يدرك رئيس الوزراء الياباني القادم شينزو آبي أن الفوز الساحق الذي حققه حزبه في الانتخابات لا يعني التفويض المطلق الذي يبدو للوهلة الأولى. وتحليل الانتخابات وتصريحات آبي يظهر أن أكثر ما يمكن أن يفيده هو التركيز على ما يهم معظم الناخبين - وهو الاقتصاد - وتجنب قضايا مثيرة للخلاف مثل تعديل دستور اليابان السلمي. ويمكن لأي خطوات عدائية تتخذها الصين بسبب خلاف على جزر صغيرة في بحر الصين الشرقي أن تزيد من تأييد موقف آبي الصارم تجاه بكين. وبعد مرور ثلاثة أعوام على هزيمة نكراء مني بها الحزب الديمقراطي الحر الذي يتزعمه آبي عاد الحزب إلى السلطة بعد حصوله على 294 مقعدا في انتخابات مجلس النواب الذي يضم 480 مقعدا والتي أجريت يوم الأحد. وحصل الحزب الديمقراطي الحر مع حليفه الصغير حزب كوميتو الجديد على أغلبية الثلثين وهي "أغلبية ساحقة" يمكن أن تساعد على كسر الجمود السياسي المتواصل في البرلمان. وفي المقابل لم يحصد الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان سوى 57 مقعدا وهو أقل من خمس عدد المقاعد التي فاز بها عندما تولى السلطة للمرة الأولى في انتخابات تاريخية أجريت عام 2009. ورغم ذلك أقر آبي نفسه بأن فوز حزبه هو أقرب إلى رفض الحكم الفوضوي الذي مارسه الديمقراطيون حديثي العهد بالسياسة من كونه تصويتا بالثقة للحزب الديمقراطي الحر الذي حكم اليابان معظم الأعوام الخمسين المنصرمة قبل الإطاحة به منذ ثلاثة أعوام. وقال آبي في مؤتمر صحفي يوم الاثنين "فوزنا هذه المرة لا يعني استعادة الثقة بالكامل في الحزب الديمقراطي الحر. بل كان قرارا من الشعب بضرورة إنهاء حالة الجمود والارتباك السياسي التي استمرت على مدى الأعوام الثلاثة المنصرمة وتسببت فيها القيادة السياسية للحزب الديمقراطي التي ضلت الطريق." وأضاف "يجب أن نمضي قدما ونحقق نتائج." وتبدل شعور الناخبين اليابانيين خلال العقد المنصرم بين الأمل والإحباط منذ تولي الزعيم جونيتشيرو كويزومي السلطة في عام 2001 متعهدا بتنفيذ إصلاحات جريئة. ومنح الناخبون الذين أغوتهم وعود كويزومي فوزا كبيرا للحزب الديمقراطي الحر في عام 2005 قبل أن يطيح الناخبون بالحزب الذي حكم البلاد لفترة طويلة بعد أربعة أعوام أملا في أداء أفضل من جانب الحزب الديمقراطي. وفي علامة على تضاؤل الحماس والآمال انخفض معدل إقبال الناخبين يوم الأحد إلى أدنى مستوى له وهو 59 بالمئة بحسب تقديرات وكالة كيودو للأنباء. ولم يحصل الحزب الديمقراطي الحر على أغلبية أصوات الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات. فقد فاز حزب المعارضة الرئيسي بنحو 43 بالمئة من الأصوات في الدوائر الانتخابية التي يمثلها مقعد واحد في المجلس وعددها 300 دائرة غير أن نظام الفوز بأكثرية الأصوات وتفتت الأصوات بين مجموعة من الأحزاب الصغيرة الجديدة أدى إلى فوز الحزب بنسبة 79 بالمئة من تلك المقاعد. وفي دوائر التمثيل النسبي المخصص لها المقاعد المتبقية وعددها 180 مقعدا فاز الحزب الديمقراطي الحر بنحو 28 بالمئة من الأصوات مقابل 16 بالمئة حصدها الحزب الديمقراطي بينما حصل حزب التجديد الياباني على 20 بالمئة وفقا لتقديرات وسائل إعلام. وقال كويتشي ناكانو أستاذ العلوم السياسية بجامعة صوفيا "من الواضح أن 30 بالمئة فقط أو أقل من الناخبين يدعمون الحزب الديمقراطي الحر بقوة. وإن لم يتوخ آبي الحذر فإن شعبية حكومته ستتراجع إلى هذا المستوى سريعا وسيقع في ورطة حتى مع الفوز بأغلبية الثلثين." وسيتعين على آبي الذي ترك منصبه عام 2007 بعد عام زاخر بالمشكلات في السلطة أن يسارع بإقناع الناخبين بأن اختيارهم كان صائبا قبل انتخابات مجلس المستشارين المقررة في يوليو تموز. ورغم أن "الأغلبية الساحقة" التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي الحر مع حزب كوميتو الجديد ستسمح لمجلس النواب بتنفيذ مشروعات القوانين التي يرفضها مجلس الشيوخ إلا أن هذه العملية صعبة وتستغرق وقتا طويلا ومن ثم فإن الحكومة الجديدة ستحرص على الفوز بأغلبية في انتخابات يوليو. وقال جيف كينجستون مدير الدراسات الآسيوية بجامعة تيمبل اليابانية "إنه يستعد للانتخابات المقبلة ويدرك أن ما يقوم به في الأشهر القليلة الأولى سيكون له تأثير كبير وأن أكثر ما يهم الناخبين هو الاقتصاد." وتعهد آبي بإنقاذ اليابان من رابع حالة ركود تشهدها منذ عام 2000 ووضع حد للانكماش وكبح جماح الين القوي من خلال سياسة تدعو إلى تيسير نقدي "غير محدود" وإنفاق كبير على الأشغال العامة. ورغم ذلك تضم القضايا المحورية المدرجة في برنامج آبي السعي وراء الحد من القيود التي يفرضها المبدأ السلمي الذي تبنته اليابان بعد الحرب من خلال مراجعة الدستور الذي صاغته الولاياتالمتحدة وإعادة كتابة تاريخ البلاد إبان الحرب. ويتطلب تعديل الدستور - الذي لم يتم تعديله منذ تبنيه في عام 1947 - موافقة ثلثي مجلسي البرلمان وأغلبية المشاركين في الاستفتاء على التعديلات. وتشير استطلاعات لآراء الناخبين إلى أن الاقتصاد يتصدر قائمة الأولويات العامة فيما لا يحبذ حزب كوميتو الجديد حليف الحزب الديمقراطي الحر تعديل المادة التاسعة الخاصة بالسلام في الدستور. غير أن الأداء القوي لحزب التجديد القومي في الانتخابات يشير أيضا إلى زيادة الدعم لتبني موقف صارم تجاه الصين وانتعاش الآمال في زعيم حازم يعيد لليابان هيبتها. وقد يزيد هذا الدعم في حال كثفت بكين أنشطتها في المياه والمجال الجوي بالقرب من الجزر المتنازع عليها والتي تعرف في اليابان باسم سينكاكو بينما تطلق عليها الصين اسم دياويو. وكانت طائرة تابعة للحكومة الصينية دخلت الأسبوع الماضي إلى ما تعتبره اليابان مجالها الجوي فوق الجزر محل النزاع في بحر الصين الشرقي مما دفع إلى إرسال مقاتلات يابانية وأدى إلى تصاعد حدة التوتر في الخلاف بين أكبر اقتصادين في آسيا. من ليندا سيج إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي