رمضان شهر العبادة وابتغاء مرضاة الله، ولكنه أيضا شهر تتفجر فيه طاقات الإبداع ويصفو الذهن مما علق به من شوائب العام، ولهذا يراه المثقفون فرصة سانحة للقراءة وخاصة في كتب التراث وعلامات الفكر الشهيرة. وقال الأديب الكبير جمال الغيطاني أنه في شهر رمضان تزداد قراءاته لأن تركيزه يكون أكبر ،وهو يهتم بالقضايا الفلسفية في السنوات الأخيرة، ويقرأ كتاب "الوجود والعدم" لجان بول سارتر، و"نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض" وهو كتاب في التصوف، إضافة لقراءاته في الفن التشكيلي. وهو يختار شاعرا يصاحبه في كل رمضان، عبر دواوينه، وهو في هذا العام بصحبة الشاعر المغربي الذي دفن في مصر الششتري. كما يحرص الكاتب على استعادة الذكرى في القاهرة القديمة، حيث يذهب يومياً إلى هناك في الصباح الباكر، ولكنه كما يقول لا يزور مناطق جذب السائحين، بل يبحث عن روح المكان، ويركز على الشوارع الداخلية، فيذهب إلى الجمالية حيث سكن قديماً، كما يفضل الجلوس على مقاهي الدرب الأحمر. أما الناقد الكبير د. عبدالمنعم تليمة فيتفق على أنه يكثف القراءة في رمضان، وهو حاليا بصدد تذكير نفسه بكتب التفسير الكبيرة مثل "الطبري" الذي يقرأ جزء من تفسيره منذ 60 عاما ، وكذا تفسير "الكشاف" للزمخشري، الذي يهتم فيه بالبلاغة واللغة . والطبري تفسيره يعتمد على العقل فيفسر القرآن بالقرآن فإن لم يجد فبما صح من الحديث، فإن لم يجد يكون بما صح من أقوال الصحابة والتابعين. وتمتد قراءات تليمة لتشمل كتب التصوف فيقرأ لابن عربي ديوانه الشعري"ترجمان الأشواق"، ويتذكر الناقد الكبير حين نشأ في البيت الريفي المتدين وحين أدرك وجد ثلاثة كتب في البيت هم القرآن الكريم، والفقه على المذاهب الأربعة، وصحيح البخاري، فقد كان جده أزهرياً. وما لبث أن التحق تليمة بالكتّاب، ليحفظ القرآن الكريم، وحين التحق بالجامعة تخصص في اللغة العربية، ودرس علوم القرآن والحديث دراسة معمقة، ويقول : رغم أن تخصصي هو النقد الأدبي وعلم الجمال، إلا أن جدول محاضراتي لا يخلو من تدريس تفسير القرآن. وبخصوص الأنشطة الثقافية، يرى تليمة أن الدعوات للإفطار في ميدان التحرير، واستضافة شخصيات عامة في صالون ثقافي بالميدان، يحقق هدف رمضان في التواصل بين الناس، ويراه يحقق تماسكاً بين أفراد الشعب. والكاتب ينصح في رمضان بالعمل والإبتعاد عن مقولة أنه شهر نميل فيه للراحة، لأن الحقيقة أن أوقاتنا تتسع بعيدا عما يشغلنا من طعام وشراب . وهو ينصح كذلك بإصلاح النفس والسلوك خلال الشهر، فلا يمكن أن تستجيب بسهولة للمثيرات فتتحدث بخشونة أو بأسلوب غليظ .
رمضان أما الشاعر والناقد شعبان يوسف فيتعامل بشكل أكبر مع الكتب التراثية الدينية في رمضان، ويقرأ "في ظلال القرآن" لسيد قطب، كل عام، إلى جانب كتاب "الجواهر" للعلامة طنطاوي جوهري، بالإضافة إلى كتاب لدكتور زكي مبارك "المدائح النبوية" وهو يحكي عن فنونها المتعددة. بالإضافة إلى القراءات العادية المرتبطة بالأنشطة أو الندوات، ولأن مساحة العمل الثقافي في رمضان تتقلص، تكون هناك فرصة أكبر للقراءة، مشيراً إلى أنه سيتفرغ في رمضان لقراءة الأعمال التي ستصدر من السلسلة التي يرأس تحريرها في هيئة الكتاب "كتابات جديدة" للانتقاء منها، لتصدر بعد العيد. ويرى يوسف أن الأجواء السياسية ستسيطر على رمضان، ومعرض الكتاب كذلك، فضلاً عن الندوات في ميدان التحرير، داعياً إلى التوحد وعدم التعصب للأيديولوجيات لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وكلنا في النهاية نسعى لإنقاذ الوطن من مأزقه ، وعدونا واحد هو الفساد ورجاله و نظام مبارك القديم. وعن ورشة الزيتون التي يشرف عليها يقول: سننظم اليوم في أول يوم رمضان إفطاراً في الورشة يعقبه مناقشة رواية "دكتورة حياء الكاشف.. زيارة أخيرة للوطن" الصادرة عن دار ميريت للنشر، للكاتب أسامة البحر. يعرج يوسف على الأعمال الأدبية التي اتخذت من رمضان موضوعاً لها، فنجيب محفوظ كتب عن رمضان في روايته "خان الخليلي"، ويوسف إدريس له قصة بعنوان "رمضان" في مجموعته القصصية "جمهورية فرحات"، وكذلك كتب عن رمضان سعد مكاوي، ومحمد مستجاب، وهناك قصائد عن رمضان كتبها الشاعر الكبير عبد الرحم الأبنودي وتوفيق زيات، أيضاً تناوله الساخرون لأنه مفجر لأشكال الإبداع. من جهته قال الكاتب د. عبد الهادي مصباح استشاري المناعة والتحاليل الطبية أنه في رمضان يهتم بقراءة الجانب الديني والروحي في الإنسان وارتباطه بالذهن علمياً، حيث يقرأ عن الذاكرة والروح وتأثير الشهر الكريم عليهم. شهر رمضان برأيه وسيلة من أجل شحن بطاريات الإنسان النفسية والجسدية من جديد، ومع أن هذه هي حكمة الصوم الذي فرضه الله علينا، إلا أننا اتخذنا من رمضان شهراً لزيادة استهلاك المواد الغذائية، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن ابن آدم يكفيه لقيمات يقمن صلبه. ويرى مصباح أن الإقبال على الطعام في هذا الشهر نوع من التطرف، ففي الوقت الذي يوجد به فقراء يعانون نقص الغذاء، نجد في المقابل هناك من يسرف في الطعام والولائم، ويتخلص من الطعام بإلقائه في سلة المهملات، هذا الاضطراب برأيه يخلق أمراضاً اجتماعية، ويفقد الصوم فائدته الروحية والجسدية التي تتمثل في أن يتخلص الإنسان من شوائب العام. كما أننا نقضي أيضاً على الجانب الروحي في هذا الشهر بمشاهدة المسلسلات، مما يقضي على فرصة الإنسان لاستغلال هذا الشهر للقرب من الله تعالى، ويقضي كذلك على إدراك حكمة الصوم الذي يعد تدريباً عملياً على أن يصبح الإنسان أقل عصبية، وليفهم الصائم أن الحكمة ليست في الجوع والعطش بل الارتقاء بالأخلاقيات ليكون هذا نظاماً طوال العام وليس لرمضان فقط، لأن الدين هو المعاملة.