قطعت عملية انتقال السلطة في تونس خطوة مهمة أمس بإعلان تولي فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب الرئاسة مؤقتا وأدائه اليمين الدستورية, وبذلك جري طي صفحة نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي لجأ مع عائلته إلي السعودية بعد ساعات من مغادرته البلاد. ويأتي ذلك وسط مخاوف من انزلاق البلاد إلي الفوضي, بعد إطلاق النار بشكل عشوائي في شوارع العاصمة التونسية عصر أمس, ونسبت وكالة رويترز لشهود عيان أنهم شاهدوا مجموعات من رجال يرتدون ملابس مدنية يقودون سيارات, وهم يطلقون النار علي المباني والناس, وأوضح مصدر عسكري أن أفرادا علي صلة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وراء هذه الأعمال, لأنهم يريدون نشر عدم الاستقرار في البلاد, وقد اعتقل الجيش التونسي أمس المئات من عناصر الشرطة البارزين هناك, وتواجه هذه العناصر اتهامات بالمسئولية عن التصعيد الدموي للمظاهرات الحاشدة التي شهدتها البلاد. وقد أهاب الرئيس التونسي الجديد في بيان تلاه علي الشعب التونسي وبثه التليفزيون الرسمي أمس, بالشعب وبسائر القوي من أحزاب سياسية ومنظمات وطنية وجميع مكونات المجتمع المدني تغليب المصلحة الوطنية, ومؤازرة الجيش الوطني في استتباب الأمن, وأكد أن مصلحة البلاد العليا تقتضي تشكيل حكومة وحدة وطنية, وقد كلف المبزع أمس الوزير الأول محمد الغنوشي بتشكيل حكومة جديدة. وجاءت هذه التطورات بعد ساعات من الصراع وعدم وضوح الرؤية, فقد حسم المجلس الدستوري التونسي مسألة فراغ السلطة في البلاد, وذلك بإعلان أنه بموجب الدستور فإن رئيس مجلس النواب وليس رئيس الوزراء محمد الغنوشي ينبغي أن يتولي رئاسة البلاد مؤقتا, ويأتي ذلك خلافا لرغبة الغنوشي وفريقه, فقد سبق أن أعلن الغنوشي أمس الأول أنه تولي مقاليد الحكم مؤقتا, لأن الرئيس زين العابدين بن علي غير قادر مؤقتا علي أداء مهامه. إلا أن التليفزيون التونسي عاد أمس لينقل عن المجلس الدستوري وهو أعلي سلطة قانونية في البلاد في القضايا الدستورية أن انتخابات الرئاسة الجديدة في البلاد يجب أن تجري في غضون60 يوما أعتبارا من الآن. وأكد فتحي عبدالناظر رئيس المجلس الدستوري في تصريح بثه التليفزيون الحكومي أمس أن المجلس يعلن شغور مجلس الرئاسة بصفة نهائية, وأنه ينبغي الاحتكام إلي المادة57 من الدستور التي تنص علي أنه ينبغي أن يشغل رئيس البرلمان منصب الرئيس مؤقتا, وأن يدعو إلي انتخابات خلال فترة تتراوح ما بين45 و60 يوما. وقد بدا وسط العاصمة التونسية خاليا في الساعات الأولي من صباح أمس, بعد ليلة من التدمير والنهب في العديد من الأحياء, وذلك في الوقت الذي ساد فيه الغموض بشأن موعد انتهاء حظر التجول بسبب معلومات متضاربة. وقد عاشت عدة أحياء قريبة من وسط البلد ليلة من الرعب بسبب أعمال تخريب ونهب قامت بها عصابات ملثمين, وذلك بحسب شهادات مواطنين مذعورين نقلتها القنوات المحلية طوال الليل, وناشدت الجيش التدخل العاجل ضد هذه العصابات, وقد حلقت مروحيات للجيش ليلا فوق العاصمة في وقت تضاربت فيه الروايات بشأن هوية المسئولين عن أعمال العنف والنهب, فقد أشار بعض السكان إلي أن عناصر ميليشيات سابقة علي علاقة بمقربين من الرئيس السابق وراء ذلك. ولقي أمس نحو50 سجينا مصرعهم وفر العشرات عندما شب حريق أتي بالكامل علي محتويات سجن يقع علي بعد140 كيلومترا جنوبي تونس العاصمة كان يضم1200 سجين, وقال شهود عيان إن عشرات السجناء سقطوا برصاص الشرطة في أثناء محاولتهم الفرار. وقد جاب مئات الجنود شوارع العاصمة التونسية أمس قبيل اجتماع متوقع للغنوشي مع ممثلي جميع الأحزاب, في محاولة لتشكيل حكومة ائتلافية. وجاء استدعاء الجيش إلي الشوارع في الوقت الذي قال فيه سكان في عدة مناطق بالعاصمة التونسية, إن جماعات تجوب المدينة وتشعل النار في المباني وتهاجم الناس والممتلكات. وقد اصطف مئات السكان علي جانبي الشوارع حاملين قضبانا معدنية وسكاكين في محاولة لصد اللصوص في ضواحي الطبقة العمالية بتونس. ومن ناحية أخري, رحبت حكومة المملكة العربية السعودية أمس بوصول الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وأسرته إلي المملكة, وذكر بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي, أن حكومة المملكة إذ تعلن وقوفها التام إلي جانب الشعب التونسي الشقيق, فإنها تأمل في تكاتف أبنائه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه. وفي القاهرة: أعلنت وزارة الخارجية أمس, أن مصر تتابع باهتمام كبير التطورات المتلاحقة في تونس, علي أثر تنامي الاحتجاجات الشعبية, وأكدت الخارجية في بيان رسمي أمس, أن مصر إذ تؤكد احترامها خيارات الشعب في تونس الشقيقة فإنها تثق بحكمة الأخوة التونسيين وقدرتهم علي ضبط الوضع وتفادي سقوط تونس في الفوضي.