تظهر المداهمتان اللتان نفذتهما القوات الأمريكية الخاصة كوماندوز لاعتقال عنصرين بارزين في تنظيم القاعدة في دولتين أفريقيتين يوم الخامس من أكتوبر تفضيل واشنطن للعمليات الخاصة الموجهة لأهداف محددة في الأماكن التي يعتقد أن مهمتها ستحظى بفرص نجاح عالية. ورغم أن إدارة أوباما سعت إلى تفادي أو إبعاد نفسها عن أي تهديدات للدخول في صراعات مكلفة وكبيرة مثل العراق وأفغانستان وسوريا، فإنها استثمرت بشكل مكثف في مجال العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب والعمليات الخاصة لتعقب ما تصفها الولاياتالمتحدة بالأهداف الهامة . لكن إلى أي مدى ستكون غارات مثل التي جرت في ليبيا والصومال مطلع الأسبوع الحالي فعالة على المدى البعيد؟ في ليبيا، حقق عناصر الكوماندوز في قوة دلتا التابعة للجيش الأمريكي الهدف الذي تحركت من أجله. انطلقت هذه القوات من قاعدة أمامية في إحدى دول حلف الناتو ونجحت في اعتقال أبو أنس الليبي أحد العناصر الهاربة والموجود على قائمة المراقبة للأمم المتحدة والذي رصدت خمسة ملايين دولار مقابل قتله. وتشتبه واشنطن في أن الليبي ساعد في التخطيط لتفجيرات متزامنة نفذها تنظيم القاعدة ضد السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. وفي تعليق على اعتقاله، قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل يوم الأحد هذه العمليات في ليبيا والصومال تبعث برسالة قوية إلى العالم بأن الولاياتالمتحدة لن تدخر جهدا لمعاقبة الإرهابيين، بغض النظر عن المكان المختبئين فيه أو طول الفترة التي فروا فيها من العدالة . وطلبت الحكومة الليبية علنا توضيحا من الولاياتالمتحدة، لكنها أعربت في الوقت نفسه بأن هذا الأمر لن يقوض علاقاتهما. لم يكن أبو أنس الليبي مقربا من الحكومة الليبية، لكن المواطنين الليبيين يمكنهم أن ينظروا إلى هذه المداهمة الأمريكية باعتبارها انتهاكا مهينا لسيادتها. وتؤكد الولاياتالمتحدة على أن اعتقال الليبي المطلوب منذ فترة طويلة قانوني ، وأن تقديم مثل هذا الرجل الذي يزعم أنه يمثل تهديدا للعدالة سيتمتع بشعبية في الداخل. لكن هذه المداهمة في شمال أفريقيا قد تعزز من عمليات تجنيد عناصر جديدة في جماعات جهادية مناوئة للغرب مثل القاعدة والجماعات التابعة لها. في الصومال فشلت المداهمة التي شنتها قوات خاصة من البحرية الأمريكية وعادت خالية الوفاض. وكان هذا بسبب فشل التقديرات الاستخباراتية في أمرين اثنين، حيث أن زعيم حركة الشباب وهو على الأرجح أحمد جودان، لم يكن في منزله آنذاك، وتبين أن الفيلا الواقعة على جانب الشاطئ والتي كانوا يأملون في العثور عليه فيها كانت محصنة بشكل جيد. وحينما سبحت قوات الكوماندوز إلى الشاطئ تحت غطاء الظلام كانت بشكل حتمي محدودة من حيث الأسلحة التي يمكنها حملها، وكان انسحابها هو الخيار العملي. لكن حينما تشن قوات كوماندوز مدربة بشكل كامل من أقوى جيش في العالم هجوما على ميليشيات بدائية وتضطر للتقهقر، فإن هذا سيستغل كانتصار دعائي من جانب الشباب. وبعد كارثة إسقاط طائرة بلاك هوك في مقديشو عام 1993، ابتعد البنتاغون عن الصومال لسنوات. لكن في الفترة الأخيرة، نفذ البنتاغون عددا من الغارات التي لم يعلن عن أغلبها في الصومال بمباركة الحكومة المدعومة من الأممالمتحدة هناك. وفي بعض الأحيان، تشارك في هذه الغارات طائرات بدون طيار وأحيانا قوات من القوات البحرية الخاصة. ونجحت مداهمة للقوات الخاصة الأمريكية عام 2009 على بلدة باراوي، وهي البلدة ذاتها التي نفذت فيها مداهمة مطلع الأسبوع الحالي، نجحت في تحديد مكان الهدف المقصود وقتله، وهو زعيم القاعدة في الصومال علي صالح النبهان. ستخطط الولاياتالمتحدة بالتأكيد أكثر على هذا النوع للمداهمات التي تنفذها القوات الخاصة، وهي الخطط التي تكتسب إلحاحا نظرا لحجم وأعداد الضحايا الذين سقطوا جراء الهجوم المميت لحركة الشباب في سبتمبر/أيلول الماضي على مركز ويستغيت للتسوق في نيروبي. والرسالة التي تريد واشطن إرسالها بوضوح إلى أعدائها هي سنجدكم وسننال منكم، مهما طال الزمن . لكن بالنسبة لكثيرين في البلدان التي نفذت فيها هذه الغارات، ستكون هناك اتهامات للقوى العظمى في العالم باستغلال نفوذها واتخاذ إجراءات خارج نطاق القانون لتحقيق أهدافها الخاصة.