في زمن كان على الفتاة البقاء في بيتها، بين أسر ترى التعليم قاصرا على مبادئ القراءة والكتابة داخل جدران المنزل، وبين أسر أخرى لا ترى لبناتهن حقا في التعليم، في زمن سيطر الجهل على السواد الأعظم من الشعب المصري، كانت تخرج بوادر أمل تحمل مشاعل تنير الطريق أمام العلم والجمال والمساواة الحقة في العلم والحياة الكريمة.. منذ 126 ولدت ''نبوية موسى''. ''نبوية موسى محمد''.. المولدة في 17 ديسمبر 1886 بكفر الحكمة، مركز الزقازيق بالشرقية، لأب ضابطا بالجيش، سافر الأب إلى السودان وانقطعت أخباره، وتولى الأخ الأكبر ''محمد'' رعاية شئون الأسرة، وتولى تعليم شقيقته الصغيرة مبادئ القراءة والكتابة، واستطاعت بنباهتها تعلم بعض من الإنجليزية وأبيات الشعر، وزادت رغبتها في التعليم لتواجه أسرتها برغبتها في الالتحاق بالمدرسة، و هنا بدأ الصدام. ''عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء''.. هذا بعض من ردود كبار العائلة للفتاة ''نبوية''، إلا أنها صممت ووصل الأمر إلى ''سرقة خاتم أمها الذهبي'' لتكمل به مصاريف الالتحاق بمدرسة ''السنية'' بالقاهرة عام 1901، بعد أن كانت ابتاعت سوارا لها لتقدمه مصاريفا دراسية بالقسم الخارجي بالمدرسة، وبلغت المصاريف ''سبعة جنيهات ونصف دفعة واحدة''، وقد ذكرت هذه التفاصيل بكتاب ''حياتي بقلمي'' الذي يحوي سيرتها الذاتية. من الطريف أن كلا من محمود فهمي النقراشي (باشا) وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة، وقد تقدمت ''نبوية'' عليهما في مادة اللغة العربية؛ حيث حصلت على 27 درجة وحصل الأول على 21.5 درجة والثاني حصل على 26 درجة ونجح في هذا العام أربع فتيات فقط، ثم التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفى عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأميرية بمرتب أربعة جنيهات. حاربت ''نبوية'' في سبيل المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم، وجعل للفتاة حق في نيل قسط محترم من التعليم، إلا أن ثاني معاركها كان مع ''نظارة المعارف''، حين اشتكت من إعطاء المعلمات نصف راتب المعلمين بحجة حصول المعلمين على شهادة البكالوريا ''الثانوية العامة''، فما كان منها إلا التقدم لامتحان البكالوريا 1907، لتكون بذلك أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا، وكان لهذا النجاح ضجة كبرى ونالت نبوية موسى بسببه شهرة واسعة ''نبوية موسى'' كانت أول فتاة تلتحق بالجامعة الأهلية المصرية ''جامعة القاهرة'' عند افتتاحها، وانتدبت لإلقاء محاضرات لسيدات الطبقة الراقية، ثم بعدها بعامين عينت ''ناظرة'' لمدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم، وشعرت بقصور كتب المطالعة للطلاب، فقامت بتأليف كتاب المطالعة العربية ''القراءة'' بعنوان ''ثمرة الحياة في تعليم الفتاة 1911''. مر الزمان وتخطت ''نبوية موسى'' الخمسين من عمرها قضتها في مدارس وجه بحري والإسكندرية والقاهرة، وكذلك نشاط صحافي ورواجا للدعوة إلى المرأة والعمل وشاركت أيضا في الحركة النسائية وكانت ضمن الوفد النسائي المصري المسافر إلى مؤتمر المرأة العالمي المنعقد في روما عام 1923. في عمر ال65، رحلت رائدة تعليم الفتاة ''نبوية موسى''، تاركة صفحة بيضاء في تاريخ نساء مصر، ومنارة علمية امتدت لأكثر من نصف القرن حتى الآن.