القاهرة (رويترز) - كانت سوسن جمعة (18 عاما) تعتقد أن حفظ المفردات والقواعد النحوية من كتاب الوزارة سيكون كافيا لتتفوق في امتحان اللغة في مصر لشهادة الثانوية العامة التي هي بوابة العبور الرئيسية الى الجامعات. في نهاية المطاف هذا ما يفعله الجميع. لكن امتحان هذا العام فاجأها لانه طلب ترجمات صعبة وتعبيرات اصطلاحية لم يتم تدريسها في المدرسة. لقد خدعتها ما يقول خبراء انها اصلاحات تعليمية مفككة غيرت الامتحانات لكنها لم تغير طرق التدريس. وقالت سوسن باكية "من المؤكد أن هذه الاسئلة لم تكن من المنهج الذي درسناه." ويقول مدرسون ومستخدمون إن التعليم الثانوي بمصر يحتاج الى اصلاح. ويعتمد معظم التدريس بالمدارس الثانوية على الحفظ عن ظهر قلب ولا يعطي للتلاميذ مهارات عملية مما يجعلهم غير مستعدين للجامعة ويعرقل انتقالهم الى ساحة العمل. واذا كانت أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان تريد أن يستمر النمو الاقتصادي الذي تشهده ويتجه الان الى العودة الى معدل ستة في المئة في العام فلابد أن يكون اعداد خريجي الجامعات الذين يبلغ عددهم سنويا نحو 300 ألف أفضل. ويقول انجس بلير رئيس قسم الابحاث في بنك بلتون فاينانشال الاستثماري "تحسين جودة التعليم هو العامل رقم واحد الذي يحتاج لاهتمام فوري. هناك دعوة موحدة في مصر لتحسين التعليم الاساسي والثانوي لاعداد الناس لقوة العمل." والفصول المكتظة وانخفاض نسب الحضور والافتقار للمكتبات او المكاتب المتاحة للمدرسين مشاكل يعاني منها النظام من السنوات الاولى الى السنوات النهائية بالتعليم المدرسي. وعادة ما تكون الادوات التعليمية مثل أجهزة الكمبيوتر ومعامل العلوم متهالكة ان وجدت أساسا في المدارس الحكومية. ويدبر أولياء الامور كل قرش من أجل الدروس الخصوصية. ويعتمد المعلمون الذين لا يكسبون عادة أكثر من 1600 جنيه (281 دولارا) شهريا على هذا الدخل الاضافي. وتعترف الحكومة بوجود مشاكل لكنها تقول انها ستستغرق وقتا. ونقلت وكالة أنباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية عن وزير التعليم أحمد زكي بدر قوله للجنة برلمانية انه يجب تحديث الكتب المدرسية وان هناك مشاكل كثيرة في التعليم وان الوزارة تضع خططا لحلها تدريجيا لكن لا يمكن حل كل هذه المشكلات في يوم وليلة. وتقول الكاتبة نوال السعداوي التي تنتقد الحكومة والتي وجه لها المتشددون الاسلاميون تهديدات لارائها فيما مضى ان جمود الفكر الديني تسلل الى بعض المدارس في مصر وترى أن معتقدات بعض المدرسين من أصحاب العقليات المحافظة يمكن أن تجد طريقها الى المناهج الدراسية. وتحتل دراسة الدين مكانا متواضعا في الجدول الدراسي المدرسي. ويقول أولياء أمور ومدرسون ان المنهج يغطي الرياضيات والعلوم وغيرها من المواد الاساسية لكنها قائمة على تعلم الحقائق وليس حل المسائل. ولطالما كان الحفظ هو الاساس في امتحانات الثانوية العامة التي تحدد ما يستطيع الطالب أن يدرسه في الجامعة. وقالت ليلى اسكندر استشارية التعليم "الامتحانات في مصر تستند الى دروس معينة في الكتب الدراسية في العامين الاخيرين من الدراسة الثانوية" وقارنت ذلك بامتحانات لشهادات أخرى معادلة للثانوية العامة تختبر قدرة الطالب على الاستدلال والتفكير بطريقة نقدية. ويمكن أن يثير الانحراف عن المادة المحفوظة المتوقعة في أسئلة الامتحان حالة من الذعر بين التلاميذ. وفي يونيو حزيران نقلت وسائل الاعلام المحلية تقارير عن حالات هستيريا حيث خرج تلاميذ مثل جمعة من لجان الامتحانات في حالة ذهول. وأغشي على الفتيات في أحضان امهاتهن بينما صرخ الاباء الغاضبون وانهالوا بالاهانات على القائمين على الامتحانات. وقالت احدى الصحف انه تم استدعاء سيارات اسعاف لعلاج التلاميذ الذين أصيبوا بصدمة. وربما يكون طرح أسئلة تنطوي على قدر أكبر من التحدي جزءا ضروريا من الاصلاحات لكن معلمين يقولون انه لا معنى لاضافتها ما لم يتم اصلاح طرق التدريس أولا. وقال رفعت ابراهيم وهو مدرس للمرحلة الثانوية في الاسكندرية "منذ عشرات السنين وطريق التلاميذ الى النجاح هو حفظ المادة التي تضمن النجاح في الامتحان. التفكير غير مطلوب بل مجرد الالتزام بمجموعة من القواعد." وأضاف "وفجأة أصبح يتعين على هؤلاء التلاميذ أن يفكروا بطريقة ابداعية. بالطبع سيرسبون." ولا تتحسن الصورة متى يدخل التلاميذ الجامعة حيث يواجهون قاعات محاضرات مكتظة واساتذة لا يحصلون على أجور كافية وكتبا دراسية عفى عليها الزمن. وبالتالي فانهم حين ينضمون الى قوة العمل لا يتمتعون بالمهارات اللازمة للعمل في وظائف بالقطاع المصرفي او قطاع التكنولوجيا وهي المجالات التي تسعى مصر الى أن تصبح مركز قوة اقليمي بها. وسلط تقرير برنامج الاممالمتحدة الانمائي عن التنمية البشرية لعام 2010 الضوء على نقاط الضعف في التعليم الجامعي قائلا ان 40 في المئة من المستخدمين يصفون قدرة الخريجين على تطبيق معلوماتهم في العمل بأنها "ضعيفة". وذكر تقرير برنامج الاممالمتحدة الانمائي أن 90 بالمئة على الاقل ممن يعانون من البطالة في مصر دون سن الثلاثين قائلا ان هذه نسبة "مرتفعة بأي مقياس". وأضاف أن الكثير من الشباب لجأوا الى سوق العمل غير الرسمية مما يشير الى عدم التوافق بين التعليم واحتياجات سوق العمل. ومما يدل على أوجه الضعف في النظام أنه لم تكن هناك أي جامعات مصرية في التصنيف الاكاديمي للجامعات العالمية لعام 2010 وهو تصنيف لافضل 500 مؤسسة. وفي الاسواق المنافسة كان لجنوب افريقيا ثلاث وللسعودية اثنتان ولتركيا واحدة. وكانت جامعة القاهرة ضمن اخر خمسة في قائمة عام 2007 لكنها استبعدت من التصنيف في العام التالي ولم تعد له منذ ذلك الحين. وقال سايمون كيتشن الاقتصادي بالمجموعة المالية-هيرميس "اذا قارنا الخريجين الجدد في مصر بنظرائهم لنقل في باكستان سنجد أن المذكورين اخرا متقدمون كثيرا فيما يتعلق بقدراتهم على استخدام التكنولوجيا والتفكير النقدي في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية." وتقدم شركات عالمية كثيرة في مصر الاموال للبرامج التدريبية لتعلم خريجي المدارس مهارات فنية ولغوية تقول هذه الشركات انهم كان يجب أن يتعلموها في الجامعات او تضطر لدفع رواتب أعلى للحصول على الخريجين المؤهلين. وتحاول الحكومة تضييق الهوة ببرنامج تتراوح قيمته بين عشرة و12 مليون دولار أنشأته هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات في عام 2008 لتعليم طلبة الجامعات اللغة الانجليزية وبرامج الكمبيوتر الخاصة بشركة ميكروسوفت ومهارات أخرى. ودرب برنامج (ايديو ايجبت) ثلاثة الاف طالب في عامه الاول ويستهدف تدريب أربعة الاف خريج في العام بحلول عام 2011 وفقا لمعلومات من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات وهي هيئة تابعة لوزارة الاتصالات أنشئت لتشجيع ورعاية صناعة التعهيد في مصر. ومن المقرر أن يحل برنامج أوسع نطاقا محل برنامج (ايديو ايجبت) في غضون بضعة أعوام ويتضمن منهجا تطوره شركة (اي.بي.ام) وشركات أخرى. وتشارك شركتا أوراكل ومايكروسوفت في المساعدة بتطوير برامج التعليم. غير أن مجموعة المتدربين الذين يستفيدون من هذه البرامج صغيرة مقابل مئات الالاف من الخريجين كل عام مما يدفع الغالبية الى التهافت على اللحاق بالركب. (الدولار يساوي 5.072 جنيه مصري)