القدس (رويترز) - عندما عاد المزراعون الإسرائيليون إلى مزارعهم بعد يوم من امتداد معارك الحرب الأهلية السورية إلى معبر تشرف عليه الأممالمتحدة كانت الحرائق الناجمة عن سقوط قذائف مورتر طائشة ما زالت مشتعلة في مرتفعات الجولان يوم الجمعة. وبمجرد انقشاع دخان الحرائق قد تجد إسرائيل نفسها أمام مشكلة جديدة ناجمة عن التهديدات التي تحدق بها في جبهتها الشمالية. وتمكنت قوات الرئيس السوري بشار الأسد يوم الخميس من هزيمة مقاتلي المعارضة الذين سيطروا على معبر القنيطرة في مرتفعات الجولان وردتهم على أعقابهم. وأجبرت هذه المعارك جنود قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على العودة الى مخابئهم ودفعت النمسا إلى إعلان عزمها سحب جنودها من هناك. وتخشى إسرائيل حاليا أن تكون قوة الأممالمتحدة لمراقبة فض الاشتباك على شفا الانهيار وهو سيناريو قد يزيد من حدة التوتر على خط وقف إطلاق النار مع سوريا بعد أن خيم الهدوء على هذه المنطقة عدة عقود. وكان الملل هو أكبر عدو تواجهه قوات حفظ السلام التي تشكلت بموجب اتفاقية فض الاشتباك عام 1974 بعد أن خاضت إسرائيل وسوريا حربا ثانية في الجولان. غير أن وجود هذه القوات كانت له دلالة رمزية كبيرة تتمثل في إبقاء الوضع على ما هو عليه مما جنب الطرفين أي مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة. وعقد الجانبان آخر محادثات سلام بينهما قبل 13 عاما. وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي طلب عدم ذكر اسمه "بدون النمساويين لن يكون هناك وجود لقوة الأممالمتحدة لمراقبة فض الاشتباك. فقد كانوا القوة الأساسية... وسيكون من الصعب للغاية إيجاد بديل." وذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف الأسد يوم الجمعة أنه مستعد لإرسال قوات تحل محل جنود النمسا. ويساور إسرائيل قلق بالغ من تصاعد القتال بين قوات الأسد وخصومه في المناطق الخاضعة للسيطرة السورية بالجولان وبدأت في الأشهر الأخيرة تعديل طريقة انتشارها على طول الجبهة. وأحيانا ما يمتد القصف إلى الأراضي التي يحتلها الإسرائيليون. وأعاد الجيش الإسرائيلي استخدام مواقع عسكرية مهجورة في الجولان وأرسل قوات نظامية لتحل محل جنود الاحتياط. وأشار قادة إسرائيليون إلى أن المقاتلين الجهاديين الذين يحاربون قوات الأسد في الوقت الحالي قد يشكلون تهديدا لعملية السلام في المستقبل. وشنت إسرائيل غارات جوية على سوريا للحيلولة دون نقل أسلحة إلى عدوها اللدود حزب الله اللبناني الذي يساند الأسد في الصراع السوري. ورغم ذلك لم تبد إسرائيل استعدادها للتدخل في الحرب الأهلية السورية وتجنبت مساندة أحد طرفي الحرب. وأحجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الدعوة إلى إنهاء حكم الأسد على عكس حلفائه الغربيين الذين دعوا لرحيله. ولا شك أن كل ما يضر الأسد يمثل أخبارا سارة لإسرائيل التي تعتبره محور الارتكاز لشبكة من الأعداء تجمع بين إيران وحزب الله وحركة حماس التي تدير قطاع غزة. وقال عاموس يادلين رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "ما يحدث في سوريا من وجهة النظر الإسرائيلية هو تطور إيجابي كبير لإسرائيل. فمحور التطرف هذا ينهار الآن." ولكن لا يغيب عن ذهن إسرائيل أيضا أن عدو عدوها ليس بالضرورة أن يكون صديقها. وقال عوزي رابي رئيس مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط "لن يكون النصر التام لأحد الجانبين هو الوضع الأمثل... فالوضع الحالي مثالي لإسرائيل نوعا ما... والأرجح أن يستمر لشهور إن لم يكن لسنوات." وفي الجولان أخمد رجال الإطفاء الإسرائيليون النيران الناجمة عن القتال الذي دار الخميس. وبينما كان دوي إطلاق النار في سوريا يتردد صداه أحيانا على مسافات بعيدة توجه المزارعون الإسرائيليون والدروز إلى بساتينهم. وراقب المستوطنون الإسرائيليون الوضع عبر المناظير المكبرة وشاهدوا آثار القصف على الجانب السوري وسحب الدخان الناجمة عنه. وعلى جانب طريق جلس جنديان إسرائيليان أحدهما مسلح بصاروخ مضاد للدبابات وأخذا ينظران باتجاه سوريا. وشنت إسرائيل ثلاث غارات على الأقل على سوريا في الأشهر القليلة الماضية حيث استهدف كل هجوم ما تعتقد أنها أسلحة موجهة إلى حزب الله الذي هدد أمينه العام حسن نصر الله بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الجولان. وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن أقوال نصر الله تبدو مدعومة بأفعال. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "يبدو أن حزب الله يغزو الجزء الخاضع لسيطرة سوريا (في الجولان). وهذا يتماشى مع ما توعد به نصر الله على ما يبدو. صحيح أنه لا توجد قوات برية من حزب الله هناك حتى الآن ولكن يجري بناء البنية الأساسية." وتابع أن حزب الله يمكنه تحقيق الكثير من المكاسب بقتاله بجانب حليفه الأسد قائلا إن الجماعة اللبنانية تعمل بناء على تأكيدات بأن الأسد سيكافئها بتزويدها بالسلاح. وربما عزز حزب الله موقفه بالنصر الذي حققه هو وقوات الأسد على مقاتلي المعارضة في المعركة التي دارت بمدينة القصير السورية في الأسابيع القليلة الماضية وتابعتها إسرائيل عن كثب. وقال المسؤول الإسرائيلي "ندرك أن القصير كانت عملية لحزب الله في الأساس بدءا من التخطيط إلى التعامل مع أنظمة الأسلحة الرئيسية." وأضاف "كانت أطقم حزب الله تعمل ايضا على تشغيل دبابات تي-55 وتي-54 السورية هناك إلى جانب جميع أنظمة المدفعية المهمة." غير أن تدخل حزب الله في سوريا قد يكون له أثر إيجابي على إسرائيل. فيقول مسوؤل إسرائيلي آخر إن تقديرات المخابرات الإسرائيلية تشير إلى مقتل ما يصل إلى 500 مقاتل من حزب الله في سوريا. وتزيد هذه التقديرات عن غيرها فيما لم يذكر حزب الله نفسه عدد قتلاه الذين سقطوا في سوريا. وقال رابي إن حزب الله الذي خاض حربا مع إسرائيل في عام 2006 يخسر ما هو أكثر من مجرد رجاله في معاركه مع الأسد. وأضاف "يخسر حزب الله شرعيته ومكانته. فبعد حرب لبنان عام 2006 حظي حزب الله بإشادة في العالم العربي والإسلامي لخوضه القتال ضد إسرائيل. ولكن بدخوله سوريا جعل من نفسه هدفا للسنة في لبنان وفي العالم بأسره." (إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)