيء.''
ومما يذكره التاريخ في تلك الفترة قيام الملك فهد بن عبدالعزيز, وزير المعارف آنذاك, والأمير سلطان بن عبدالعزيز والملك سلمان بن عبدالعزيز, أمير الرياض آنذاك والأمير عبدالله الفيصل وزير الداخلية، وآخرون بالتطوع في فرقة المجاهدين السعوديين التي تكونت للدفاع عن الوطن العربي. ومن ثم, فإن علاقة الحب التي يحملها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تجاه مصر قديمة وعميقة ولها مكانة كبيرة في قلبه ووجدانه .
وقد قال الملك سعود: ''إن مصر إذا نكست رأسها, فلا يمكن لأي واحد في الأمة العربية أن يرفع رأسه بعد ذلك ، وإني أساند مصر لأن مساندتها دفاع عن بلادي وعن البلاد العربية وعن البلاد الإسلامية، وسأسير في ذلك حتى النهاية». وأكد في تصريحاته بأنه لن يرسل قطرة واحدة من النفط حتى تنسحب القوات المعتدية عن مصر، وأقسم أنه يخسر يوميًا مليون دولار بسبب قطع النفط عن إنجلترا وفرنسا، ولكن هذا لا يساوي شيئا بالنسبة للواجب الديني والأخوي المفروض عليه نحو مصر .
أظهرت الحوادث ما بين تولي الملك سعود الحكم ونهاية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956, أن هناك قوة إقليمية تتبلور، قلبها الصلب العلاقة السعودية المصرية المميزة، وأنها كانت سببًا رئيسياً لعدم تمدد (حلف بغداد) إلى باقي دول المنطقة, ليصبح البلدين حاجزًا بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية في حينه، وأن هذا التعاون السعودي - المصري أفشل أيضًا مخطط وضع قناة السويس تحت إدارة دولية بعد تأميمها كحد أدنى من مكاسب مضادة لما قامت به مصر. كما استطاع التضامن السعودي - المصري قطع ذيل القوى الاستعمارية في المنطقة .
ورغم اختلاف وجهات النظر تجاه «الأزمة اليمنية» وأطراف صراعها في ذلك الحين وما كان يمثله ذلك من مخاطر على الحدود الجنوبية للسعودية, إلا أن ثوابت العلاقات السعودية المصرية ظلت بمثابة حجر الزاوية والخطوط الحمراء في سياسات البلدين, وظلت الدولتان حريصتين على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والحقوق العربية الكاملة للبلدان العربية وحقوقها التاريخية وسلامة حدودها من المحيط للخليج .
وعقب نكسة يونيو 1967, عُقدت اتفاقية الخرطوم لتسوية المشكلة اليمنية، على هامش مؤتمر القمة العربية المنعقد في الخرطوم في 29 أغسطس 1967م، وقال الملك فيصل للرئيس عبدالناصر في المؤتمر:
''إن مصيرنا واحد ، ونحن مطالبون أمام الله ثم أمام شعوبنا بأن نتكاتف وننسى كل شيء ، إن معركتنا مع العدو لا تنتهي بالهزيمة التي لحقت بنا، وإن المملكة العربية السعودية على استعداد للقيام بما يقضي به واجبها العربي في شتي الميادين.''
وفي المؤتمر, تعهدت الدول العربية البترولية بتقديم مساعدات مالية إلى دول المواجهة مع إسرائيل لكي تستطيع إعادة التسليح ومواصلة الحرب والعمل على محو آثار الهزيمة، وقدرت المساعدات ب135 مليون جنيه استرليني، وأعلن الملك فيصل أن المملكة العربية السعودية ستدفع 50 مليونًا منها، وكان للملك فيصل في حينها مقولة شهيرة, حيث قال:
''هذه التزامات وليست معونات.. وأمنيتي أن أصلي في المسجد الأقصى''. وفتحت المملكة مطاراتها ومجالها الجوي وموانئها لنقل القوات المصرية من اليمن لإعادة ترتيب وضع القوات المصرية لمعركة الكرامة. وبهذه الخطوة في تلك القمة الشهيرة, انهت المملكة ومصر مرحلة خلاف وجيزة بينهما, كانت مجرد استثناء في تاريخ العلاقة المميزة بين بلدينا الشقيقتين .
ثم جاء التعاون السعودي - المصري في حرب اكتوبر 1973 ليؤكد على الاخوة التي لا يمكن ان تنفك عراها وعلى المصير المشترك، فقرر الملك فيصل في 17 أكتوبر أن يستخدم سلاح البترول في المعركة، فدعا إلى اجتماع وزراء البترول العرب - «الأوابك» - في الكويت وقرروا تخفيض الإنتاج الكلى العربي بنسبة 5% فورًا، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وقررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل, بما فيها الولايات المتحدة.
واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكي في السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط؛ هي: إذا استمرت الولايات المتحدة في مساندة إسرائيل، فإن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية سوف تتعرض لإعادة النظر، وأن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10% وليس فقط 5% كما قرر وزراء البترول العرب، وألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودي إلى الولايات المتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة. كان ذلك قرارًا سعوديًّا شهيرًا يتفق وحجم المملكة وثقلها على الصعيد العربي والإسلامي والدولي، كان موقفًا لا يبارى وتحديًا حضاريَّا وتاريخيًّا لا يُنسى، وقبل كل شيء وبعده كان موقفًا إسلاميًّا مهمًّا، فجاء النصر من عند الله في حرب أكتوبر التي عبرت عن التضامن العربي والإسلامي بشكل كبير, كان نواته الالتحام السعودي المصري. وعندما هددت الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول، كان للملك فيصل - رحمه الله - موقفه الشهير أمام وزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر عندما قال له قبل أشهر قليلة من اغتياله: ''هل تري هذه الأشجار .. لقد عاش آبائي و أجدادي مئات السنين على ثمارها ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم ونستغني عن البترول, إذا استمر الأقوياء و انتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا.''
هذا النهج , هو ما استمر عليه المغفور له بإذن الله ، الملك خالد بن عبدالعزيز، مع الشقيقة مصر. ومع تولي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، استشعر البلدان الشقيقان ضرورة عودة مصر لموقعها القيادي في العالم العربي عقب المقاطعة العربية لمصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. فقاد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - جهود إعادة مصر لجامعة الدول العربية وإعادة مقرها لمكانه في القاهرة.
وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان أميراً لمنطقة الرياض في ذلك الحين، دور مشهود في العمل على بناء علاقة شخصية ربطت القيادتين السعودية والمصرية‏,‏ مما دفع بالعلاقات إلى مستوى رفيع من الصداقة والتفاهم والتنسيق الاستراتيجي‏,‏ وأصبحت مصر والسعودية تقومان دوماً بالتصدي لأي جهة تستهدف نظام الأمن القومي العربي، وقد تجلى ذلك بمساندتهما القضايا العربية المشتعلة في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق‏ , وغيرها من القضايا.
أصبح هناك تعاون كبير وملموس في سبيل توطيد العلاقات بين البلدين، كما شهدت القضايا العربية توافقا كبيرا في وجهات النظر‏,‏ وكثيرا ما اشتركت المملكة ومصر في تطوير مبادرات لإيجاد حلول لهذه القضايا‏,‏ فبالنسبة للقضية الفلسطينية وهي قضية العرب الكبرى‏,‏ اتفقت السعودية ومصر على ضرورة مساندة الشعب الفلسطيني ودعم الانتفاضة الفلسطينية، والوقوف بكل صلابة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني‏.‏
واستمر التنسيق والتعاون السعودي المصري‏,‏‏ لتتطابق وجهتي النظر من الموقف العراقي ,‏ وذلك بدءا من عام 1990‏ واحتلال العراق لدولة الكويت, ودعم مصر للتحالف الدولي لإنهاء هذا الاحتلال، ووصولاً إلى رفض الدولتين احتلال العراق عام 2003‏م، من ٍقبَل القوات الأمريكية والبريطانية‏,‏ فقد رفضا استخدام أراضيهما لضرب واحتلال دولة عربية شقيقة ذات سيادة‏‏.
ومع تولي خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، احتلت مصر مكانة خاصة في وجدانه تنفيذا لوصية والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن لأبنائه أن يستوصوا خيراً بمصر، وهي الوصية التي سار على نهجها كل ملوك المملكة, ما جعل لمصر مكانة كبيرة في وجدانهم، تلك المكانة التي يشعر بها كل سعودي ومصري وعربي، على حد سواء .
وإبّان ثورتي 25 يناير عام 2011م، و30 يونيو 2013م، أكدت المملكة دعمها ومساندتها لما فيه خير الشعب المصري، وتحقيق تطلعاته وخياراته المشروعة, فيما تتابعت المساعدات الاقتصادية السعودية في محاولة من المملكة للوقوف بجانب شقيقتها في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها في أصعب فتراتها في العصر الحديث. وقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - عقب ثورة 30 يونيو 2013م، بياناً تاريخياً إلى العالم أجمع, يعلن فيه مساندة المملكة قيادةً وحكومةً وشعباً للشعب المصري الشقيق، وتعويضه عن أية مقاطعات أو عقوبات غربية أيا كانت، حيث شدد رحمه الله عليه, قائلاً:
''ليعلم العالم أجمع، بأن المملكة العربية السعودية شعبًا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها إن شاء الله وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر.''
وعند تولى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لمنصبه، حملت رسالة التهنئة التي بعثها الملك عبدالله - رحمه الله - مشاعر أخوية وحب عميق لمصر وشعبها، مؤكداً على الروابط الوثيقة والتاريخية بين المملكة ومصر الشقيقة ، حيث قال:
'' إننا من مكاننا هذا، نقول لكل الأشقاء والأصدقاء في هذا العالم: إن مصر العروبة والإسلام أحوج ما تكون إلينا في يومها هذا من أمسها، لتتمكن من الخروج من نفق المجهول إلى واقع يشد من أزرها، وقوتها، وصلابتها في كل المجالات. ولذلك فإني أدعوكم جميعًا إلى مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين، لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية، وليعي كل منا أن من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر - بفضل من الله - فإنه لا مكان له غدًا بيننا إذا ما ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات.''
وتقديراً منه لمصر حكومةً وشعباً، فقد حرص يرحمه الله على زيارة مصر في شدة مرضه، والالتقاء بفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20/6/2014م، وتقديم التهنئة شخصياً لفخامته باسم خادم الحرمين الشريفين وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية بمناسبة توليه رئاسة مصر، تلا ذلك الزيارة الرئاسية لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمملكة العربية السعودية بتاريخ 10/8/2014م, حيث جرى خلال الزيارة بحث آفاق التعاون بين البلدين في كافة المجالات، علاوة على بحث مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية. ولقد عبرت الزيارتين بين القيادتين السعودية والمصرية على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتأتيان استمراراً للزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين على مدى القرن الماضي وعلى جميع المستويات، والعمل جنباً إلى جنب لبحث القضايا والمستجدات على الساحتين العربية والدولية.
إنه ليتضح لكل من يستعرض تاريخ هذه العلاقة الحميمة بين بلدينا الشقيقين أن فترات الاختلاف لم تكن سوى حالات استثنائية في فترة تاريخية معينة، وان أساس هذه العلاقة, كان ولا يزال, وسيظل دائما قائماً على الأخوة والاحترام المتبادل والتعاون والتفاهم في كل القضايا. ولذلك, فإن أي محاولة لاستقراء مستقبل هذه العلاقة يجب أن تقوم على مبدأ النظر للتعاون التاريخي بين البلدين كمنطلق لها. إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - طالما أكد أنه يسير على نهج والده الملك المؤسس - طيب الله ثراه - وعلى نهج اخوته الذين نفذوا وصية الملك المؤسس لهم نحو مصر. لقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لفخامة الرئيس المصري في مكالمة بينهما عقب توليه مقاليد الحكم:
''وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب حكومة وشعب جمهورية مصر العربية الشقيقة، وأن موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير، وأن ما يربط البلدين الشقيقين نموذج يحتذى في العلاقات الاستراتيجية والمصير المشترك، وأن علاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين الشقيقين.'' وهو ما تم ترجمته بعد ذلك في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بشرم الشيخ، والذي حضره سمو ولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبدالعزيز, ممثلا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ليعلن عن دعم المملكة لمصر بمبلغ 4 مليارات دولار، ثم بمشاركة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ تحت الرئاسة المصرية ليعلن دعمه الواضح لجهود مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. من هذا المنطلق, أود أن أشير لأهمية العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربط بلدينا ببعض من خلال عدة نقاط:
أولاً: عن العلاقات السياسية:
في ظل ما يمر به العالم العربي والإسلامي من اضطرابات وعدم استقرار سياسي وأمني, يمكننا أن نًصٍف العلاقات السعودية المصرية كحجر زاوية فعال وقوي, يمكن الاعتماد عليه والثقة به في المنطقة، فنحن اليوم في معركة من أجل استقلال القرار العربي دون تدخلات من أطراف إقليمية وخارجية، وعاصفة الحزم التي يشنها التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة لا تكتمل إلا بدور رئيس ومهم للشقيقة مصر وهو ما يتضح في خطوات التنسيق الكبيرة في هذا الشأن. فالعلاقات العسكرية المميزة التي تجمع بلدينا وظهرت من خلال التدريبات العسكرية المشتركة هي جزء أساسي فيما يتعلق بإرسال رسالة واضحة على ان تعاون المملكة ومصر جزء من استقرار المنطقة.
كما أن الحرب على الإرهاب تعد أحد أكبر التحديات التي نواجهها سوياً كعرب ومسلمين . إن التعاون السعودي المصري على جميع المستويات, الأمني والسياسي والثقافي, هو أحد أهم ركائز مواجهة هذا التحدي. فمكافحة الفكر المتطرف مسؤولية مشتركة بين البلاد الإسلامية. وجهود مصر والمملكة جوهرية, ان أردنا الوقوف ضد هذا التطرف ووقاية شبابنا من الانسياق وراءه.
ثانيا: عن العلاقات الاقتصادية:
وهي علاقة مهمة لها أثر اجتماعي إيجابي على الملايين من مواطني البلدين، فقيمة الاستثمارات السعودية في مصر تبلغ أكثر من 10 مليار دولار عام 2014 (أي ما يتجاوز ال70 مليار جنيه مصري). وتُعَد المملكة أكبر مستثمر عربي في مصر وتعمل الاستثمارات السعودية في عدة قطاعات مثل قطاع الخدمات والذي يحتوي على مجالات النقل والصحة والتعليم والطاقة والزراعة والصناعة والسياحة والاتصالات وأيضاَ القطاع المصرفي. فالسوق المصري أكبر سوق في العالم العربي وفرص الاستثمار السعودي في مصر سترى تزايد, خصوصاً مع تحسن الحالة الأمنية واستقرار الوضع السياسي على مدى العام الماضي.
إن أكثر بلد يقيم به مواطنين سعوديون خارج المملكة هو مصر، حيث يأتي المواطن السعودي لمصر من أجل العمل والعيش والدراسة, بالإضافة إلى أن نصف مليون سائح سعودي يزورون مصر سنوياً. ومن جهة أخرى تستضيف المملكة حوالي مليوني ونصف المليون مصري يعملون بها.
إن العلاقات السعودية المصرية ليس متوقعاً لها إلا أن تشهد المزيد من التحسن والتطور على صعيديها السياسي والاقتصادي, فالاتفاق في الرؤى وفي أساليب العمل , إضافة للتحالف الأمني والعسكري هما ركائز أساسية ومثال نموذجي للعلاقات بين الدول''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.