"أحيانًا لا يكن بوسعك سوى انتظار وفاة حالة من التي تشغل مكانًا بالحضّانة، حتى يخلو لطفلك مكان"، كانت تلك الكلمات هي التعليق الأبرز على أزمة نقص أعداد حضّانات الأطفال بالفيوم. بعد وصول عدد سكان الفيوم لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة وعدد المواليد الذي ارتفع إلى ما يقرب من 36 ألف طفل في العام، بمعدل 3 ألاف مولود شهريًا، يولد منهم ما يقارب ال10% مبتسرين، بمعدل 300 طفل شهريًا، يحتاجون لنفس العدد من الحضّانات الشاغرة وإلا تتعرض حياتهم للخطر، في حين أن مستشفيات وزارة الصحة لا توفر في الوقت الحالي سوى ما يقرب من 50 حضّانة للأطفال المبتسرين، موزعة على المستشفيات العامة والمركزية والنوعية في أرجاء المحافظة. عدد مناسب يقول الدكتور مدحت شكري، وكيل وزارة الصحة بالفيوم: يبلغ عدد الحضّانات بالمستشفى العام 21 حضّانة، وأعتقد أنه يتناسب مع عدد الحالات التي تحتاج إلى حضّانات، وهناك مشروع لتطوير الحضّانات بحيث يصل عددها إلى 30 حضّانة. ويؤكد شكري، أنه إذا صادفته حالة لا يتوفر لها مكانّا بحضّانات المستشفى العام، يدبر لها على الفور مكانًا في حضانات المستشفيات المركزية، حيث يتعامل مع الحالات بصفة إنسانية لا بصفته العملية –على حد تعبيره-. ويشير شكري، إلى أن قراره بغلق قسم الحضانات في كلا من مستشفى مكة، والزهراء التخصصي، زاد من العبء على المستشفيات الحكومية، وخاصة المستشفى العام. نقص التمريض ويعبر الدكتور راجح فؤاد، مدير قسم الحضّانات بالمستشفى العام، عن استيائه بسبب قلة عدد الحضانات أمام عدد حالات الأطفال المبتسرة التي تحتاج إلي حضّانة، خاصة بعد تحويل الحالات الموجودة بالتأمين الصحي بسبب إغلاقه حتى الانتهاء من أعمال الصيانة به. ويضيف فؤاد: أن المستشفى العام بها 21 حضّانة فقط، منهم 4 للطوارئ وللحالات الخطرة، و10 حضّانات من تبرعات الأطباء، بينما ال11 حضّانة الأخرى من وزارة الصحة. ويشير مدير قسم الحضّانات بالمستشفى العام، إلى مشكلة أخرى، فيقول: المستشفى الجامعي بها 4 حضّانات فقط، وباقي الحضانات الموجودة بالمستشفيات الأخرى بالمحافظة لا تتجاوز خمس حضّانات، وبالتالي تُحول الحالات التي لا تجد لها مكانًا بالمستشفيات المركزية بمراكز المحافظة، إلى المستشفى العام، رغم أنه من الممكن توفير عددًأ آخر من الحضّانات، لكن تظهر مشكلة أخرى، وهي العجز في التمريض، فكل حضانة لها ممرضة خاصة في الفترة الصباحية وأخرى في الفترة المسائية، وهو أمر غير متاح بالمستشفي. و يشيد فؤاد، بطاقم الممرضات، وكذلك حضّانات المستشفى العام، موضحًا أنها أفضل من حضّانات المستشفيات الخاصة بالفيوم، لأن بها أجهزة تنفس كلي (ايفت)، وأجهزة تنفس جزئي (سباب)، وهو ما لا تجده متوفرًا بحضّانات المستشفيات الخاصة أو الحكومية الأخرى الموجودة بمراكز المحافظة. تكلفة رمزية وتقول حنان فاروق، مشرفة الحضّانات بالمستشفي العام بالفيوم: إن أكثر المشكلات التي تواجهها هي وطاقم التمريض ومسؤولي قسم الحضّانات، هي قلة عدد الحضانات من حيث العدد، فهو لا يتناسب مع عدد حالات الأطفال المبتسرين، الذين يحتاجون حضّانات، إضافة للعجز في هيئة التمريض، فعدد الممرضات بهذا القسم ضئيل جدًا أمام الجهد المطلوب في القسم. وتضيف فاروق: أن طاقم التمريض على أعلى مستوى من الكفاءة والتدريب، وحالات الوفاة داخل الحضّانات ليست بسبب عدم كفاءة الأجهزة أو سوء الرعاية، لكن بسبب البطء في تشخيص الطبيب المعالج للحالة، أو عدم توافر حضّانات متاحة. وتشير إلى أن رسوم الحضّانات في اليوم الواحد قد تصل إلي 7 جنيهات، متضمنة زيارة مريض يومي، بينما يتكلف اليوم فى الحضّانة الخاصة 250 جنيهًا، موذحة انه إذا حدثت وفاة للطفل يتم إعفاء والده تمامًا من دفع الرسوم. حالات حرجة وتقول نورا منصور، امتياز بكلية التمريض بالمستشفى الجامعي: المستشفى الجامعي بها 4 حضّانات فقط، وعلى أعلى مستوي تقني، ولكن لا تستقبل إلا الحالات الحرجة فقط، وترفض أى تحويلات من مستشفيات أخرى إذا كانت حالة غير حرجة. وتتابع منصور: ما يتردد من أنباء عن غلق مستشفى التأمين الصحي سوف يؤثر على استيعاب المستشفيات للحالات، وخاصة مستشفى الفيوم العام، بسبب تحويل حالات كثيرة من مستشفيات المراكز إليها، وأيضًا بسبب عدم التعاون من قبل المستشفى الجامعي معها. مأساة الانتظار "أحيانا ليس أمامك غير انتظار وفاة حالة من التي تشغل مكانًا بالحضانة، حتى يخلو لطفلك مكان"، هكذا يقول أحمد طاهر، المقيم بمركز سنورس، عن تجربته مع ازمة نقص الحضّانات بالفيوم. ويوضح أنه عقب ولادة زوجة أخيه، لم يجدوا لطفلها الذى ولد مبتسر مكانًا بحضّانات الأطفال بمستشفي سنورس المركزي، وقامت إدارة المستشفى بتحويلهم إلي المستشفي العام بمدينة الفيوم، ولم يجدوا لها مكان أيضًا، وبعد مرور وقت كبير خرجت حالة وفاة ودخلت مكانها ابنة أخي. وفاة للتأخير بينما تؤكد أم هاشم، أنها مرت بطفلتها على كل مستشفيات مدينة الفيوم، مضيفة: المصيبة الكبرى تمثلت في موت طفلتي التي لم تجد مكانًا شاغرًا لها، ما ساهم في تأخر حالتها، ولم تقبلها المستشفيات الخاصة، وأخيرا توجهت بها إلي حضّانات الجمعية الشرعية بسنورس، وتوفت حين وصولها. ضيق الحال ويشير أحمد محمد، إلى أن زوجته أنجبت بمستشفى خاصة، واحتجزت طفلته سارة بالحضّانة لمدة أسبوع، ولم يستطع أن يدبر تكاليف بقاؤها بالحضّانة التي تصل في اليوم الواحد إلي 200 جنيه، وهو يعمل في ورشة حدادة وأجره لا يتجاوز ال50 جنيه، فقرر أن تترك طفلته الحضّانة الخاصة ويذهب إلى المستشفى العام، ولعدم توفر مكان لم تستقبله، وقامت بتحويله إلى مستشفى سنورس، التى رفضت استقباله أيضًا، فلجأ إلى الدكتور مدحت شكري، وكيل وزارة الصحة بالفيوم، الذى وفر لطفلته مكانًا في حضانة الجمعية الشرعية بسنورس. *التحقيق منشور في العدد ال 81 من جريدة الفيومية