تتصاعد دقات القلب، ويتدفق الأدرينالين عبر عروق نفرت من فرط الرهبة، تُحلق قطرات العرق في فضاء المركبة الفضائية؛ فهنا لا مجال لجاذبية السقوط، ينتظر ''ليونوف'' الأوامر التي تأتي له عبر أثير ''فوسخود 2''، حان الوقت، يستعد رائد الفضاء لحل أحزمة المقعد التي تؤمنه، يسترجع التعليمات وسط صداع عنيف يهاجم رأسه، بعيون أحمرت من فرط تدفق الدماء إلى رأسه بسبب اختلاف الجاذبية؛ يري اسمه وقد كُتب بحروف من نور فى تاريخ العلوم والفضاء، يستجمع شجاعته، ويذهب إلى غرفة معادلة الضغط، يتأكد من إحكام خوذة الرأس، يمسك المقبض، يديره إلى اليسار، ينتظر حتي يتعادل الضغط، ويخرج إلى عالم لم يطأه بشري قبله، يستنشق هواء أنبوبة الأكسجين المُعلقة خلف ظهره، يبتسم، فقد فعلها وحقق الإنجاز، وأصبح رائدًا لمن بعده. قبل 31 عامًا من هذا اليوم، وتحديدًا فى 30 مايو عام 1934، ولد ''أليكسي ليونوف'' رائد الفضاء الروسي، في منطقة نائية غرب ''سيبيريا''، لم يكن يتوقع أن تطلعه للفضاء وحلمه بالطيران سيتحول فى يوم من الأيام إلى حقيقة مُذهلة، درس ''أليكسي'' علوم الطيران والتحق بسلاح الجو السوفياتي، وفي عام 1960 تم اختياره ضمن 20 طيارً للتدريب على التقنيات الفضائية، بعدها بعام، حقق السوفيت إنجازهم الأول، وخرجوا بمركبة الفضاء ''فوستوك 1'' إلى ما خارج نطاق جاذبيتنا الأرضية، على متنها كان البشري الأول الذي دار حول الأرض ''يوري جاجارين''. ''استعد للخروج للفضاء''، قالها له رؤسائه؛ بعد أربع سنوات قضاهم ''أليكسي ليونوف'' في تدريب شاق، لم تكن المهمة الموكلة إليه عسيرة، فقط عليه أن يبقي خارج المركبة لدقائق، وفي المقابل سينسب إليه كونه أول إنسان يخرج بعيدًا عن المركبة التي تُقله إلى الفضاء الخارجي، بعد تلقيه الأمر، قضي ''ليونوف'' 18 شهرًا متواصلا في تدريب على كيفية معادلة الضغط والمشي فى فضاء مُنعدم الجاذبية. بكتلة بلغت أكثر 5682 كيلو جرام، خرجت المركبة الفضائية ''فوسخود 2'' إلي الفضاء، وعلى ارتفاع 475 كيلومتر، قبض ''ليونوف'' على حبل طوله 5.35 مترًا موصل بكبسولة داخل المركبة ''فوسخود 2''، تمسك به كتمسك الجنين بحبله السُري الذي ينقل له الحياة، وكسباح محترف أخرج جسده إلى الفراغ الأسود المحيط به، طاف حول المركبة لمدة 12 دقيقة وتسع ثوان ليصبح أول إنسان يمشي فى الفضاء، الدقائق مرت بسرعة، تلقي أمرًا بالرجوع من قائد المهمة الرئيسي '' بافل بيلياييف''، لم يتأخر الشاب في تنفيذ الأمر رغم شغفه بالاستكشاف، فطبيعته العسكرية جعلته يطع قائده على الفور، أتجه إلى غرفة معادة الضغط؛ والتي كانت أول غرفة من نوعها، على الفور، دخل، أغلق بابها، وأنتظر قليلاً حتي اضاءت باللون الأخضر، أصبح أمنًا، صرخ فى سعادة ''أنجزت مهمتي''.
