شهد الوسط الرياضي المصري خلال الأيام الماضية وبالتحديد منذ خسارة الأهلي أمام الترجي التونسي وخروجه من نصف نهائي دوري الأبطال الإفريقي، حالة من الحراك الإعلامي والجماهيري، دعمتها إنتفاضة الأقلام الثائرة وحالة الحزن التي تحولت في كثير من الأحيان إلى البكاء والنحيب على الفضائيات.. وما بين الأسهم الموجهة هنا وهناك وأصابع الإتهام التي أشارت تارة إلى الحكم الماكر وأخرى للحظ العاثر وثالثة للمدرب الحائر ورابعة للاتحاد الإفريقي الجائر، تاهت الأسباب الحقيقة لسقوط البطل، وحاول الجميع أن يتوارى وراء عوامل ثانوية بدلاً من الإلتفات للحقيقة التي لا تقبل التحريف أو التأويل. فمنذ ما يزيد على الستة أعوام تقريباً بدأ الأهلي إنتفاضته التي أدهشت الجميع وكانت بمثابة الصدمة لكل المنافسين، واختار التحليق في السماء يسيطر على الألقاب والبطولات والكؤوس والجوائز تاركاً أقرانه على الأرض يرمقونه بتلك النظرة المليئة بالدهشة والإنبهار، وبعدما حقق الفريق الذي ضم أفضل النجوم وأفضل اللاعبين مهارة وإمكانيات أُضيف إليها بعد ذلك الخبرة والتمرس والقدرة على مواجهة الصعاب، عاد الموسم الماضي كطبيعة الأشياء إلى أرض الواقع، لكنه احتفظ أيضاً بنفس الأسبقية يقود المنافسين على الأرض ويتزعمهم محتفظاً لنفسه بنصيب الأسد من كل إنجاز مطروح للمنافسة. وعلى الرغم من التدعيمات التي حصل عليها الفريق الأحمر هذا العام على مستوى اللاعبين السوبر والنجوم مدعوماً بخزينة لا تنضب أو تنتهي، إلا أنه واصل التراجع بما تمليه عليه طبيعة الأشياء التي يعود خلالها كل من صعد للقمة إلى حيث أتى، بعد أن تتراكم أثار الأخطاء التي أخفتها النتائج الجيدة وتحقيق الإنجاز تلو الآخر، وتظهر فجأة لتتسبب في تراجع مستوى الأداء والنتائج وفقدان العديد من البطولات والألقاب طواعية وإختياراً أو بالإكراه. وعلى ذلك فإن خسارة الأهلي للقب إفريقيا، والتي على الأرجح لن تكون الخسارة الأخيرة في هذه المرحلة، تتخطى أسبابها الحظ العاثر أو الحكم أو المدرب، وهو ما يجعل حالة النحيب والبكاء والعويل التي أصابت الوسط الرياضي المصري حزناً على خروج الأهلي من بطولة لم يقدم في أي من مراحلها ما يجعله الأجدر بتحقيق لقبها، محاولة لإلهاء الجماهير والرأي العام لا يريدها إلا من ينظر للمسألة بسطحية أو يرغب في إشعال الأمور حول حكم اللقاء أو حسام البدري مدرب الفريق وسط أحاديث "خيالية" عن التقصد والإنحياز من الاتحاد الإفريقي ضد دولة حقق منتخبها لقب كأس الأمم لثلاث مرات متتالية، ويملك أحد فرقها الرقم القياسي لعدد مرات الفوز بدوري الأبطال الإفريقي !! وبنظرة أكثر تفصيلاً، فقد فجرت يد مايكل إينرامو لاعب الترجي، والتي كانت سبباً في تأهل فريقه إلى نهائي البطولة الإفريقية عناقيد الغضب في مصر ضد جوزيف لامبتي حكم اللقاء الغاني الذي أخطأ وكانت فعلته بالنسبة للغالبية العظمى سافرة تنم عن جرأة شديدة وتقصد وعمد واضحين، ويمكن أن يكون ذلك صحيحاً، لكن هل كان كوفي كودجا فاجراً عندما لم يحتسب هدفاً صحيحاً للصفاقسي التونسي في إياب الدور النهائي للبطولة التي توج بها الأهلي عام 2006 والغى مشروع هدف آخر بداعي التسلل رغم صحته؟، وهل كان خطأ محمود سمير عثمان في لقاء الأهلي أمام إنبي الموسم الماضي سافراً أيضاً بعد تغاضيه عن إحتساب هدفين صحيحين للفريق البترولي إضافة لركلة جزاء مشابهة تماماً لتلك التي احتسبها للأهلي في المباراة، وألم يكن خطأ محمد فاروق منذ عدة مواسم سافراً عندما احتسب لمحمد أبو تريكة لاعب الأهلي ضربة جزاء لا يوجد لها مثيل في تاريخ كرة القدم منحت الفريق الفوز على حرس الحدود في مباراة هامة بالأسكندرية بدون عرقلة ومن خارج منطقة الجزاء بأمتار؟ فعلى طريقة الإعلام المصري والرأي العام في تعامله مع لامبتي يمكن إعتبار سمير عثمان وفاروق متآمرين ضد كل فرق الدوري لمصلحة الأهلي، ويمكن إعتبار كودجا شريكاً أساسياً للأهلي في بطولة إفريقيا عام 2006 .. وكلها مبالغات لا طائل منها غير تشتيت الجماهير وتوجيهها إلى الهدف الخطأ. أما البدري والذي صبت ضده الجماهير جام غضبها فالجميع تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس المدرب الأصلح لإدارة الأهلي في هذه المرحلة لأسباب كثيرة آخرها النواقص الفنية، تلك الأسباب التي تتمثل في قلة الخبرة وإفتقاد الجرأة والخوف من الخسارة، إضافة إلى إنه يعاني من ضعف واضح على مستوى المساندة الإعلامية والجماهيرية بما يعزز لديه الشعور بقدرة مسئولي ناديه على الإطاحة والتضحية به بسهولة إذا ما تعقدت الأمور، وهو ما جعله عبئا على لاعبيه بدلاً من أن يساعدهم، فحملهم فوق طاقتهم بتصديره القلق والخوف إلى نفوسهم وإلقاء مسئولية مساعدته وبقائه على عاتقهم، وهو ما يفسر حالة العصبية التي ظهر عليها اللاعبون في المباراة وإندهش لها البعض بل وحمل عليهم بسببها، وهم الذين كانوا يعملون بكل إرتياحية مع مانويل جوزيه مدربهم السابق، ولم يكن عليهم التفكير فيه أو في بقائه أو العمل لأجله، بل ينفذون فقط تعليماته وأسلوبه وخططه، واضعين أنفسهم تحت تصرفه بما يحظى به لديهم من ثقة وإحترام كبيرين. الحديث عن جوزيه والبدري يعيدنا لمرحلة التحليق مجدداً، والتي أدرك الأول إنتهائها فقفز من المركب مسرعاً حفاظاً على إنجازاته التاريخية وذكرياته الرائعة في مصر، والتي لا يرغب في تعكيرها بإخفاقات سيتعرض لها الفريق طواعية أو مكرهاً حسب ما تقتضيه طبيعة المرحلة الجديدة، تاركاً تلميذه النجيب في مواجهة سهام النقد اللاذع بدلاً من الجميع. فكل من انتقد البدري وحمله وحده أسباب الخسارة لم يفكر ولو للحظة في أنه تولى الفريق في أكثر المراحل حرجاً، بدأت خلالها أثار أخطاء أكبر منه تظهر وتؤثر وتتراكم لتدفع الفريق دفعاً إلى الوراء، كما لم يفكر أحد في سبب وجوده على رأس الجهاز الفني للأهلي وهو الذي لم يتقلد هذا المنصب عنوة، بل جاءت به الإدارة التي يرأسها المتمرسان والفاهمان أكثر من غيرهما في كرة القدم حسن حمدي ومحمود الخطيب، حيث رأت الإبقاء على المدرب الذي فاز بالدوري العام الماضي رغم أنه لم ينجح في إدارة وحسم غالبية اللقاءات الكبرى لصالحه، كما أنها تخاذلت في توفير مطالب المدرب مثل الإبقاء على عماد متعب أو التعاقد مع مهاجم كبير يخلفه، بعدما كانت توفر لبن العصفور لجوزيه، كما أنها هي التي لم تحاسب البرتغالي على استنزاف النجوم وعدم التفكير في الاستعانة بالناشئين ولو في دقائق من اللقاءات السهلة، تاركة له حرية التصرف يبدد ثروات الأهلي البشرية كما يشاء دون الحفاظ عليها، فشاخ اللاعبون قبل الأوان. كما أن الإدارة هي التي واصلت السياسة الشرائية الخاطئة رغم وجود لجنة الكرة المحترفة، والتي لها رأياً هاماً ومؤثراً في التعاقدات، وضمت كل لاعبي وسط الملعب المتاحين بدلاً من سد العجز الحقيقي في بعض المراكز وكأن الفريق سيدخل في منافسة على لقب "أفضل دكة تضم إحتياطي الوسط بمصر"، وهي التي لم تستخدم فهمها الكبير لمنع ما يمكن أن يسببه شراء نجوم ثم الإحتفاظ بهم على الدكة من أزمات وخلافات، خاصة مع مدرب مازال يتحسس طريقه نحو المسار الصحيح، الأمر الذي أجبره على التسبب في ظلم واضح للشباب الصاعد الذيين أعدهم البدري وقدمهم للجماهير على شاكلة أحمد شكري وشهاب الدين أحمد وعفروتو وأيضاً لاعبين مثل الجزائري أمير سعيود والمظلوم عبد الحميد شبانة، وغيرهم. الخلاصة فإن لامبتي والكاف والحظ تم إتهامهم ظلماً وخطأً وجميعهم أسباب ثانوية في خسارة الأهلي التي لم تكن سوى نتيجة حتمية لإنتهاء مرحلة التحليق والعودة للواقع تواكب مع ظهور كان منتظراً لأخطاء تراكمية ترك الجميع البدري يواجهها منفرداً، وذلك رغم ما يعانيه من قلة خبرة وقصور واضح في السيطرة على اللاعبين وإفتقاد الشجاعة والجرأة لتنفيذ خططه والخوف الدائم من الإعلام حتى أنه اضطر للخروج بتصريحات غريبة عن عدم تشرفه بالإنتماء للقارة الإفريقية رغم أننا طالما ملأنا الدنيا صراخاً حول أفضليتنا الإفريقية وزعامتنا للقارة !! أما الحل فقد منحته ببساطة وعفوية جماهير الأهلي للإعلام والرأي العام ولإدارة ناديها أيضاً، عندما حملت البدري واللاعبين على الأعناق في المطار، وهي التي أثارت دهشة الجميع بتصرفها، لكنها كانت الوحيدة التي قررت أن تتصرف بشكل عملي لقطع وصلة النحيب والبكاء على اللبن المسكوب، وذلك ليس لأنها تثق في البدري أو تعتبره الأجدر لقيادة الأهلي، ولا لأنها راضية عن تصرفات اللاعبين الذين يتحملون جانباً كبيراً من المسئولية، بل لأنها أدركت قبل غيرها رغم بساطتها أنه لا سبيل للتغيير الآن وعلمت أن رحيل المدرب في منتصف الموسم هو أغبى قرار على الإطلاق قد تتخذه إدارة محترفة، وأن المساندة فقط هي ما عليها أن تقدمه لدعم مدرب ينقصه الثقة والجرأة لمساعدته للتركيز في الملعب بدلاً من البحث عن حجج يقدمها للإعلام عن الخسارة، وذلك حتى يحين الموعد المناسب لإتخاذ القرار الذي يقلل من حدة التراجع سواء بالتعاقد مع مدرب أذكى وأقوى كما حدث في بداية الألفية الجديدة الفترة التي سيطر عليها الزمالك، وكان يمر خلالها الأهلي بفترة تراجع أعقبت سبع سنوات من التألق والتحليق، لكنه لم يتلاشى تماماً وفاز بلقب إفريقيا وكأس مصر وكأس السوبر المحلي والإفريقي، أو بتحمل البدري حتى يكتسب الخبرات اللازمة التي تؤهله لقيادة الأهلي.