لندن (رويترز) - اذا اتبع العالم العادات السكانية لاوروبا - وهذا احتمال بعيد - فانه بحلول عام 2200 قد يعيش به عدد من السكان أقل من نصف عددهم الحالي في مساكن بنيت لنحو ثلاثة امثال هذا العدد. ويقدر أن يتجاوز عدد سكان العالم سبعة مليارات نسمة في 31 اكتوبر تشرين الاول لهذا تدور مخاوف صناع السياسة على المدى القريب حول توفير الموارد لما بين ملياري وثلاثة مليارات شخص يتوقع أن يولدوا في الاعوام الخمسين القادمة. وتستدعي أرقام بهذا الحجم مناظر مرعبة للنقص والفوضى. لكن التحسن في انتاج الغذاء والتكنولوجيا سمحا بأن يتواصل نمو السكان دون عائق وبسلاسة نسبيا ويتمثل الكابوس المحتمل في الزيادة السريعة في نسبة المسنين بين السكان التي تتزامن مع تراجع معدلات المواليد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. ويقول الكثير من خبراء السكان وواضعي الخطط طويلة المدى ان التحدي في القرن القادم لن يكون التعامل مع أعداد متزايدة من السكان بقدر ما سيكون التعامل مع النسبة العالية من المسنين وربما المعولين مع محاولة ايجاد استراتيجيات جديدة لتحقيق الرخاء وتوفير الوظائف والخدمات الاساسية. وأسهم هذا الاتجاه بالفعل في الازمة المالية العالمية الحالية اذ زادت تكالليف الرعاية الصحية والاجتماعية وربما قوض الانتاجية. وفي حين ينشغل الساسة بالمخاوف على المدى القصير فان خبراء يقولون انه لا تجري مناقشة التحديات السكانية على المدى الطويل بشكل كاف. يقول جاك جولدستون استاذ السياسة العامة وخبير علم السكان البارز في جامعة جورج ميسون بواشنطن "لن يكون عالما مثل اي عالم او سكانا كأي سكان عاشوا من قبل." واضاف "كنا نعتقد أن الانفجار السكاني سيجبر الانسانية على التوسع حتى تصل الى النجوم. لا يبدو أن هذه هي المشكلة على الاطلاق. واطار العمل السياسي لا يضع في الاعتبار كيفية التعامل مع هذه المشاكل طويلة المدى." ومازال الكثير من دول العالم الفقيرة يشهد نموا قويا ولايزال معدل الخصوبة العالمي اي عدد الاطفال الذين يولدون لكل زوجين نحو 2.5 وهو ما يكفي ليحل محل كل شخص حي على قيد الحياة حاليا. لكن المعدل انخفض بشدة في الدول الاغنى مثل روسيا وسنغافورة وطبقت عدة دول متقدمة أخرى سياسات لتحسين الخصوبة لكنها حققت نجاحات متباينة. وتتفاوت التكهنات لكن معظم التوقعات تشير الى أن عدد سكان العالم سيبلغ ذروته عندما يصبح نحو تسعة مليارات نسمة عام 2070 تقريبا ثم يبدأ في الهبوط ربما بسرعة شديدة. وسيشهد هذا التاريخ وصول مواليد فترة ازدهار المواليد وسيكون كثير منهم بلا اطفال او لديهم عدد أطفال أقل اذا استمر الاتجاه الحالي الى نهاية حياتهم. في العالم النامي ستموت ايضا الاعداد الكبيرة من الشبان التي تقود انتفاضات الشرق الاوسط في الوقت الحالي. وقال دانييل كوتلير خبير السكان بالبنك الدولي وهو متخصص في شؤون امريكا اللاتينية "من المؤكد أن التراجع في الخصوبة ذهب الى أبعد مدى في العالم المتقدم لكنه ينخفض بسرعة في معظم الدول متوسطة الدخل وحتى في بعض من أنجح الاقتصادات منخفضة الدخل." وأضاف "في ظل زيادة نسبة المسنين بين السكان فان هذا يطرح تحديات." وبحلول عام 2030 سيكون عمر اكثر من ثلث السكان في عدد من الدول الغربية فضلا عن بعض الاقتصادات الاسيوية مثل اليابان وكوريا اكثر من 65 عاما. وسيسير على نفس النهج الكثير من الدول النامية أبرزها الصين التي تطبق سياسة طفل واحد لكل زوجين حيث تفتقر تلك الدول عادة الى الموارد المالية اللازمة لسداد تكاليف الرعاية الصحية ورعاية الاطفال. وقال مايكل هودين المدير التنفيذي للائتلاف العالمي المعني بالمسنين وكبير الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية "الاعداد مذهلة. التوقعات الدقيقة متفاوتة لكنها لا تهم فعلا لانها كلها تسير في نفس الاتجاه." وفي العالم النامي تعتمد معظم الدول على عدد كبير من العاملين من دافعي الضرائب لسداد تكاليف الرعاية ومعاشات التقاعد لمجموعة صغيرة نسبيا من المسنين. في الدول الفقيرة تميل العائلات الى العناية بالمسنين. ويقول خبراء ان ايا من هذين النموذجين غير مصمم ليتماشي مع تغير التركيبة السكانية التي تنطوي على عدد اكبر من المسنين وعدد أقل من الشبان. على المدى القريب سد الكثير من الدول الغنية الفجوة السكانية باستقدام شبان من دول أخرى في العالم خاصة لتوفير الرعاية للمسنين وأداء الاعمال اليدوية. وقد لا يتسنى استمرار هذا في الاعوام القادمة حين تجف مصادر العمالة بسبب تراجع معدلات الخصوبة. ويظل البعض متفائلين. يقول سيرجي شيربوف الذي يقود مجموعة بحثية في معهد فيينا لعلم السكان "سيكون عالما اكبر سنا لكنه سيكون اكثر تعليما بكثير. "الناس يصبحون اكثر صحة. انا شخصيا أعتقد أننا سنتكيف مع هذه الاشياء." وبذل شيربوف وزملاء له بالبرنامج العالمي للسكان التابع للمعهد الدولي لتحليل الانظمة التطبيقية جهودا لا بأس بها في مهمة التكهن بسكان العالم على مدى القرنين القادمين وهي مهمة شبه مستحيلة. اذا انخفض معدل الخصوبة العالمي الى نفس مستوى شنغهاي اي نحو 0.8 للزوجين فانه بحلول اوائل القرن الثاني والعشرين سيتراجع السكان بسرعة شديدة ليكونوا أقل من مليار عام 2150 . واذا كان اقرب الى متوسط الاتحاد الاوروبي الذي يبلغ 1.5 فسيتراجع السكان الى دون خمسة مليارات نسمة عام 2140 تقريبا وثلاثة مليارات بحلول عام 2200 . على النقيض يؤدي الاستمرار على المعدل الحالي البالغ 5 ر2 الى أن يزيد عدد السكان في عام 2100 عن 15 مليار نسمة. وتفترض هذه التوقعات أن يستمر متوسط العمر العالمي في الارتفاع. اذا لم يحدث هذا فان أعداد السكان ستنخفض بسرعة اكبر. ويقول شيربوف "عدم امكانية التكهن مهولة لكنه قد يكون عالما غريبا جدا." ويقول خبراء ان السؤال الاهم الذي لا يملك أحد اجابة واضحة له في الوقت الحالي هو ما اذا كان يمكن التخطيط لنمو اقتصادي يوفر فرص العمل ويأمل أن ينضم العاملون المتقدمون في السن والشبان لقوة العمل. واذا افترضنا السيناريو الاسوأ الذي ينطوي على صراع بين الاجيال فقد تستحوذ مجموعة المسنين ومتوسطي العمر على الوظائف وتحاول جاهدة حشد الدعم للحفاظ على حقوق لا يمكن أن تستمر بينما يشعر شبان غاضبون بالحرمان من الفرص ويضطرون الى سداد التكلفة الاقتصادية في نهاية المطاف. ويعتقد البعض أن هذه الظاهرة ربما باتت أكثر وضوحا بالفعل في مناطق من العالم المتقدم. وقال جولدستون من جامعة جورج ميسون "المشكلة الحقيقة المتعلقة بزيادة نسبة المسنين بين السكان هي مشكلة نمو اقتصادي." وأضاف "اذا كان لدينا نمو فاننا نستطيع تحمل تكلفة معاشات التقاعد والرعاية الصحية للجيل الاكبر سنا. لكن اذا لم يكن لدينا هذا فسيعاني الجميع."