تجلس على أحر من جمر، لم يغب عن بالها ولدها الذي يعمل بالقاهرة وسط المظاهرات التي ضجت بها البلد، طيلة يوم 25 يناير انتظرت صوته يأتيها عبر الهاتف، مكالمة منه فقط تُمكنها من الاطمئنان قليلًا، لم يأت صوته غير بمنتصف تلك الليلة، آتاها قائلًا ''ماما متقلقيش ولا تخرجي من البيت تدوري عليا لو اختفيت''، تتسارع نبضات قلبها، إلا أن ''محمود الششتاوي'' لم يكن بوسعه وقتها سوى طمأنتها من خلال التليفون وإبلاغها باحتمالية القبض عليه. دون مُبالغة لم يتوقع ''الششتاوي'' صوتها الذي جاء هادئًا ليدعو له وللجميع، رغم أن ''أم أشرف'' ،كما يحلو لها أن تُسمى، كانت معترضة على اشتراك ابنها بالمظاهرات، لكنها لم تقابله بالجزع الذي هُيأ له يومها، وطمأنها باتصال أحد أصدقائه بها لينقل أخباره، في تلك الليلة بالميدان ''اتعجنا ضرب''، وتم اعتقاله بالفعل ضمن عدد كبير ممن اشتركوا بمظاهرات يوم 25 يناير، في سبيل ترحيلهم لمعسكر الجبل الأحمر. أظهرت ''أم أشرف'' وجهًا لم يره ''الششتاوي'' من قبل، أدهشه اهتمامه ودعمها له تلك المرة، أثناء راحته القليلة بالبيت ''راحت عليا نومة'' لتعبه الشديد من إرهاق الأيام الماضية، أيقظته والدته، أبلغته أن حظر التجول قد فُرض وعليه الإسراع للمشاركة ''لقيتها محضرالي الأكل والشاي عشان ألحق أروح قبل ما المواصلات تتقطع''. رغم أن ''الششتاوي'' أعدّ نفسه للاعتقال لفترة طويلة، وقد كان اعترك السياسة تلك الفترة كعضو بحركة كفاية وستة إبريل ثم حزب العمل، إلا أنه في غضون يومين كان في طريقه إلى بلده ''زفتى'' بالغربية، وقت مستقطع هو ما ابتغاه الشاب العشريني من سفره، راحة مؤقتة ببيته لتجهيز نفسه للمشاركة في جمعة الغضب. طيبتها ودعمها له هو ما أعطى ''الششتاوي'' دفعة للأمام، اعتصم بالميدان أثناء الثمانية عشر يوم، وكل يومين يُسافر إلى بلده للاطمئنان على أهله، كانت الوجبة التي تُعدها أمه هي الملاذ له في ظل المعارك الدائرة، ''عشان تصلب طولك'' هي الكلمة التي كانت توجهها له أمه، مقدمه له حبها على هيئة طعام واهتمامها بإعداد ملابسه ''وكل ما يخطر ببالها إني أحتاجه هناك''، ليعود ثانية للميدان ويستأنف رحلته للحرية بفضل الأم ودعمها.