وقد مرت أيام وأيام بعد ذلك وهو يعاني كل يوم سواء من طلابه الأشقياء أو من مرضه العضال أو من متطلبات حياته ولكن ما باليد حيلة فليس عليه إلا الانتظار !! ************** في رُدْهة بيت كبير يشبه القصور تحيط بأبوابه العالية أشجار عتيقة كأنها زُرعت أولا ثم بُنِي داخلها هذا القصر والذي يبدو لأول وهلة بناءا متهالكا ولكن بعد القليل من التدقيق تري فيه مظاهر الأبهة والعظمة وكأنه لباشا إقطاعي قديم أو لخواجة يوناني نظرا لطراز بنائه، مشي صابر يُقدّم قدما ويؤخر أخري وذلك ليصل إلي ( فهيم بيه ) رجل الأعمال الشهير ونائب الدائرة في مجلس الشعبوصاحب هذا البيت العريق وذلك ليقدم له التماسا يطلب فيه نقل خالد أخيه من أسوان الي بلدته.......... وقد كان الأمر صعبا وشاقا علي نفس صابر فهو لم يتعود طوال حياته أن يتذلّل لأحد مهما كان ولكنه مرغم علي ذلك فعاطفة الأخوة تغلبت علي كرامته فداستها و ها هو يذهب إلي بيت فهيم بك والمعروف عنه الغطرسة وعلو الأنف وأخيرا يصل الي مكتبه ويقابل سكرتيره الخاص وبعد ما أخبره بغرض الزيارة طلب منه الانتظار قليلا وبعد مرور ربع ساعة سمح له السكرتير بالدخول لمقابلة فهيم بك: -السلام عليكم - وعليكم السلام تفضّل يا أ/صابر -شكرا أنا عاوز من حضرتك طلب بسيط أنا عاوز ..... ولم يكمل صابر كلامه فقد قاطعه فهيم بك قائلا: ياراجل دي حاجة بسيطة ولقد أخبرني السكرتير بها بقولك إيه يا أ/صابر أنت لسّه مسئول عن جمع الضرائب في القرية -آه بس إيه علاقة هذا بموضوع نقل أخي ؟؟!!! -بُص ياسيدي: أنا الدنياعلمتني أن الحياة فرص و الفرص لا تتكرر -مش فاهم قصدك -قصدي أقول نعمل صفقة مع بعض أنا باتصالاتي وعلاقاتي أستطيع نقل أخيك وأنت بموقعك في العمل تقلّل نسبة الضرائب المفروضة عليَّ وعلي مشروعاتي في القرية بالإضافة إلي عمولة محترمة لك هنا ظهر الغضب الشديد علي وجه صابر خاصة أنه كان طوال عمره رجل نظيف ولايقبل أن يدخل علي أولاده قرشا من الحرام. فأنساه الغضب ماكان قادما لأجله وانصرف علي الفور وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة ***************** مالك ياصابر: (سؤال ألقته وفاء زوجة صابر- وقد كانت معلمة فاضلة في مدرسة القرية) -ماليش -لالا دي مش طبيعتك قولي مالك!!!! وبعدما أخبرها صابر بملخص مادار بينه وبين فهيم بك فكانت معه في كل مافعله ولكنها في الأمر ذاته كانت مُشفِقة علي خالد فقد ساهمت بقدر كبير في تربيته وتمر الأيام ويبدو أن الله أراد أن يخفّف عن خالد ويخرج صابر من حيرته !!!!! ***************** في فناء مدرسة القرية وقفت وفاء زوجة صابر تشرف علي طابور الصباح فإذا بها تجد أحد الطلاب لايلتزم فوجّهتهبلُطف دون أن تعرفه فإذا به يَصدُر عنه حركات أقل ماتُوصف به أنها قليلة الأدب فلم تجد نفسها إلا وقد توجهت إليه وأخرجته من الطابور لتعاقبه بالعقاب المناسب لِما اقترفه أمام جميع الطلاب وليكون عبرة لمن تُسَوّل له نفسه القيام بما عمله فضربته بالعصا علي يده ضربتين وفي الثالثة أمسك بالعصا وانتزعها منها وضربها بها ضربة سريعة ثم فرّ هاربا من المدرسة وساد الهرج والمرج والتف جميع الزملاء حول السيدة وفاء والتي وقفت مذهولة من تصرف هذا الطالب العفن واتفق الجميع وكلهم شهود أن يرفعوا مذكرة تأديب لوزير التربية والتعليم شخصيا وبالفعل اهتم الوزير بتلك المذكرة ولكن شئ ما حدث أوقف العقاب المقرّر ضد هذا الطالب وتحول الأمر إلي طلب مقابلة شخصية لوفاء مع وزير التربية والتعليم فيا تُرَي لماذا تَفضّل سيادة الوزير الهُمَام باقتناص دقائق من وقت سعادته ليقابل فيها معلمة أوحتي مديرة مدرسة ؟!!! (ونكمل فيما بعد ما دام في العمر بقية