دبي (رويترز) - تحت تهديدات بالاضراب عن العمل هذا العام قالت شركة النصر للملابس والمنسوجات المصرية أنها سترفع الاجور بنسبة 15 بالمئة وتزيد بدلات العمال وتثبت العمالة المؤقتة وترقي نحو 1500 موظف بتكلفة اجمالية سنوية تبلغ حوالي 9 ملايين جنيه مصري (1.5 مليون دولار). وأثرت التنازلات بصورة كبيرة على الاوضاع المالية للشركة فأعلنت النصر خسارة صافية بلغت 11 مليون جنيه في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران. لكن مشاكل العمالة لم تنته واستمرت الاضرابات في تعطيل الشحنات فيما ضغط العمال لتحقيق المزيد من المطالب. وفي أنحاء العالم العربي أدت الانتفاضات التي وقعت هذا العام الى زيادة الضغوط من أجل رفع الاجور. ويمنح قدر أكبر من الحرية في شمال أفريقيا النقابات العمالية فرصة أكبر للتحرك في حين رفع توقعات ملايين العمال من أصحاب الاجور المنخفضة الذين عاشوا قرب خط الفقر في ظل الانظمة السابقة. وتتزايد الضغوط من أجل رفع الاجور حتى في دول الخليج الغنية التي أفلتت من الاضطرابات والتي تأتي معظم العمالة فيها من جنوب وجنوب شرق أسيا. ولتقليل خطر التوترات الاجتماعية ترفع الحكومات رواتب مواطنيها العاملين في الخدمات العامة والشركات المملوكة للدولة. وربما يعود هذا التوجه بالنفع على الشرق الاوسط ويخفض اعداد الفقراء ويحفز الاقتصادات من خلال زيادة القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة. لكن خبراء اقتصاديين يقولون انه مع تباطؤ الاقتصاد العالمي والخيارات الصعبة التي تواجهها الحكومات فيما يتعلق بالميزانية فان هذا التوجه ينطوي على مخاطرة. وتقول علياء المبيض كبير الاقتصاديين في باركليز كابيتال والتي تغطي المنطقة "من المرجح أن تكون لمطالب زيادة الاجور اثر ايجابي في القطاعات التي تكون فيها هذه المطالب مبررة... لكن الاتجاه لزيادة الاجور بشكل عام دون أن تعكس زيادة في الانتاجية قد يقوض القدرة على المنافسة." وظلت الاجور في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا منخفضة لعشر سنوات على الاقل نظرا لارتفاع معدل البطالة ونقص العمالة الماهرة وانخفاض الانتاجية. وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن القدرة الشرائية للفرد بالدولار -غير المعدلة وفقا للتضخم- ارتفعت 52 بالمئة فقط بين عامي 2000 و2010 وهو ما يقل عن زيادة بلغت 63 بالمئة في الدول الافريقية جنوبي الصحراء و95 بالمئة في الاقتصادات الناشئة والنامية في العالم. وفي مصر يتراوح متوسط دخل العامل العادي بالمصانع من 5 الي 7 دولارات في اليوم. وأطلق الربيع العربي العنان لمطالب زيادة الاجور. ففي مصر يقدر المحللون ان معدل الاضرابات تضاعف منذ الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط. وفي الاردن يشير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية الى أن عدد الاحتجاجات العمالية في التسعة شهور الاولى من هذا العام قفز الى مستوى قياسي بلغ 607 من 140 فقط العام الماضي. وشهد ميناء طنجة المغربي شهورا من الاحتجاجات العمالية هذا العام بسبب الاجور وظروف العمل وهو ما دفع في مرحلة ما شركات الشحن العالمية الى نقل خدماتها الى موانيء في أسبانيا. ويقول بلال ملكاوي السكرتير الاقليمي للاتحاد الدولي لعمال النقل بالعالم العربي في موقع المنظمة على الانترنت "حتى العام الماضي كنا نناضل من أجل ان يكون لنا أي ممثل للعمال في طنجة... لكن الان نحن ليس لنا فقط تمثيل بل ايضا لنا نقابات قوية." وشجع نموذج شمال أفريقيا النشاط العمالي في بضع دول خليجية رغم أن عمال الخليج أكثر ثراء. ففي الكويت عطل اضراب نظمه 3000 من موظفي الجمارك الشهر الماضي صادرات النفط وانتهى بعد أن قالت الحكومة انها ستعالج مطالب المضربين. وانتهى اضراب اخر نظمه موظفو الخطوط الجوية الكويتية لمدة يوم واحد باتفاق لرفع الاجور بنسبة 30 بالمئة حسبما أوردت تقارير لوسائل اعلام محلية. ونظم موظفو بنك الكويت المركزي مسيرة للمطالبة بزيادة رواتبهم في حين هدد العاملون بالبورصة بالاضراب لكن التوصل لاتفاق حال دون ذلك. ومع التهديد بالاضرابات رفعت الحكومات الحد الادنى للاجور في مصر والمغرب هذا العام وقد تفعلها ثانية مع تولي أحزاب سياسية جديدة السلطة بعد انتخابات هذا العام بدعم من القطاعات الفقيرة في المجتمع. وقررت الحكومة اللبنانية الشهر الماضي زيادة الحد الادنى للاجور بنسبة 40 بالمئة وهو ما يقرب من ضعفي المعدل التراكمي للتضخم على مدى السنوات الثلاث السابقة. وتراجع الحكومة حاليا القرار بعد ان اعترض عليه مجتمع الاعمال ورفضته هيئة ادارية حكومية. ولا تقارن مثل هذه التدابير بالسخاء الذي تظهره بعض دول الخليج في أعقاب الربيع العربي. ففي سبتمبر أيلول أعلنت قطر رفع الرواتب الاساسية والمزايا الاجتماعية للموظفين المدنيين بالحكومة بنسبة 60 بالمئة في حين زادت مرتبات العسكريين بما يصل الى 120 بالمئة. ولم يتضح بعد الى متى ستدوم مطالب زيادة الاجور في أرجاء العالم العربي. فحينما تنحسر الاضطربات السياسية في نهاية المطاف قد تتراجع حاجة الحكومات الى شراء التأييد من مواطنيها. لكن في شمال أفريقيا على الاقل قد تواصل الاحزاب التي تحظى بتأييد شعبي والتي أوصلها الربيع العربي للسلطة خفض أشكال التفاوت الاجتماعي بينما من المستبعد أن يتراجع تماما النفوذ الجديد الذي اكتسبته نقابات العمال. وفي الامد الطويل قد يعود هذا بالنفع على الاقتصادات العربية وينقلها الى نموذج للنمو "أكثر شمولا" يقول صندوق النقد الدولي وخبراء اخرون انه ضروري لخفض مشاعر الاستياء الاجتماعي والحد من البطالة. وقد يحفز منح المزيد من القدرة الشرائية للاشخاص الاقل ثراء الانفاق في القطاعات الاستهلاكية ويشجع على انشاء المزيد من الشركات في هذه القطاعات. ويقول نشأت المصري الشريك في مجموعة الفرسان وهي شركة للاستثمار المباشر في الشرق الاوسط تدير صندوقا اقليميا حجمه 200 مليون دولار "هؤلاء العمال يتجمعون معا بشكل تدريجي. ويطالبون بتحسين اجورهم وظروف عملهم.. هذا كله أموال تعيد ضخها في اقتصادك." ويضيف قائلا "بعض الشركات لا تحبذ مفهوم زيادة الحد الادنى للاجور لكن في الوقت نفسه تمنح زيادة الاجور الناس مستوى معيشة يمكنهم من شراء منتجات أخرى." لكن الانتقال الى النموذج الجديد للنمو لن يكون سلسا. فقد يشعل النمو السريع للاجور التضخم الذي جرى كبحه في معظم العالم العربي هذا العام فيما يرجع جزئيا الى مستويات جيدة للمحاصيل الزراعية في شمال أفريقيا لكن التضخم قد يرتفع اذ دفعت الصعوبات الاقتصادية الحكومات الى خفض قيمة عملاتها. وقد يكون التهديد الاكبر من نصيب المالية العامة. فمن المنتظر أن تبلغ التكلفة المبدئية لزيادة قدرها 59 بالمئة للحد الادنى لاجور موظفي الحكومة في مصر 1.5 مليار دولار وهو مبلغ ليس بمقدور الحكومة أن تتحمله بينما تصارع عجزا في الميزانية يعادل نحو عشرة بالمئة من الناتج الاقتصادي. وبمقدور دول الخليج الغنية بالنفط أن تواجه الموقف بصورة أفضل لكن حتى بعضها يشعر بوطأة. وتتوقع سلطنة عمان ان يرتفع العجز في الميزانية في العام القادم. وفي الكويت حذر وزير المالية هذا الشهر من ان زيادة الرواتب تمثل "خطرا حقيقيا" قد يدفع الموازنة في نهاية المطاف الى السقوط في العجز. وقال محللون ان المخاطرة الاكبر حاليا تتمثل في قدرة الاقتصادات على المنافسة. فمن أجل توفير ملايين الوظائف لمواطنيها الشبان تحتاج دول شمال أفريقيا الي زيادة الصادرات في وقت يتباطأ فيه النمو العالمي. ولتوفير هذه الوظائف تحتاج هذه الدول الى توفير بيئة مواتية للمصدرين مثل شركة النصر للملابس والمنسوجات وهي مورد لشركات أجنبية كبرى للتجزئة مثل تسكو. وتقول علياء المبيض ان زيادة الاجور ليس الطريقة الوحيدة ولا المثالية لتحقيق العدالة الاجتماعية في الشرق الاوسط فالدول في حاجة الى أن توازن بين زيادة الاجور وغيرها من السياسات مثل اصلاح الانظمة الضريبية لجعلها أكثر عدلا واعادة هيكلة الانفاق العام لتقليل الاهدار في الدعم وزيادة كفاءة الانفاق على الخدمات الاجتماعية وهي اصلاحات مهمة سياسيا واجهت الحكومات صعوبات في تنفيذها. وتضيف قائلة "ما يقلقني هو اصدار تشريعات لرفع الاجور بسبب سياسات لكسب التأييد الشعبي دون التفكير في تداعيات ذلك على الاقتصاد.. ذلك سيكون مبعثا لقلق كبير."