أمس وبعد صلاة الجمعة وأثناء جلوسى فى المسجد عقب انتهاء الصلاة كان يجلس بجانبى أحد مؤيدى الفريق شفيق فى الإنتخابات الماضية وبالطبع بدأ فى انتقاد الأوضاع الحالية فى مصر وإثبات حجته أن شفيق كان الخيار الأفضل من وجهة نظره لقيادة مصر وتركته يتحدث دون أن أرد ليس عن رفض أوتقبل لكلامه بل لأننى أرخيت لخيالى عنانه وبدأت على طريقة الأفلام فى تخيل ما كان سيحدث لو كان فعلا رئيس مصر هو الفريق شفيق فى حالة فوز الفريق شفيق، كان سيرث كل تلك الهموم والمشكلات، من أزمة أمن، وبنزين، وسولار، وكهرباء، ورغيف عيش، ونظافة، وتأمين صحي، بخلاف قضية "مذبحة بورسعيد" التي لا زلنا نعاني من نتائجها وتبعياتها، وعندها كنا سنصبح على موعد مع مباراة فلولية – إخوانية بين طرفين لا يهمهما سوى المصالح الشخصية على حساب شعب مصر. الطرف الفلولي كان سيتحجج -مثل الآن تماما- بأن الكل يعاديه وضده، وأن المعارضة -المتمثلة في الثوار والمتأسلمين- لا تريد التعاون معه في تحمل الواجب والمسئولية، وبالتالي فهو بريء من الفشل والخراب الذي يتحمله الآخرون بلا شك. والطرف الإسلامي الذي كان سيرتمي في أحضان الثوار والبسطاء، ويسوق نفسه كحل جذري، وأمل أخير أضاعه الشعب بعدم انتخابه، كان سيخرج إلينا مع كل أزمة وكارثة بتظاهراته وميكروفوناته وحشوده وصراخه الحنجوري، منددا بظلم النظام وفساده، وعمالته وموالاته للأمريكان والصهاينة، طالبا من الشعب سرعة التحرك والاحتماء بالإسلام. والنتيجة.. سقوط الفريق شفيق بعد فترة قصرت أو طالت، لكنها كانت حتمية، ليصعد على الكرسي من بعده الإخوان المسلمين! نعم لا تتعجب عزيزى القارىء كان الإخوان هم من سيجلسون على الكرسى الرئاسى إن عاجلا او آجلا لأنهم الطرف المنظم وقتها , ليس هذا فحسب ولكن لأنهم أيضا الفصيل الوحيد الذى كان يعرف هدفه جيدا فقد دخلوا الثورة متأخرا عندما أدركوا وتأكدوا من حتمية سقوط نظام مبارك فلم يضيعوا فرصة عمرهم والتى إن ضاعت فبالتأكيد لن يروها مرة أخرى على المدى القريب ولعل ما حدث من إعتلاؤهم سدة الحكم فى مصر بعد الثورة دون الحاجة إلى شهور إضافية من الفشل والصدمات حتى نصل إلى تلك الحقيقة التي باتت ناصعة البياض مبكرا دون الحاجة إلى ضياع كل هذا الوقت، لندرك أن الإخوان والنظام السابق وجهان لعملة واحدة . أفقت من خيالاتى وودعت ذلك المصلّى مع إبتسامة له لكننى وقتها كنت على يقين من شىء واحد أن ما يحدث الآن ليس سوى غربلة إلهية لكشف الحقائق أمام أعين شعب أغلبه من البسطاء والمساكين والأميين، وكان في حاجة إلى مِحن وابتلاءات تعتصره عصرا لتخرج أحلى ما فيه، تماما مثلما يفرز اعتصار الفواكه أحلى ما فيها، وتجعله من بعد العسر يصل إلى اليسر الإلهي الذي وعدنا به المولى جلّ وعلا في كتابه العزيز مرتين متتاليتين: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. باختصار.. مصر ليست في حاجة إلى معجزة حتى تُحل أزماتنا، مصر ليست في حاجة إلى مرددي الشعارات الدينية التي يستخدموها كعدة للنصب على شعب يحب الله ورسوله ويؤمن بكل الأنبياء، حتى وإن خلت ممارسات بعض أفراده من التدين. مصر في حاجة إلى كل ما يحدث الآن من خراب وتدهور.. نعم.. فكل هذا يصنع ما يشبه ب"الفلتر"، الذي يكشف الحقائق، ويفصح عن الوجوه الحقيقية المستترة خلف الأقنعة والأكاذيب والتلفيق. حتى يجيء ذلك اليوم الذي يظهر فيه الرجل النبيل، ذو المعدن الأصيل، والمحب الحقيقي لهذا البلد وشعبه، دون السعي خلف أي مصالح شخصية ومكاسب زائلة. إنه وجه جديد بخلاف كل الوجوه المحروقة الآن على الساحة، وسيظهر هذا الرجل في لحظة حسمها المولى عز وجل في السماء، ، بل لعله موجوداْ الآن، لكنه لا يعرف أنه سيكون من ننتظره ، بل لعله يقف وسطنا بمطالب عادلة وأمنيات مشروعة، ويحلم مثلنا بمن يحققها ويستمع لها، لكنه لن يطالب بتنصيبه رئيسا وحاكما عادلا، بل نحن الذين سنكتشفه وسندفعه دفعا لتحمل المسئولية التي سينجح في تحملها إن شاء الله. فلم يخبرنا التاريخ يوما - سواء الإسلامي أو الحديث- عن قائد عظيم طالب بالجلوس فوق الكرسي، ولكن الظروف الصعبة كانت دائما هي المحك والاختبار الحقيقي الذي يفرز الرجال، ويكشف معادنهم، ويعيد انتخابهم لأدوار خلقوا من أجلها. فهلّا نظرتم إلى طريقة بيعة سيدنا أبو بكر الصديق وتنصيبه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر المسلمين؟ هل قرأتم كيف أصبح الفاروق عمر أميرا للمؤمنين؟ وهل قرأتم كيف تمدنت فرنسا بعد ثورة استمرت 10 سنوات أريقت فيها الدماء أنهارا على يد روبسبير ورفاقه وهل أدركتم كيف نهضت ألمانيا من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية بعد تقسيمها كغنيمة للحلفاء، قبل أن تستعيد الماكينة الألمانية قوتها، وتوحد شعبها مجددا، لتصبح اليوم على رأس دول العالم المتحضر؟ اقرأوا التاريخ الذي يعيد نفسه، ويتكرر في موجات ودوائر من أمة لأمة، ومن عصر لعصر، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلْهَا بَيْنَ النَّاسِ}، ثم الزموا العمل، والجهد، والتفاني، وما تمليه عليكم ضمائركم، واتركوا السماء تقول كلمتها في لحظة ستكون مفاجئة لنا جميعا، كنفس المفاجآت التي ساقها لنا التاريخ - فمن منا ينسى أن الشعب المصرى كله نام مساء الثلاثاء 22يوليو 1952 بعد سماعه لخبر تولى نجيب الهلالى باشا الوزارة وحلفانه اليمين امام الملك فاروق , ثم يصحو الشعب صباح الأربعاء 23 يوليو 1952 على بيان البكباشى انور السادات ليتم خلع الملك فاروق نفسه بعدها بأيام ! - ومن منا ينسى مفاجأة حرب السادس من أكتوبر حين بات الشعب مساء الجمعة 5 أكتوبر 1973 حزينا ومصدقا أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والرئيس الذي لن يحارب، ثم استيقظ على خبر العبور العظيم فى السادس من اكتوبر 1973! صدقونى تفائلوا وتقبلوا هدية السماء لكم وإنتظروا اللحظة الفارقة .