أصبحت محافظة المنوفية، من أكثر المحافظات على مستوى الجمهورية طردا للسكان، حيث تأتي في المراكز الأولى بالنسبة للهجرة غير الشرعية، الأمر الذي مثل تجارب مأساوية بسبب وفاة العديد من الشباب في عرض البحر. وتعتبر المنوفية من المحافظات التي تقع في أعماق الريف المصري، والتي تتسم بأنها محافظة زراعية بالدرجة الأولى، لكونها تقع بين فرعي النيل، وفي مدخل الدلتا حيث ينقسم نهر النيل على حدودها، الأمر الذي يجعل فرص العمل بها محصورة ما بين الزراعة وبعض الحرف والتجارة. ولعل أبرز مراكز المحافظة طردا للسكان، مركز تلا، الذي يحتل المركز الأول في هجرة شبابه، ولا سيما قرية زنارة التي هاجر منها قرابة الخمسة آلاف شاب إلى إيطاليا من إجمالي تعداد سكانها البالغ 25 ألف نسمة، وهناك من مات منهم أثناء رحلة الهرب وآخرون لا يعلم عنهم أحد شئ. يقول مصطفي رمضان (29 عاما) أحد الناجين من الموت: "دفعت شقى عمري وكل اللي عندي عشان أسافر إيطاليا ولما وصلنا ليبيا بقينا مدة 6 أيام في التخزين (معسكر للمهاجرين) منتظرين ميعاد ركوبنا، وبالفعل خدونا للشاطئ وركبنا قارب خشب قديم جدا، خدنا لحد ما وصلنا لمركب تاني أكبر منه في عرض البحر، وبدأنا رحلتنا معاه لحد ما وصلنا لقرب الحدود، وفجأه لقينا عمال المركب بيطلبوا مننا ننزل البحر ونكمل سباحة واللي مش هينزل هيتقتل وهددونا بسلاح، ونزلنا البحر وحرس السواحل الإيطالي قبض علينا ورحلنا لمصر تاني". فيما يقول عمرو الحلواني (33 سنة): "حاولت السفر 3 مرات وجميعهم فشلوا وشاهدت الموت بعيني، ولكن "إحنا هنا ميتين واحنا عايشين يبقي نحاول واللي ربنا كاتبه هنشوفو، أنا حاولت 3 مرات وهحاول تاني لأن الواحد هنا مش لاقي لقمة العيش والحياة بقت صعبة جدا والدولة مش قادرة تحل مشكلة البطالة يبقي الهروب من هنا هو أفضل حل". ويضيف محمد البنداري، شقيق أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية: "إحنا بعنا كل اللي عندنا من أرض ومواشي ودفعنا كل اللي معانا وبالفعل اتفقنا مع السمسار، ووعند الموعد المنتظر سافر شقيقي (26 عاما) إلى ليبيا وظل هناك قرابة 15 يوما، وكان على اتصال بنا ويشكو من الوضع العام في المعسكر، لأنهم غير مسموح لهم أن يروا الشارع، وكانوا أيضا يشترون طعاما ليس نظيفا وغالي جدا". ويتابع: "تحرك القارب بهم وكان ضعيفا جدا وقديما، وكان يتوغل داخل مياه البحر، وعندما اعترضوا هددهم بالقتل بمسدسه، وعندما أصبح القارب في مسافة بعيدة في البحر (خارج المياه الدولية) طلب منهم القفز في البحر وإكمال المسافة سباحة، مهددا من يرفض هذا بالقتل الفوري، وبالفعل هبط الجميع إلى مياه البحر، واستمروا في السباحة وصولا لشاطئ إيطاليا، ولكن شقيق مات غرقا لعدم قدرته على السباحة لمسافات طويلة". ويستطرد قائلا "أنا بنصح أي حد إنه يبعد عن الطريق ده ولو عاوز يسافر يسافر بشكل شرعي أو يفضل هنا في بلده أفضل، لأن رب هنا هو رب هناك والحياة غالية وحرام نفرط فيها ولو بكنوز الدنيا كلها". أما أحمد عطية، أحد الذين استطاعو عبور بحر الموت والوصول لإيطاليا فيقول "أنا شفت أيام صعبة جدا وشفت الموت بعيني أكتر من مرة غير المعاملة السيئة اللي بنتعاملها من الجانب الليبي بس الحمد لله ربنا كرمني وقدرت أوصل إيطاليا ولو رجعت بيا الأيام مش هكرر التجربة دي مهما كانت المغريات لأن أول مرة أحس أن العمر غالي وأنا في بحر ليبيا وإن بلدنا مهما كانت قاسية علينا مالناش غيرها".