نيويورك (رويترز) - قد يحصل الاقتصاد الأمريكي المتباطيء على حافز إذا نجح الرئيس باراك أوباما ومجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في ما قد يعد أكبر إصلاح لنظام الهجرة في البلاد منذ الثمانينيات. ويرى اقتصاديون أن تسهيل قواعد الهجرة قد يشجع رواد الأعمال ويزيد الطلب على الإسكان ويعزز إيرادات الضرائب ويساعد في تقليص عجز الموازنة. وعبر تمكين مزيد من المهاجرين من دخول البلاد بصورة شرعية وتقنين أوضاع كثير من المقيمين غير الشرعيين قد تستطيع الولاياتالمتحدة التغلب على تراجع أعداد المواليد مما يجعلها في وضع سكاني أفضل من أوروبا واليابان والصين التي تعاني من تقدم أعمار السكان. ويقول اليكس ناورسته المتخصص في الهجرة في معهد كاتو إن "العديد من الصناعات في الولاياتالمتحدة لا تجد العاملين الذين تحتاجهم للوفاء بالطلبيات وزيادة الإنتاج وفقا لطلب السوق بالرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي." ويتشكل إجماع بين الاقتصاديين على أن للهجرة منفعة. فهي تعزز الطلب والإنتاجية وتحفز الإبداع وتخفض الأسعار. لكن هناك توافقا محدودا حول أثر الهجرة على النمو الاقتصادي عموما. وقال البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما ينوي إطلاق جهوده لإصلاح نظام الهجرة في ولايته الثانية خلال زيارة إلى نيفادا يوم الثلاثاء وإنه سيولي مسألة الحصول على موافقة الكونجرس على حزمة إصلاحات هذا العام أولوية متقدمة. وزادت فرص إدخال إصلاحات رئيسية على نظام الهجرة أمس الاثنين حين وافقت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ ينتمون إلى الحزبين على مقترح قد يمنح 11 مليون مهاجر غير شرعي فرصة الحصول على الجنسية الأمريكية. وستضم مقترحات المشرعين آلية لاستبقاء وجذب العمالة التي لها خلفيات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وسوف تستهدف الآلية الأجانب في مراحل الدراسات المتقدمة بالجامعات الأمريكية والمتخصصين في التكنولوجيا المتقدمة بالخارج. وذكر ناورسته أن نحو 40 في المئة من إجمالي العلماء بالولاياتالمتحدة مهاجرون وأن الدراسات تقول إن المهاجرين أكثر رغبة في تأسيس الشركات الجديدة. ويرى راؤول هينوجوسا اوجيدا المتخصص في سياسات الهجرة بجامعة كاليفورنيا في لوس انجليس أن تشجيع الهجرة الشرعية وتقنين أوضاع المقيمين قد يضيف 1.5 تريليون دولار للاقتصاد الأمريكي خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا يعني زيادة سنوية قدرها 0.8 نقطة مئوية لمعدل النمو الأمريكي والذي يبلغ اثنين في المئة تقريبا الآن. لكن اقتصاديين آخرين اعتبروا أن الفوائد المحتملة لذلك على النمو الاقتصادي أقل بكثير. فيقول ريتشارد فريمان الاقتصادي بجامعة هارفارد إن معظم المنافع التي تعود على الاقتصاد من المهاجرين المقيمين بشكل غير شرعي في الولاياتالمتحدة مسجلة بالفعل وإن تقنين أوضاعهم من شأنه أن يضيف إليها فقط. وبالرغم من وجود معارضة للإصلاح على جانبي الطيف السياسي الأمريكي وإمكانية فشل أي تشريع مثير للجدل في واشنطن التي تعاني انقسامات في وجهات النظر تلوح فرص متزايدة لإحداث تغيير جوهري. ولا يخفي جمهوريون بارزون مثل بوبي جيندال حاكم لويزيانا حاجة الحزب إلى مغازلة ذوي الأصول اللاتينية والأجنبية الذين أبعدهم الخطاب الحاد للمرشح الجمهوري ميت رومني في حملته الرئاسية العام الماضي. وشملت خطة سابقة للرئيس أوباما أعلنت في مايو ايار 2011 وضع برنامج لاستقدام عمالة مؤقتة تلبي احتياجات القطاع الزراعي. ومن المتوقع أن يشمل مقترح أوباما الجديد برنامجا مشابها لذلك. وقال أعضاء مجلس الشيوخ إنهم سيدعمون برنامجا محدود النطاق يتيح للشركات في قطاعات معينة استقدام العمالة الأجنبية إذا لم يتوافر مواطنون لشغل هذه الوظائف. وقد يحصل النمو الاقتصادي على حافز إضافي برفع أجور العمال بعد تقنين أوضاعهم وزيادة الإنتاجية عن طريق استقدام مزيد من العمالة المدربة من الخارج. ومن شأن زيادة حصيلة الضرائب أن تساعد الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات على سد عجز الموازنة غير أن الإيرادات الحكومية قد لا تزيد كثيرا لأن الحكومة ستقدم مدفوعات لأولئك الذين يكتسبون وضعا قانونيا. وفي عام 2007 قدر مكتب الميزانية التابع للكونجرس أن إصلاح منظومة الهجرة المقترح آنذاك سيحقق إيرادات قدرها 48 مليار دولار بين عامي 2008 و2017 ويكلف البلاد 23 مليار دولار في صورة خدمات صحية ورعاية اجتماعية. ومن غير المرجح أن تؤدي الخطة المقترحة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى خفض التكاليف الأمنية إذ أنهم يريدون تعزيز إجراءات تأمين الحدود لمنع تدفق مزيد من المهاجرين غير الشرعيين وملاحقة أولئك الذين يقيمون في البلاد بعد انتهاء تأشيراتهم. وقال تقرير شارك في إعداده جيوفاني بيري الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا ديفيس إن من الوسائل الممكنة لزيادة الإيرادات وضع نظام لتداول التأشيرات من المتوقع أن يدر ما يصل إلى 1.2 مليار دولار سنويا. ووفقا للنظام المقترح تطرح الحكومة عددا معينا من التأشيرات في مزاد ويتاح لأصحاب الشركات تداولها في سوق ثانوية. ووفقا لمسودة تقرير سينشر قريبا ضمن دراسة لمركز هاملتون بروجكت فإن "وضع نظام للهجرة أكثر كفاءة وشفافية ومرونة يساعد الشركات على التوسع وخلق مزيد من فرص العمل بالولاياتالمتحدة وخفض وتيرة نقل العمليات للخارج." وليس هناك إشارة حتى الآن على أن برنامج أوباما أو خطة أعضاء مجلس الشيوخ سوف تتضمن مثل هذا النظام. ويتعلق موضوع الهجرة في المدى البعيد بالبعد السكاني. وترى كثير من الدول المتقدمة سكانها يدخلون مرحلة الشيخوخة مما يزيد أعباء وتكاليف التقاعد والرعاية الصحية على القوة العاملة. ويقول جورج ماجنوس المستشار الاقتصادي في بنك يو.بي.اس في لندن إن الولاياتالمتحدة تحتاج إلى مضاعفة معدل الهجرة إلى مثليه للحفاظ على استقرار نسبة القوة العاملة إلى إجمالي السكان عند 67 في المئة كما هي الآن. وقال ماجنوس إن تغييرا بهذا الحجم قد تكون له حساسيات سياسية شديدة لكنه رأى وجوب التركيز على جذب المؤهلين تأهيلا عاليا ورواد الأعمال على غرار كندا واستراليا. وأضاف "المطلوب نقل التركيز إلى جانب التعليم والمهارات." ويرى أكاديميون بجامعات كبرى مثل هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن كثيرا من أفضل الخريجين الأجانب من هذه الجامعات يعودون لأوطانهم لصعوبة الحصول على إذن بالإقامة. ويقول وليام كير الأستاذ بكلية إدارة الأعمال في هارفارد "لدينا أعداد كبيرة من المواهب في جامعاتنا هنا... لكني لا أتصور كيف أننا نجعل بقاءهم في غاية الصعوبة." وجرت آخر حركة تقنين لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين في الولاياتالمتحدة سنة 1986 حين وافق الرئيس رونالد ريجان على تقنين أوضاع نحو ثلاثة ملايين مهاجر. وأوضحت عدة دراسات أن أجورهم زادت بشكل كبير فيما بعد. وتعد الأبحاث حول أثر الهجرة على إجمالي الأجور غير قاطعة. ويقول جورج بورجاس من جامعة هارفارد إن الهجرة أدت إلى انخفاض محدود في إجمالي أجور المواطنين المولودين بالولاياتالمتحدة وهذا تركز في أوساط العمالة منخفضة التأهيل. لكن جيوفاني بيري من جامعة كاليفورنيا ديفيس وجد أن الهجرة تعزز أجور المواطنين الأصليين في المدى البعيد. وشدد هينوجوسا اوجيدا على أن أي إصلاح يجب أن ييسر دخول العمالة المؤقتة لتجنب تزايد أعداد العمال غير الشرعيين مجددا. وقال "ما لم نضع آلية لاستقدام ما بين 300 و400 ألف عامل جديد سنويا إلى مجموعة من أسواق العمل ولتلبية احتياجات متنوعة قد نكون أمام تكرار لنفس التجربة." ويرى ناورسته من معهد كاتو أن من شأن وضع برنامج واسع النطاق للعمالة الوافدة المؤقتة أن يقضي على الهجرة غير الشرعية ويسمح للقطاعات الصناعية بالتغلب على النقص في القوى العاملة. واعتبر ناورسته أن وضع تشريعات أكثر تشددا في السنوات الأخيرة في ولاية أريزونا أثر سلبا على الإنتاج الزراعي وزاد الأعباء المالية على الشركات وأثر على سوق العقارات المأزومة بالولاية. واصطدمت شركات كبيرة بهذه التشريعات المتشددة في حيز التطبيق. وسرحت مجموعة مطاعم شيبوتل مكسيكان جريل نحو 500 عامل خلال 2010 و2011 بعد اكتشاف عمالة غير شرعية على لائحة أجورها. ومما أخاف أصحاب أعمال آخرين خضوع الشركة الآن لتحقيق جنائي على المستوى الاتحادي لهذا السبب. وقال كريس ارنولد المتحدث باسم سلسلة المطاعم "النظام الحالي لا يبدو مناسبا لأحد." (إعداد أحمد لطفي للنشرة العربية - تحرير عبد المنعم هيكل)