لندن (رويترز) - استعاد الجيش السوري السيطرة سريعا على أجزاء في العاصمة دمشق استولى عليها مقاتلو المعارضة في وقت سابق الشهر الماضي لكن من غير المرجح تكرار ذلك في مدينة حلب حيث خطوط الامداد المفتوحة والشوارع الضيقة التي تصعب مهاجمتها وحيث لا تتوافر للقوات الحكومية عناصر النخبة الأمر الذي يجعل خيارات القادة العسكريين محدودة. ويقول محللون ان من المرجح ان يكون الصراع في الاجزاء التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة في حلب أطول من المعارك التي شهدتها العاصمة مما يؤدي الى اراقة المزيد من الدماء وإصابة حلب -كبرى المدن السورية- بدمار كبير ودفع المزيد من سكانها إلى النزوح. ومن بين الاسباب التي ربما حالت دون ترجمة التفوق الكبير للجيش إلى نصر سريع الشوارع الضيقة والأزقة التي توفر الغطاء لمقاتلي الجيش السوري الحر في وسط حلب. وادت التعقيدات الجغرافية للمدينة ذات الاهمية الحيوية للاقتصاد السوري ولبقاء الرئيس بشار الاسد إلى صعوبة استخدام الجيش السوري لكامل قوته العسكرية. وقال نيكولاس فان دام المؤرخ الالماني للسياسة السورية والدبلوماسي السابق "قد يؤدي ذلك إلى تدمير كثير من المدينة ومن شأن ذلك ان يقوض دعم السكان للنظام." وقال "النظام سيحتاج إلى مزيد من الوقت للتخطيط. الجيش ليس مدربا جيدا على حروب المدن ... من الأسهل ان يخترق مئة رجل مسلحين من الجيش السوري الحر المدينة ويلعبوا لعبة حرب العصابات عن ان يقضي عليهم النظام." ولم تستغرق القوات السورية سوى بضعة ايام لتطرد المعارضة المسلحة من دمشق بعد ان سيطر مقاتلو المعارضة على مناطق فيها بعد تفجير 18 يوليو تموز الذي اسفر عن مقتل اربعة من كبار قادة الاسد الامنيين ومن بينهم صهره آصف شوكت. ورغم ان من الممكن ان يبدأ الهجوم على حلب في اي لحظة إلا ان كثيرين لا يعتقدون ان ما شهدته دمشق قد يتكرر في حلب. وقال بول روجرز استاذ دراسات السلام في جامعة برادفورد البريطانية "يبدو ان المتمردين كانوا قد انتشروا بشكل اكثر من اللازم في دمشق وانهم كانوا يتوقعون انجازا اكبر من الذي حققوه بالفعل وانتهى الامر بهم إلى الهزيمة على الرغم من التفجير." "لكن في حلب قوات النظام هي المنتشرة بشكل اكثر مما تحتمل. القوات الخاصة للنظام ستظل دائما مركزة في دمشق وبينما يجب علينا ان نظل حذرين بشأن هذه الاحكام يبدو ان حلب كما هي ستكون اكثر صعوبة بالنسبة للاسد." وقصفت القوات الحكومية يوم الخميس منطقة صلاح الدين الاستراتيجية في حلب بنيران الدبابات والمدفعية بينما حاول مقاتلو المعارضة تعزيز سيطرتهم على المناطق التي سيطروا عليها. ويعتقد بعض الخبراء ان هذا القصف سيكون تكتيكا مفضلا لدى القوات الحكومية خلال الايام القادمة بدلا من محاولة مستمرة لاقتحام الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة بما يتضمن قتال شوارع. وقال خبير في الشأن السوري في اكسكلوسيف اناليسيز -المركز الاستشاري للمخاطر في لندن- ان الجيش لا يملك ما يكفي من القوات لحصار حلب وعزل المعارضة المسلحة فيها مشيرا إلى ان الجيش فشل في حصار حمص وهي مدينة في نصف حجم حلب. وقال الخبير الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع "القوات الحكومية التي تفتقر إلى ما يكفي من القوات البرية كي تستعيد السيطرة على المدينة ستلجأ على الارجح لاستخدام القوة الكاسحة بما في ذلك المدفعية والطائرات وطائرات الهليكوبتر والدبابات ضد المناطق التي يتمركز بها المتمردون. "هذه العوامل من شأنها على الارجح ان تؤدي إلى دمار واسع في الاحياء السنية في حلب." وقال الخبير ان قوات المعارضة في حلب ستواجه ضغطا شديدا لمنع قوات الاسد التي تدعمها الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر من اختراق الاحياء في هجوم شامل. لكن المعارضة المسلحة تسيطر الان على خط امداد مفتوح من تركيا وهو ما يسمح لها باعادة التعبئة والتزود بالمؤن. وقال الخبير "وهكذا فحتى لو كان المعارضون غير قادرين على الاحتفاظ بأحياء في مواجهة القوات الحكومية فهم على الارجح قادرون على اعادة الانتشار في الاحياء واستئناف انشطتهم." وقال كمال ايهم من مؤسسة اوراسيا جروب الاستشارية ان الجيش السوري يتبع "نهجا اكثر اختلافا" في حلب يهدف إلى الحد من التأثير على المدنيين في مدينة معروفة إلى حد ما بتأييدها التقليدي للحكومة. واضاف "الاهم من ذلك ان القوات المتمردة اصبحت اكثر قدرة وصار بامكانها التسبب في خسائر لقوات النظام... لكنني اتوقع ان يستعيد النظام السوري المدينة خلال الايام العشرة القادمة." ويعتقد آخرون ان القتال قد يستمر مدة اطول. وقال فان دام ان التسجيل المصور الذي ظهر هذا الاسبوع والذي عرض فيما يبدو عملية اعدام نفذها مقاتلو المعارضة لرجال ميلشيات موالين للاسد "من الممكن ان يزيد من تقويض الروح المعنوية" للافراد الذين يعملون مخبرين للحكومة وفي الشرطة السرية. وقال "لا بد ان قوتهم وغطرستهم قد تلقت ضربة قوية." بينما قال شاشانك جوشي الباحث في مركز رويال يونايتد سيرفيسيز البريطاني للابحاث العسكرية ان قوات المعارضة المسلحة اصبحت فيما يبدو اكثر فاعلية في اعاقة حركة القوات الحكومية في شمال سوريا باستخدام القنابل محلية الصنع والأكمنة. وقال "هذا له نتيجة خطيرة على مدرعات النظام اكثر مما هو الحال في محيط دمشق." وقال الخبير في اكسكلوسيف اناليسيز ان مراقبة الشبكات الاجتماعية على الانترنت تشير إلى ان القوات الحكومية التي انتشرت في حلب خلال الايام القليلة الماضية تملك معدات اقل كفاءة من الوحدات التي شاركت في عمليات اخرى مهمة لتثبيت قبضة الاسد على السلطة. وعلى سبيل المثال نشرت دبابات تي-55 التي تعود للحقبة السوفيتية بدلا من الدبابات تي-72 الاكثر تطورا. وقال "نعتقد ان هذا يعني ان وحدات الجيش العادية التي تتشكل من جنود سنة هي التي تستخدم بدلا من التشكيلات الاكثر ولاء (مثل الحرس الجمهوري او الفرقة الرابعة) ذات التسليح الافضل. "اذا صح ذلك فهو يشير الى ان الوحدات المدرعة التي تم نشرها في حلب ومحيطها تكون اقرب إلى الانشقاق من القوات التي استخدمت في استعادة السيطرة على حمص ودمشق." (إعداد ابراهيم الجارحي للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)