أرجأ المجلس التأسيسي التونسي (البرلمان) الى الاربعاء التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة علي العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس التي تواجه منذ اشهر ازمة سياسية خانقة اججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد. وكان من المقرر ان يصوت المجلس خلال الجلسة العامة التي عقدها الثلاثاء على منح الثقة للحكومة الجديدة. وقدم العريض في خطاب القاه امام نواب المجلس برنامج عمل حكومته الذي تعهد فيه باعادة الامن الى تونس ومحاربة غلاء المعيشة و"النهوض بالاقتصاد والتشغيل" في البلاد. وقال العريض ان الحكومة ستركز على تحقيق "اربع اولويات" هي "توضيح الرؤية السياسية وتهيئة الظروف لاجراء الانتخابات (العامة) في افضل الظروف واسرع الاوقات (..)، وبسط الامن ومقاومة الجريمة والانحراف والعنف مهما كان نوعه ولونه، ومواصلة النهوض بالاقتصاد والتشغيل ومواصلة مقاومة ارتفاع الاسعار (..) ومواصلة الاصلاح". وتابع ان الحكومة تستهدف احداث 90 الف فرصة عمل جديدة بينها 23 الفا في القطاع العام، خلال ما تبقى من سنة 2013. واوضح ان حكومته ستعمل، بعد نيل ثقة البرلمان، "لمرحلة قصيرة، لتسعة اشهر تقريبا لاننا عازمون (..) على ان ينتهي عملها مع نهاية العام الجاري على اقصى تقدير"، وان اعضاءها "سيلتزمون بخدمة اهداف الثورة" التي اطاحت مطلع 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وذكر بان وزارات السيادة في حكومته، الدفاع والداخلية والعدل والخارجية، اسندت الى شخصيات محايدة ومستقلة. واوضح ان بلاده تواجه "مخاطر امنية سواء من داخلها او من خارجها". ولفت الى ان "بسط الامن والاستقرار شرطان اساسيان لحماية الحقوق والحريات ودعم مناخات الاستثمار". وقال "سنجتهد لفرض القانون وفرض هيبة الدولة ضد كل الانتهاكات مهما كانت" وفي "ملاحقة مرتكبي كل اشكال العنف المادي واللفظي". وفي 19 شباط/فبراير الماضي، استقال حمادي الجبالي الامين العام لحركة النهضة من رئاسة الحكومة احتجاجا على رفض حزبه مقترحا بتشكيل حكومة غير حزبية لاخراج البلاد من ازمة سياسية اججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في السادس من الشهر نفسه. وفي سياق متصل نفى علي العريض وهو وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة، خلال خطابه امام نواب البرلمان صحة تقارير صحافية تحدثت عن اعتقال الجزائر لقاتل شكري بلعيد وتسليمه الى تونس. وقال "لا صحة لما تم تداوله من ان القاتل قد وقع القبض عليه لا في تونس ولا في الجزائر ووزير الداخلية الجزائري اكد (له) بنفسه انهم لم يمسكوا شخصا ولم يسلموا شخصا" في اشارة الى قاتل بلعيد. والاحد اوردت جريدة الشروق التونسية ان القاتل الذي يدعى كمال القضقاضي هرب الى الجزائر التي سلمته الاسبوع الماضي الى تونس. وقالت الصحيفة ان القاتل ادلى عند اعتقاله بتصريحات "خطيرة من شأنها ان تورط بعض (..) ساسة البلاد" وانه قد تتم "تصفيته" لدفن سر عملية الاغتيال معه. وصباح الثلاثاء أضرم شاب عاطل عن العمل النار في نفسه في قلب العاصمة تونس مثلما فعل البائع المتجول محمد البوعزيزي مفجر الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وسكب عادل الخذري (27 عاما) الوقود على نفسه واضرم في جسمه النار امام مقر المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة في حادثة هي الاولى من نوعها بهذا الشارع الذي يعتبر رمزا للثورة التونسية. وقال شهود عيان لمراسلة فرانس برس ان الشاب صرخ بصوت عال قبل ان يضرم النار في نفسه قائلا "هذا هو الشباب الذي يبيع السجائر، هذا ما تفعله البطالة (..) الله اكبر". وقال منجي القاضي الناطق الرسمي باسم جهاز الحماية المدنية (الدفاع المدني) لفرانس برس ان الشاب الذي نقل الى مستشفى الحروق البليغة بولاية بن عروس (جنوب العاصمة) "اصيب بحروق من الدرجة الثالثة على مستوى الظهر وخلف الراس" وانه "لا خطر في الوقت الحالي على حياته، لكنه سيبقى تحت المراقبة الطبية في المستشفى". واوضح ان الشاب المنحدر من منطقة سوق الجمعة من ولاية جندوبة (شمال غرب) كان يعاني من الاحباط بسبب وفاة والده منذ اربع سنوات والحالة المادية "المتعبة" لعائلته اي امه واشقائه الثلاثة. ونقلت وكالة الانباء التونسية عن شهود ان الشاب يعمل بائعا للسجائر في سوق المنصف الباي (وسط العاصمة) وانه "تمت مضايقته في المدة الاخيرة من قبل أعوان الشرطة الذين يقومون بحملة ضد الباعة المتجولين وباعة السجائر". واعلنت اذاعة "كلمة" الخاصة نقلا عن خال الشاب ان الاخير يعاني من مرض في المعدة وانه طلب منذ اكثر من عام من السلطات تمكينه من بطاقة علاج مجاني (تسند للفقراء) لتلقي العلاج في مستشفى حكومي الا انه لا يزال ينتظر الرد. واضاف ان الشاب يعمل بائعا للسجائر وقرر التوجه الثلاثاء الى وزارة الداخلية بهدف ايجاد حل لمشكلته. وكانت شراراة الثورة التونسية انطلقت عندما اضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي (26 عاما) النار في نفسه يوم 17 كانون الاول/ديسمبر 2011 بمركز ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الفاكهة والخضار التي كان يعيش منها. ولا تزال معدلات البطالة والفقر في تونس مرتفعة بسبب تدهور الاوضاع الاقتصادية.