1.2 مليار دولار هو قيمة الضمان المالي الذي تطلبه العراق من مصر، لتقبل الأولى توريد 4 ملايين برميل نفط خام شهريًا للأخيرة، تُضاف إلى 5 مليارات دولار أخرى، هي مجمل مديونيات مصر لشركات النفط، في الوقت الذي بلغ فيه عجز الموازنة العامة 175.9 مليار جنيه بنهاية مارس الماضي. كيف يتم حل المعادلة، التي تحتاج فيها مصر إلى توفير الضمان المالي، الذي لا تمتلكه، لسد احتياجاتها من السولار، وحل لأزمة التي تسود السوق منذ شهور عديدة؟ وهل سيتم توفير المال المطلوب بالفعل؟ وكيف سيتم ذلك؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فهل سيتم سحب طلب توريد النفط، وهل ستتفاقم أزمة السولار؟ هذه الأسئلة وأكثر يتم الإجابة عليها في التقرير التالي. 27 مايو.. الشحنة لم تصل بداية الحديث عن طلب توريد نفط خام من الجانب الليبي والعراقي وتوريد غاز طبيعي من قطر كان في شهر مارس المنقضي، عندما اتفقت مصر مع ليبيا على استيراد 12 مليون برميل، على مدار 12 شهرًا، ومع العراق على استيراد 4 ملايين برميل شهريًا من النفط الخام، ومع الجانب القطري على 18 ألف شحنة يتم توريدها على فترات متفرقة. وكان من المفترض أن يكون ميعاد أول شحنة تصل إلى مصر من الغاز القطري في 27 مايو الجاري، حيث تقوم قطر بمنح مصر حصصها من الغاز، مقابل حصص بترولية، تحصل عليها قطر من الشركاء الأجانب العاملين بالبلاد، إلى أن ذلك لم يحدث. بينما كانت الخطة المُقرر تنفيذها مع العراق أن يتم تكرير كميات النفط التي تتلقاها مصر بالمعامل المصرية، وتحصل مصر على احتياجاتها من السولار والمازوت، بينما تحصل العراق على البنزين، مع الحصول على مقابل تكرير الخام بالمعامل المصرية. بداية الأزمة واستمرت الخطة قائمة إلى أن تقدمت الحكومة العراقية بطلب للحصول على ضمانات مالية من البنك المركزي المصري، بقيمة 1.2 مليار دولار، تمثل مستحقات ثلاثة أشهر، لتوريد 4 ملايين برميل نفط خام شهريًا، من نفط خام البصرة عن طريق شركة تسويق النفط الحكومية. حاولت بعدها هيئة بترول مصر أن تحصل من العراق على تسهيلات لمدة 9 أشهر، على غرار اتفاقها الموقع مع مؤسسة البترول الكويتية، إلى أن الجانب العراقي رفض، مبررًا ذلك بعدم وجود اتفاقيات مماثلة له مع أي أطراف دولية، بسبب الالتزامات المالية المفروضة عليها. وهنا بدأت الأزمة، فمن ناحية، لا تزال أزمة السولار مستمرة في مختلف محافظات مصر، دون حلول طويلة المدى من قِبل الحكومة، التي تعتمد على الاستيراد، الذي يعد في حد ذاته أزمة أخرى، نظرًا لتراجع شركات عالمية عن إمداد مصر بالمواد البترولية، لخوفها من عدم سداد قيمتها المطلوبة، وهو نفس مع حدث مع الشحنات المطلوب توريدها من العراق. ولكن كيف يرى الخبراء حجم المكاسب أو الخسائر التي تجنيها مصر من تلك الاتفاقية؟ وما هي سبل حل الإشكالية القائمة، والتي تعيق إتمام الاتفاقية؟ وما هي البدائل المطروحة إذا تعذر نجاح الصفقة؟. تقليل نفقات من جانبه، يرى أحمد عبدالغفار، نائب رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية باتحاد الغرف التجارية، أن ''الاتفاقية تصب في صالح مصر، بشكل مباشر وغير مباشر، وتعمل على الحد من الأزمات المتعلقة بنقص السولار، إضافة إلى ضمان استمرارية وجود المواد النفطية، نظرًا لأن تكريرها سيتم داخل مصر، وبالتالي ستكون هي مصدر توزيعها''. وقال عبدالغفار، في تصريحات هاتفية ل''مصراوي''، إن تكرير المواد بالمعامل المصرية سيعمل على تقليل النفقات، وسيكون سعره أقل بكثير من الاستيراد، لافتًا إلى أن اقتصار الاتفاقية على الاستفادة من السولار والمازوت فقط، دون غيرها من المواد الأخرى التي تحقق فيها مصر اكتفاءً ذاتيًا مثل البنزين، هو أمر آخر يصب في صالح مصر، على حد قوله. وفي حالة تعذر إتمام الصفقة، أوضح نائب رئيس شعبة المواد البترولية أن الحلول البديلة قائمة بالفعل، وهي استيراد الكميات التي تحتاجها مصر من الخارج، مستبعدًا أن يتسبب ذلك في تفاقم الأزمة، قائلًا: ''الأزمة من البداية هي مشكلة تخزين، وقد استمرت الأزمة الفعلية للمنتج 15 يومًا فقط، وتم حلها''. ومن المُفترض أن يوفر تكرير الخام - القادم من البصرة - في المعامل المصرية ما بين 4 آلاف طن سولار و3 آلاف طن بنزين يوميًا. ''العشوائية لا تحل أزمات'' على النقيض، كان إبراهيم زهران، خبير البترول ورئيس حزب التحرير المصري، أقل حماسة بشأن الصفقة من ''عبدالغفار''، فهو يستبعد أن تتم الاتفاقية، بسبب عدم وجود ضمانات مالية تقدمها الدولة لليبيا أو للعراق. وانتقد زهران، أثناء حديثه ل''مصراوي''، أداء الحكومة فيما يخص إيجاد حلول بديلة لمواجهة الأزمة، قائلًا: ''ليس لديهم حلول بديلة ولا حلول أصلية، ليس عندهم سوى حلول عشوائية، مثل تصرفاتهم العشوائية''، مشددًا على أن المشكلة ستتفاقم إذا لم تتم الاتفاقية. ورأى رئيس حزب التحرير المصري أن حل الأزمة سيأتي برحيل السلطة عن الحكم، وتفوضيها إلى ''ناس بتفهم تقدر تحل الأزمة''، مضيفًا: ''طول ما هما قاعدين بالعشوائية اللي هما فيها دي مفيش حاجة هتتحل''. يأتي ذلك بينما توجه شريف هدارة، وزير البترول، يوم الأحد الماضي، إلى قطر، لاستكمال المباحثات، والاتفاق على الأطر القانونية بشأن تنفيذ اتفاق تبادل شحنات الغاز بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية ''إيجاس'' وقطر للغاز، إضافة إلى إجرائه مفاوضات مع الجانبين العراقي والليبي، لضمان توريد كميات الخام المتفق عليها. ''لا مفر من الاتفاقية'' بدوره، لم ير عصام رفعت، الخبير الاقتصادي، مفرًا من إتمام الاتفاقية، مفسرًا: ''لا يوجد بترول أو سولار أو الغاز الطبيعي، وإذا كانت هناك حلولًا أخرى، لم نكن لنطلب النفط من الخارج''. وشدد رفعت، في تصريحات ل''مصراوي''، على ضرورة أن تُدبر الدولة الضمان المالي المطلوب، موضحًا: ''إذا لم تستطع الدولة أن توفر المال اللازم لإتمام الاتفاقية، ستتوقف الحياة الاقتصادية، فهذه المواد هي محرك الصناعة ومصدر الكهرباء، وأي نقص فيها؛ يهدد حياتها''. واستطرد: ''نحن بحاجة إلى زيادة الطاقات الإنتاجية الموجودة، لأن وضع مصر الحالي، وفي ظل تخفيض تصنيفها الائتماني، يجعل قدرة مصر على سداد ديونها أو شراء السلع التي تحتاجها ضعيف جدًا ومحدود، وبالتالي فإن أي مورد سيطلب أن يكون الدفع فوريًا، دون تسهيلات، أو آجال قصيرة، ضمانًا لحقوقهم''. ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الدولة تستطيع أن تساهم في التقليل من تأزم المشكلة، عبر ترشيد استخدام الطاقة بشكل عام، عن طريق توفير وسائل مواصلات ''آدمية''، يستخدمها المواطنون كبديل عن السيارات الخاصة، ما يساعد على توفير كمية الطاقة المستخدمة، وتقليل الزحام المروري الذي يستمر لساعات، إضافة إلى بذل مجهودات أكبر في القضاء على عمليات تهريب السولار والبنزين إلى خارج مصر. ومن المعروف أن الاستهلاك اليومي لمصر من السولار يبلغ نحو 38 ألف طن، يتم استيراد 22 ألف طن منه، بنسبة تتراوح ما بين 25% إلى 30%، ويبلغ استهلاك البنزين 16 ألف طن يوميًا، يتم إنتاج 90% منه داخليًا، ويتم استيراد الباقي، فيما تستورد 50% من البوتاجاز بالصيف و60% في الشتاء. وحتى يتم الفصل في شأن الاتفاقية، يبقى القول أن 6 شركات دولية عاملة في مجال شحن البترول تأهلت لمناقصة الهيئة المصرية العامة للبترول، لنقل 4 ملايين برميل نفط خام شهريًا من ميناء البصرة بالعراق إلى مصر، من بين 16 شركة. ووفقًا لما أدلى به أحد المسؤولين بالهيئة، لوكالة الأناضول، فإنه من بين الشركات التي تقدمت للمناقصة كانت ''ديموينين'' اليونانية، و''فريدرك نيلسون'' للخدمات الملاحية، إضافة إلى بعض الشركات القبرصية العاملة بمجال شحن المنتجات البترولية في منطقة الشرق الأوسط.