ظل محمد الشهري يحلم على مدى 20 عاما بأن يترك منزله الصغير ذو الطابق الواحد الذي يستأجره في العاصمة السعودية الرياض والذي لا تزيد مساحته على 300 متر مربع وأن يشتري منزلا خاصا به ليعيش به مع أسرته التي تضم خمسة أبناء. لكن في سوق عقارية يقول خبراء انها غير منظمة وتعاني عددا من المشاكل أبرزها النقص الشديد في المعروض والزيادة المستمرة في أسعار الايجارات والمضاربة على الاراضي غير المطورة وطول فترة الحصول على التراخيص الى جانب عدم توافر القدرة المادية بين معظم الشرائح التي يتركز فيها الطلب يرى السعوديون أن مساعي الحكومة لعلاج المشكلة ستستغرق أعواما مما يشعرهم بنوع من خيبة الأمل. وقال الشهري البالغ من العمر 46 عاما لرويترز "سعر قطعة أرض في منطقة متوسطة في الرياض لا يقل عن 750 الف ريال (200 ألف دولار) وتكاليف البناء مع الأثاث لن تقل عن مليون ريال (أخرى)... أعتقد ان امتلاك منزل بات حلما بالنسبة لي إلا في حالة واحدة وهي ان أهجر الرياض بعد تقاعدي وأسكن في قرية صغيرة جنوب السعودية." ويشارك الشهري في تلك المشكلة الكثير من مواطني أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد عربي فالى جانب النمو السكاني الذي تضاعف على مدى العشرين عاما الماضية هناك نحو 60 بالمئة من السعوديين دون سن الثلاثين يرغبون في الاستقلال بعيدا عن منازل أسرهم بعد الزواج. ويتركز معظم الطلب على العقارات بين محدودي ومتوسطي الدخل والذين لا يتجاوز راتبهم ثمانية آلاف ريال ولا يستطيعون برواتبهم الصغيرة التأهل للحصول على قروض مصرفية لشراء المنازل وفي الوقت ذاته ينفقون جزءا كبيرا من الدخل على الإيجارات التي من المتوقع أن ترتفع بين سبعة وعشرة بالمئة هذا العام. يقول محللون ان المملكة تحتاج لبناء نحو 275 ألف منزل جديد سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة لتلبية الطلب على المساكن والذي يقدر عند نحو 1.65 مليون مسكن. وفي خطوة للتغلب على مشكلة نقص المعروض السكني في البلاد أمر العاهل السعودي الملك عبد الله بتأسيس وزارة للإسكان في مارس اذار 2011 ورفع قروض صندوق التنمية العقارية الى 500 ألف ريال من 300 ألف كما أمر بتخصيص 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية وبعد عام من صدور الأوامر الملكية يبدو أن بناء هذا العدد من المساكن قد يستغرق بضع سنوات. ويتوقع جون هاريس المدير ومساعد الرئيس لشركة الاستشارات العقارية جونز لانج لاسال ارتفاع أسعار الاراضي بنسبة لا تقل عن عشرة بالمئة خلال 2012 في حين تتوقع ارتفاع أسعار المساكن بين سبعة وعشرة بالمئة خلال العام. وتعليقا على بطء وتيرة التقدم في السوق العقارية بالمملكة قال هاريس لرويترز خلال مكالمة عبر الهاتف "الحكومة السعودية تفعل الصواب من خلال التركيز على (زيادة) المعروض بدلا من زيادة الطلب من خلال توفير التمويل. "بدأت الامور تصبح واقعا ملموسا وسيرى السعوديون مزيدا من الحلول لازمة الاسكان على مدى السنوات الخمس المقبلة." وأشار هاريس الى أن التحدي الاكبر هو توفير المساكن للشريحة التي تمثل الجزء الاكبر من الطلب وهي الاسر الكبيرة ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتي لا يزيد دخلها على ثمانية آلاف ريال شهريا وترغب في الوقت ذاته بالحصول منازل كبيرة وبالتالي مرتفعة التكلفة. ويرى اقتصاديون ان التركيز على دعم المعروض ربما لا يكفي لاصلاح السوق وان هناك حاجة ماسة لأخذ مزيد من القرارات لدعم القطاع مثل إقرار قانون الرهن العقاري الذي طال انتظاره وفرض ضرائب على الأراضي غير المطورة والتي يطلق عليها السعوديون "الاراضي البيضاء". ويؤدي عدم وجود قانون تمويل عقاري واضح المعالم الى غياب الاطار الذي يحكم الملكية العقارية مما أثنى البنوك عن إقراض شركات البناء وحال دون دخول شركات بناء خاصة الى السوق. ويقول خبراء بالقطاع ان معدل انتشار التمويل العقاري في السوق العقارية السعودية لا يتجاوز اثنين بالمئة. وتقدم بعض البنوك بالفعل قروضا عقارية. لكن في غياب تشريع يضمن للبنوك استعادة ملكية المنازل في حال التخلف عن السداد يتم ضمان القروض مقابل الرواتب لتنحصر الشريحة المؤهلة للحصول على تلك القروض في موظفي الشركات الكبرى. يقول عبد الرحمن العنزي وهو مدرس لغة انجليزية عمره 27 عاما "راتبي الان 8500 ريال ولدي قرض سيارة. الايجارات المرتفعة جدا في الرياض مع قرض السيارة لا تسمح لي بالحصول على قرض مناسب لتملك مسكن." ويضيف "أسعار الشقق 450 الف ريال في مناطق تبعد عن وسط المدينة نحو الساعة وبمساحات لا تتجاوز 150 مترا بينما لا اعتقد أبدا انها تستحق نصف هذه القيمة." وكان أهم العوامل التي ساعدت على تنامي مشكلة الاسكان تركيز شركات التطوير العقاري خلال السنوات الماضية على بناء مساكن لأصحاب الدخل المرتفع والتي لا تمثل سوى عشرة بالمئة من الأسر بدلا من تلبية الطلب على المساكن الأرخص تكلفة لكن المحللين يرون أن ذلك الأمر بدأ يتغير مع تأسيس شركات تركز على بناء مساكن لمتوسطي الدخل تتراوح قيمتها بين 700 و800 ألف ريال. من ناحية أخرى يمكن بسهولة لأي شخص يقوم بجولة سريعة بالسيارة في شوارع الرياض المزدحمة أن يرى مساحات شاسعة من الاراضي البيضاء وهي الاراضي غير المطورة في أماكن سكنية جذابة مما يوضح تأثير المضاربات على سوق يعاني بالفعل من شح المعروض. ويقول خبراء بالقطاع انه يوجد ما يقارب أربعة مليارات متر مربع من الاراضي البيضاء داخل النطاق العمراني لمنطقة الرياض ويمتلك رجال الاعمال نحو خمس تلك الاراضي ويحتفظون بها دون تطوير ربما للرغبة في ارتفاع أسعارها لاحقا أو لصعوبة تطويرها بصورة سريعة في ظل تعقيدات روتينية وتحمل تكلفة تزويدها بالخدمات والبنية الاساسية. وأدى ارتفاع أسعار الاراضي الى خلق سوق عقارية يهدف المضاربون من خلالها الى إعادة بيع الاراضي لتحقيق ربح سريع. وعلى النقيض يتكلف تطوير الاراضي مبالغ باهظة ووقتا أطول قبل التمكن من تحقيق أرباح. ويدرس مجلس الشورى السعودي - الذي يتولى تقديم المشورة للحكومة بشأن القوانين والتشريعات الجديدة - فرض زكاة على الاراضي غير المطورة بهدف تشجيع أصحاب تلك الاراضي على بناء منازل جديدة. وقال بول جامبل كبير الاقتصاديين ومدير البحوث لدى جدوى للاستثمار "هناك علامات على فقاعة مضاربات في السوق. من شأن فرض ضرائب على الأراضي غير المطورة أو فرض رسوم أعلى على الصفقات أن يحد من كمية صفقات المضاربة على الاراضي." لكن من ناحية أخرى يرى خبراء بالقطاع العقاري أن فرض ضرائب على "الاراضي البيضاء" لن يقدم أي حل للمشكلة وربما يزيدها سوءا. يقول عبد الوهاب أبو داهش نائب رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية بالرياض "لا أتوقع أن فرض الرسوم سيحل أي مشكلة أو يخفض الاسعار بالشكل المتوقع...في سوق غير منظم لا نعرف ما هي الآثار الجانبية لفرض الرسوم." مضيفا أن فرض مثل تلك الرسوم في الكويت أدى لارتفاع الأسعار داخل المدينة. وتابع "معظم تلك الاراضي لم تصلها الخدمات بالكامل... معظم خدمات البنية التحتية كالمياه والصرف والكهرباء يقوم بها المطور العقاري ولابد أن تشارك الدولة في توفير البنية التحتية اذا أرادت خفض الاسعار." ويرى سلمان السعيدان الرئيس التنفيذي لمجموعة سلمان بن سعيدان للعقارات أن توفير الدعم المباشر للقطاع من خلال التسهيلات سيكون الحل الامثل بينما سيؤدي إثقال السوق بغرامات وضرائب لارتفاع أكبر في الاسعار. وقال السعيدان لرويترز "يجب ألا ندعم سوق المضاربة بمعاقبة سوق التطوير." وأوضح أن هناك الكثير من المعوقات التي تقابل المطورين مثل تأخر الحصول على عدد من التراخيص الخاصة بالمشروعات والبناء وتوفير البنية التحتية والتي يجري الحصول عليها بعد عامين أو أكثر. وأضاف "التعقيدات وعدم وضوح الرؤيا تبعد المستثمر عن السوق." وفي الوقت الحالي لا يمتلك سوى 30-50 بالمئة من السعوديين منازلهم الخاصة فيما يعتقد المحللون أن ذلك الرقم قد يكون أعلى كثيرا بين الشباب. يقول الشهري "كنت انتظر الوقت المناسب لانخفاض الاسعار في الرياض وتطوير مشاريع جيدة ...الا ان هذا الوقت لم يأت ابدا واعتقد أنه لن يأتي." (الدولار يساوي 3.75 ريال سعودي) (اعداد مروة رشاد في الرياض هاتف 0096614632603 - تحرير نادية الجويلي) من مروة رشاد وابراهيم المطوع