القاهرة - تواجه شركات الأدوية المملوكة للحكومة المصرية أزمة تهدد بخروج هذه الشركات من السوق، وتصاعدت الأزمة بشكل واضح بعد ثورة 25 يناير بسبب تزايد المطالب الفئوية من عمال هذه الشركات بزيادة الأجور وعجز الشركات عن رفع أسعار منتجاتها بما يغطي التكلفة ويحقق لها هامش ربح بسبب رفض وزارة الصحة المصرية لرفع أسعار الدواء في الفترة الحالية تحت أي مسمى، كما قام عدد من شركات الدواء الأجنبية بسحب تراخيص إنتاج المستحضرات الطبية الخاصة بها من الشركات المصرية التابعة للقطاع العام في ظل منافسة قوية من الشركات الخاصة. ودفعت هذه الأزمة مجدي حسن، رئيس الشركة القابضة للأدوية، وهي الشركة الممثلة للحكومة المصرية والتي تتبعها باقي شركات القطاع العام العاملة في قطاع الأدوية، إلى أن يحذر أمام الجمعية العمومية للشركة التي يرأسها مما وصفه بالنفق المظلم الذي توشك شركته القابضة والشركات التابعة لها أن تدخله، بما يؤدي إلى خروجها نهائياً من المنافسة في السوق. وأكد أن السبب في ذلك هو تراجع الإنتاج والمبيعات، والذي يقابله من الناحية الأخرى رفض عمال وموظفي عدد من الشركات التابعة العمل بأوقات عمل إضافية لتعويض النقص في الإنتاج، وهو ما يتزامن أيضاً مع مطالب من العمال بزيادة المرتبات والحوافز والبدل النقدي للوجبات.. وهي مطالب تزيد من الضغوط المادية على الشركة، وهو ما اعتبره رئيس الشركة من العوامل التي تزيد من الضغوط على "القابضة للأدوية" والشركات التابعة لها، وحمل العمال المسؤولية عن استمرار تعثر الشركات بسبب تراجع معدلات الإنتاج. وتعاني شركة النيل للأدوية والصناعات الكيماوية، وهي شركة مملوكة للحكومة المصرية، بدورها من نفس الأزمة، فالشركة تشهد تراجعًا سنويًا في الربحية بلغ 6.1 مليون جنيه مصري، بعد قيام عدد من الشركات الأجنبية بسحب تراخيص إنتاج مستحضراتها من الشركة، وكانت قيمة مبيعات تلك المستحضرات تبلغ نحو 34 مليون جنيه، بربحية 6.1 مليون جنيه. كما تواجه الشركة ضغوطًا قوية بشأن المنافسة الشرسة من شركات قطاع الأعمال والقطاع الخاص، والزيادة المضطردة في أسعار جميع المدخلات من خامات ومستلزمات وأجور وغيرها من المصروفات، والخسائر الناتجة عن إنتاج وبيع عدد من المستحضرات الطبية التي تنتجها الشركة التي تزيد تكلفتها على سعر بيعها بسبب عدم استجابة وزارة الصحة لتحريك أسعار هذه المستحضرات، وفي نفس الوقت زيادة مخصصات الأجور بنحو 15 مليون جنيه بعد مطالب فئوية من عمال الشركة، إلا أن زيادة الأجور لم يتبعها زيادة في إنتاجية الشركة؛ ما دفع رئيس الشركة القابضة إلى أن يحذر من أنه لن يكون في الإمكان دفع أجور العمال إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن. وفي السياق نفسه، فإن الشركة العربية للأدوية والصناعات الكيماوية، وهي شركة مملوكة للحكومة وتابعة أيضاً للقابضة للأدوية، تواجه نقصًا حادًا في الإنتاج؛ ما جعل موازنتها التقديرية عن العام المالي 2011/2012، تستهدف صافي أرباح قدره 5.400 مليون جنيه فقط، مقابل 7.872 مليون جنيه في 30 يونيو 2010. وكانت نتائج أعمال الشركة خلال النصف الأول من العام المالي 2010-2011، قد أظهرت تحقيق صافي ربح بلغ 4.728 مليون جنيه بتراجع قدره 37%، مقارنة بصافي ربح بلغ 7.504 مليون جنيه خلال النصف الأول من 2010-2009. وتضطر الشركة العربية أيضًا إلى بيع 36 مستحضرًا يقل سعر بيعها عن سعر التكلفة، وذلك في إطار سياسة الحكومة المصرية الهادفة لتوفير المستحضرات الدوائية بأسعار يراعى فيها البعد الاجتماعي، وطالبت أيضًا وزارة الصحة بضرورة تحريك أسعار تلك المنتجات. وأكد محمد البهي، نائب رئيس المجلس التصديري للأدوية، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، أن شركات قطاع الأعمال في مصر المملوكة للدولة والتي تعمل في مجال الأدوية لا تمثل أكثر من 4% فقط من سوق الدواء المصرية بشكل عام، فيما تسيطر الشركات الخاصة على هذه السوق بشكل كامل. وعن أهم الضغوطات التي تواجهها شركات الأدوية المملوكة للدولة أكد أن من أبرزها إشكالية "التسعير"، حيث إن وزارة الصحة تقوم بتسعير دواء معين لمدة 10 سنوات بلا تغيير في سعره، وعندما ترتفع أسعار المواد الخام تستطيع الشركات الخاصة، إيقاف إنتاجه فورًا، لو رأت أن هذا السعر لا يحقق لها هامش ربحية، لأنها في طبيعة الحال تهدف إلى الربح في المقام الأول، أما الشركات التابعة للشركة القابضة فلا تستطيع سحب أو إيقاف إنتاج الدواء أو المستحضر الطبي؛ لأنها تتبع سياسة الحكومة المصرية وتحت مظلتها وتعمل وفق بند المسئولية الاجتماعية. وأضاف أن وزارة الصحة قامت بإلغاء نحو 3 آلاف مستحضر خلال الفترة الأخيرة بسبب قيام شركات القطاع الخاص العاملة في قطاع الأدوية بوقف خطوط إنتاجها. وقال البهي: "لا توجد في مصر بشكل عام أي مشكلات تتعلق بندرة أي مستحضر دوائي، وفي أعقاب ثورة 25 يناير خاصة فترات حظر التجوال قلت إنتاجية مصانع الأدوية الخاصة بالفعل لكنها سريعا عادت إلى ما كانت عليه فور استقرار الأوضاع الأمنية". ويقول البهي إن صناعة الدواء في مصر بشكل عام مطمئنة جدًا، معتبرا أن الأزمة التي تواجهها الشركة القابضة للأدوية والشركات الحكومية التابعة لها تخصها فقط ولا تنسحب على باقي شركات قطاع الأدوية في مصر. وفي السياق نفسه، استنكرت أعداد كبيرة من المواطنين في مصر ارتفاع أسعار عدد من العقاقير الطبية و الأدوية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، خاصة أدوية الضغط والسكر، التي يتم استيرادها، مطالبين بضرورة توفيرها بأسعار أرخص، وأن تقوم بصناعتها شركات قطاع الأعمال على وجه السرعة، كما طالبوا بوجود وعد رسمي بإعلان صادر عن وزارة الصحة المصرية بعدم زيادة أسعار أي أدوية، وتوفير العقاقير الخاصة بالسكر والضغط بأسعار تتناسب مع دخول معظم المواطنين المصريين.