الشباب في الميادين يواجهون النظام، يهتفون بما أوتوا من قوة أمام قوات الأمن ''عيش حرية عدالة اجتماعية''، لا يهابون الغاز والخرطوش والرصاص الحي، بينما الأهالي في المنازل يعبث بهم الخوف، تفزعهم مشاهد الدماء القادمة عبر وسائل الإعلام، يضجرهم رفض أبنائهم للعودة، فيما كانت الحالة مغايرة تمامًا في ميدان ''المنشية'' ببورسعيد، عندما اضطرت المحامية ''أمل الفحلة'' إلى التوقف عن الهتاف والتنحي جانبا بعد أن تلقت اتصالا هاتفيا من ابنتها تطالبها بترك نداء الثورة والرجوع إلى منزلها ''رفضت لأن الميدان وقتها أولى من بيتي.. الثورة مش بتيجي في العمر إلا مرة واحدة''. من حين لآخر تعود الأم إلى منزلها لإعداد الإعاشة لرفقاء الميدان، وشراء مواد طبية للمستشفى الميداني، وتجهيز أغطية تقي المعتصمين شر البرد، تسألها طفلتها ''تفتكري مبارك هيمشي'' تبتسم، تنظر بفَخر وثقة استمدتها من روح الميدان ثم ترد ''الثورة ممكنة.. ومبارك لازم يرحل''. في ميدان المنشية كان صوت السيدة الأربعينية يضوى، فيما كان قلبها يناجي الله لإتاحة الظروف لكي تنتقل إلى ميدان التحرير ''الأحوال الأمنية كانت صعبة.. مقدرتش أسافر في الظروف دي'' فعوضت غيابها عن قِبلة الثوار بمزيد من الجهد لإقناع أقاربها بالانضمام إلى جموع المتظاهرين ولا يكونوا ''شيطان أخرس'' بحسب قولها. بعد خطاب مبارك الثاني، لم تهتز ''أمل'' لأنها تُدرك بُحكم عملها طبيعة من يتلاعبون بالكلمات الرنانة ''إحنا كنا عايزين فعل مش كلام، ومبارك خربها طول سنوات حكمه''، وكادت أن تدفع ثمن انفعالها هي ورفاقها على من التبس عليهم الأمر، بعد أن حاول بلطجية مهاجمة الميدان إلا أن المتظاهرين كانوا لهم بالمرصاد ونجت من حجارة ضخمة كادت أن تصل إليها وتُنهي حياتها. عندما تتعثر ''أمل'' أمام اليأس أحيانا، تتذكر لحظة تنحي ''مبارك'' وقت أن انحنت على الأرض ساجدة وشاكرة لله، فرحة سرت بجسدها وجعلتها تطوف مع باقي المشاركين بمسيرة الاحتفال ''كانت لحظة نصر للجميع، وحسينا إنها أول الطريق، مبارك مشي زي ما وعدت بنتي''. ''الثورة كانت مؤامرة.. صنعها الإخوان.. غُمة وراحت'' كلمات تتنامى إلى مسامع ''أمل'' تؤذيها وتبكيها، لكنها عندما تنظر إلى ابنتها تعلم أن الثورة باقية ''احنا عملنا الثورة لولادنا مش لينا وهما هيكملوا المسيرة''، تُلقنها تعاليم الثورة، تربيها على أخلاق الميدان، تصب في قلبها ذكريات الميدان ''هنفضل طول عمرنا نقول لولادنا أن الثورة أطهر حاجة حصلت في البلد''.