اسمي "حنان عادل"، بشتغل حاجات كتير، منها إني محررة في "كلمتنا"، بكتب شعر ومسرح وأفلام وقصص قصيرة وبصور "فوتوغرافيا" ومُدرّسة جغرافيا. الورقة اللي غيرت حياتي! اتخرجت في "كلية التربية"، وفي يوم كنت بعرض واحد من أفلامي في مركز بيهتم بإحياء وتنمية المناطق الفقيرة، فلقيت شاب بيوزع ورق، ولما مسكت الورقة، لقيتها إعلان بيقول "على الراغبين والراغبات في التدريب المهني على مهنة النجارة التقدم يوم كذا"ما صدقتش نفسي، لكن لإني معروفة بحب المغامرة، اتقدمت للتدريب! يمكن لإني اتولدت في عيلة كلهم رجالة، فطلعت بحب كل اللي الولاد بيحبوه، بحب الرياضة والكورة والعربيات، وبحب أشتغل بإيدي، وأصلح أي حاجة بايظة، ده غير حبي لعمل حاجات البنات طبعا، يعني مثلا علمت نفسي الخياطة، وإخواتي بقوا بيعتمدوا عليا سواء لما يكونوا عايزين يلعبوا كورة، أو لما يكون بنطلون واحد فيهم مقطوع ! بهتم بكل الفنون وأولها النجارة! أنا بدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد ومهتمة بالرسم والتصوير والغناء، ومن الفنون اللي ناس كتير ماتعرفش عنها حاجة "النجارة"، ده مش فن وبس، النجارة علم كبير، لازم يكون عند اللي عايز يتقنه خيال واسع ومخ فنان ورسام ومهندس! أنا قدمت في التدريب من غير ما حد يعرف خالص، لأني كنت خايفة ما أقدرش أتحمل التعب الشديد، فما رضيتش أقول لهم إلا لما لقيت نفسي خلاص اتعودت وقادرة أتحمل، ولما عرفوا إني اشتغلت "نجارة" افتكروني بهزر، لكن لما لقوني وصلت لمكانة كويسة فيها، فرحوا بيا قوي وشجعوني. قررت إني ما أرنش الجرس مهما حصل! أول يوم في الشغل، كنت خلاص قربت أنهار، و زي ما حصل مع "ديمي مور" في الفيلم اللي دخلت فيه الجيش، الكل كان مستني إني أرن الجرس وأطلب الانسحاب، لكني كنت مقررة أكمل مهما يحصل . كل زمايلي اللي دخلوا معايا التدريب كانوا يقدروا يرتاحوا في أي وقت، لكن أنا لو فكرت إني أقعد ولو خمس دقايق بس! كنت بلاقي العيون كلها متوجهة ناحيتي، ونظرات السخرية ملياها، وبيقولوا في سرهم: "طبعا بتدلع ..ماهى بنت"! البنات أجدع من الرجالة ! بعد شهر من التدريب، اتشجعت كام بنت من سكان المنطقة، "منى" والأختين التوأم "هاجر" و "مي" واتقدموا يتعلموا معايا، والحقيقة إنهم ملوا عليا وحدتي، البنات دول كانوا أجدع من رجالة كتير قابلتهم في حياتي، بس للأسف ما كملوش معانا، ورجعت لوحدي تاني ! كان المفروض إن المتدربين ياخدوا وقت معين، وبعدين يشتغلوا على المكن، أو يطلعوا بره تركيبات في المواقع، والحاجتين دول كانوا أكبر مجال منافسة بينا، هم بيقولوا إني عشان بنت كانوا بياخدوني المواقع نركب الخشب اللي فصلناه، وإذا كان ده صحيح في الأول، ليه بقى كانوا بياخدوني تاني وتالت ورابع إلا إذا كنت بالفعل بنجز لهم شغلهم؟ كان لازم أجرب عشان افهم أكتر! وعشان أتقدم اكتر، كنت أفضل كل يوم سهرانة للساعة 10 مساء،وأروّح البيت مقتولة، الأسطوات اللي كانوا بيسهروا، كانوا بيسمحوا لي أشتغل بنفسي على المكن وأعمل حسابات، صحيح إن المكن خطير، وممكن في أي لحظة يأذيني، بس كان لازم أجرب عشان أفهم أكتر، وأول حاجة عملتها، علبة بيتحط عليها الكمبيوتر، والجميل إنها لفتت نظر المشرفين والمدربين بتوعي! لما لقيت أحلامي في "المشربية"! وكان من خطوات التدريب إن كل واحد ينزل ورشة خارجية، فلفينا على الورش والمصانع، لحد ما رحت مصنع "المشربية" في "المريوطية"، ولما دخلت المصنع قلبي دق، لإني أخيراً لقيت اللي كنت بحلم إني أتعلمه، الشغل العربي القديم، قابلنا مدير المصنع م "حسن فايد شكري"، ولما شرحت له إني عايزة أتعلم الرسم والحشوات العربي، رحب بيا جداً. وفعلاً اتعلمت إزاي أرسم الأثاث وأعمل له مقايسات، واتقدمت لحد ما بقيت مساعد المدير وذراعه اليمين زي ما بيحب يسميني وكله بفضل ربنا سبحانه وتعالى ثم المهندس "حسن". استفدت .. ولسه عايزة أتعلم كمان والحقيقة إني استفدت كتير من شغلي، مثلاً ممكن أعرف نوع الخشب من ريحته، أعرف جودة الشغل، أعرف أعمل أثاث لبيتي بدل ما أشتريه، وفيه حاجات عمري ما هنساها، مش هنسى اللي عانيته عشان أتعلم، أو لما كنت هقع من الدور الرابع وأنا واقفة على "الثقالة" بركب بر شباك، ولا لما كنت بكعب أدراج "زان" بإيدي بشاكوش وأزميل لحد ما إيديا اتقطعت، ولا يمكن أنسى تعبي وأنا مروحة البيت بالليل ومع ذلك كلي تفاؤل وإقبال على الحياة. العمل في النجارة فن، على أد ما بتدي له .. بيدي لك..لكن لسه ياما قدامي حاجات عايزة أتعلمها. حنان عادل نشر في مجلة كلمتنا مايو 2008