يبحث رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون في الرياض السبت مع المسؤولين السعوديين الزلزال السياسي الذي ضرب الشرق الاوسط الجمعة باستقالة الرئيس المصري حسني مبارك الذي دافعت عنه المملكة حتى النهاية. وفيون، الذي وصل مساء الجمعة الى جدة (غرب)، بدأ زيارته صباح السبت من على متن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي تعمل بالدفع النووي وتعتبر درة البحرية الفرنسية والتي تشارك حاليا في تدريبات مشتركة مع الجيش السعودي في البحر الاحمر. وهذه الحاملة هي اليوم في طريق عودتها الى فرنسا بعدما شاركت لاشهر عديدة في مهمة في المحيط الهندي. وامام اكثر من الف بحار فرنسي يخدمون على متن الحاملة الراسية قبالة سواحل جدة، وجه فيون، الذي يقوم باول زيارة لرئيس وزراء فرنسي الى السعودية منذ 1994، تحية الى "شجاعة" الشعب المصري التي تستحق "التقدير والاحترام". واكد فيون انه "برحيل الرئيس مبارك تفتح صفحة جديدة بالنسبة لمصر"، واضاف "اود ان احيي هذا القرار الشجاع بمغادرة السلطة، والذي يستجيب للتطلعات القوية للشعب المصري وللديموقراطية والكرامة والحرية". وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اشاد الجمعة بالقرار "الشجاع والضروري" الذي اتخذه مبارك. واكد رئيس الوزراء الفرنسي انه "يعود الى المصريين تقييم عمل حسني مبارك والاثر الذي سيتركه في تاريخ بلاده. ولكن ما من احد يمكنه ان يشكك في المساهمة التي قدمها لقضية السلام في المنطقة"، مشددا على ان فرنسا تأمل ان "تصل العملية الانتقالية التي بدأت الى خواتيمها، وان تكون ديموقراطية وسلمية وتتمتع بالمصداقية، وان تقود الى انتخابات حرة وشفافة". كما تطرق فيون في كلمته الى الملف النووي الايراني، مؤكدا ان القوى الغربية "ستضطر الى تشديد العقوبات" المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. وبسبب عدم وجود العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز حاليا في المملكة نظرا لفترة النقاهة التي يقضيها في المغرب، سيبحث المسؤول الفرنسي هذه المواضيع مع كل من ولي العهد وزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز ووزير الداخلية الامير نايف بن عبد العزيز. وحتى اللحظة الاخيرة دعمت السعودية صراحة الرئيس مبارك، ولم يصدر عنها حتى الساعة اي موقف ازاء تنحي الرئيس المصري. وتخشى المملكة المحافظة من المخاطر التي قد تنجم عن رياح التغيير التي هبت على المنطقة. ومنذ منتصف كانون الثاني/يناير والمملكة تستضيف الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي واسرته اثر فراره من بلده نتيجة ثورة شعبية. والخميس اعرب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الرباط عن "استهجانه الشديد واستنكاره البالغ لتدخلات بعض الدول الاجنبية" في شؤون مصر. وابدى الفيصل في تصريح للصحافيين مع نظيره المغربي الطيب الفاسي الفهري "استهجانه الشديد واستنكاره البالغ لتدخلات بعض الدول الأجنبية، وممارسة المزايدات على الشعب المصري، في تدخل سافر في شؤونه الداخلية، وعلى نحو يتنافى وابسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأممالمتحدة". وقالت دوائر رئيس الوزراء "سنستمع الى الجانب السعودي لمعرفة كيف يتلقي هذه التحركات، وسنعرض وجهة نظرنا وهي معروفة: ندعم التطلعات الديموقراطية للشعوب من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومن دون ان نملي عليها ما يتوجب عليها فعله". واضافة الى هذه المواضيع سيبحث رئيس الوزراء الفرنسي ملفا شائكا آخر هو الملف اللبناني. وفي هذا الملف فان فرنسا والمملكة اللتين تدعمان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري لديهما "تقريبا الموقف ذاته"، بحسب دوائر فيون. ويقول مصدر دبلوماسي ان باريس "اخذت علما بتعيين نجيب ميقاتي رئيسا جديدا للوزراء" وستحكم "على الحكومة التي سيشكلها بناء على افعالها". وبعد السعودية يزور فيون الاحد الامارات حيث سيبحث ايضا الطموحات النووية الايرانية التي تقلق ابوظبي كثيرا. وفي هذا المجال تقول دوائر قصر ماتينيون (رئاسة الوزراء الفرنسية) ان "العلاقات العسكرية قوية" بين فرنساوالامارات. ودشنت فرنسا في 2009 قاعدة عسكرية في الامارات، وبحلول نهاية 2011 سيتمركز فيها 650 جنديا فرنسيا سيكونون على بعد اقل من 250 كلم عن السواحل الايرانية. وتجري باريس مفاوضات ايضا مع ابوظبي لبيعها ستين مقاتلة هجومية من طراز رافال، وهي طائرة لم تجد حتى اليوم اي مشتر لها في الخارج. وفي هذا الصدد تقول مصادر ماتينيون ان "المفاوضات استؤنفت بشكل جيد منذ كانون الثاني/يناير"، محذرة في الوقت نفسه من انه ليس هناك حتى الساعة "اي جدول زمني". وبشكل عام فان المبادلات التجارية بين فرنساوالامارات تضاعفت ثلاث مرات في غضون السنوات العشر الفائتة والوضع الراهن "مؤات جدا". والتفاؤل نفسه يسود العلاقات الفرنسية السعودية. ومن المحتمل ان يسعى فيون الى دعم شركة السكك الحديد الفرنسية "اس ان سي اف" وشركة الستوم اللتين تتنافسان للفوز بمشروع القطار الفائق السرعة جدة-مكة-المدينة البالغة قيمته 10 مليارات دولار تقريبا. وفي المجال الاقتصادي سيبحث فيون مع السعوديين شؤون "مجموعة العشرين" التي تتولى فرنسا رئاستها. وعلى الصعيد العسكري فان وجود الحاملة شارل ديغول في مياه جدة دليل على التعاون المتزايد مع المملكة، بحسب ماتينيون. ومن المقرر ان يعود فيون الى باريس مساء الاحد.