في تلك الاجواء الشائكه السامه التي أراها ، والتي إمتزج فيها الحق بالباطل والصحيح بالخاطيء ، وتملكت الحيره من العقول والألسن ، وتحزبت الفرق وإنطلقت فيها التهم كالسهام المشتعله في الصدور ،كان لابد أن يكون هناك ترتيبا للافكار وتسلسل للمشاهد الدائره أمام الكاميرا . بدايه يجب أن نشهد جميعا علي الحق وأن نقوله في حياديه تامه وإحقاقا للحق ، وهذا الكلام ليس نحيباً ولا مزايده ، إنما فقط لإختلاط الأفكار والمفاهيم ، وهو ليس سبابًا علي أيه حال. عندما نتكلم عن الأيام السابقه ليوم التاسع عشر من مارس أي قبل الإستفتاء علي التعديلات الدستوريه ، كل ما حدث كان خاطئا منذ البدايه. وذلك لعده أسباب منها : إذا قلنا أن الشارع المصري يمتليء بالوعي فهذا صحيح لكنه وعياً منقوصاً فالجمهور المصري حقاً واعٍ في جوانب كثيره إلا في بعض الاشياء أهمها أنه غير واعٍ سياسياً ، وهذا أمر واضح وجلي للجميع فالحكومه السابقه كانت تلعب علي وتراً مهماً أفقد هذا الشعب الكثير ، فأبرز ما لعب عليه هذا النظام هو طحن المواطن وجعله لا يفكر في أي شيء سوي " لقمه العيش" ومن تلك الإنطلاقه أصبح المصري لا يهتم بأي شيء أخر سوي " أكل العيش " الذي يقضي ليله في التفكير فيه وفي نفقاته المتزايده مع غلاء الأسعار ، ونهاراً يفكر في يومه بأكمله في تحصيل أكبر قدر من النقود ، فإبتعد كل البعد عن السياسه وعن مايدور بها لاسيما ما يراه في الاعلام الوطني وفي الصحف القوميه التي لا توضح شيئا إلا ما تريد السلطه الحاكمه أن يصل اليه ، وتلك السياسه المتبعه معه كانت عن قصد وعمد وكانت غرضاً اساسي لبعده عن الحياه السياسيه وعن ما يحدث في رواقها وعن مسار الدوله وحكومتها فلا ينشغل إلا بنفسه وبقوته . ومن هنا فإن مسأله الدستور كانت أخر شيء يمكن أن يعلم عنه المواطن البسيط شيئاً ، فطبقاً للقاعده القرأنيه القائله " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " فكان لابد للقائمين علي الدوله والخبراء والمحليين السياسيين أن يقوموا بتوعيه المواطن البسيط عن ما يريدونه أن يصوت عليه سواء بالقبول أو بالرفض . فكانت أولى الأخطاء ترك المجلس العسكري وقياداته للمحطات أن تستضيف كل من هب ودب لكي يتحدث عن مايدور . فالشيء الصحيح في ظل جهل المواطن وسطحيه خلفيته السياسيه أن يقطع كل طرق الحيره والشك لديه . فكان لابد أن تقوم قيادات المجلس العسكري ورئيس الوزراء ورئيس المحكمه الدستوريه العليا والمستشار الذي كان يترأس لجنه التعديلات أن يقوموا بعمل لقاء يذاع في كل المحطات أو أن يقوموا بعمل مؤتمر صحفي يقوموا فيه بطرح المواد الأصليه للدستور والتعديلات المدخله عليها وأيضا ماذا سوف يحدث إذا كان مصيرنتيجه التصويت الموافقه عليه وماذا سوف يحدث إذا قوبل هذا الإستفتاء بالرفض وهنا يسكتوا عن الكلام المباح ولا يدلي أحداً منهم أو يصرح بموقفه الشخصي ورأيه في ذلك حتي لا ترسى أي قناعه لدي الجمهور جراء سماع أرائهم بشأن ذلك . ولا ينطق أحداً سواهم إلى أن ينتهي هذا الاستفتاء . لكن ما حدث كان قمه الإنفلات وترك مساحه حريه في غير مكانها أو نصابها فتركت المحطات علي مصرعيها تتسابق في أيهما تقوم بسبق إعلامي قبل الأخرى ، وكذلك الصحف فأخذت كل واحده منهم تستضيف هذا وذاك من كتاب ومفكرين ودستوريين وحقوقيين وممن ينون الترشح للإنتخابات الرئاسيه القادمه ، والأخرى تنشر أراء نخبه من الكتاب المؤثرين والمشكلين للوعي الجماهيري الذين يحظون بثقه الجماهير فكان الاعلام والصحافه شبيهين بدورات المياه العموميه يمر عليها قاطني المنطقه وعابري السبيل !! فكل ذلك لم يضع المواطن علي الطريق الصحيح في إختيار حر منزه لا يشوبه شيء ، فكبلوا إراده الناس وزادوهم حيره وبلبله (هذا بخلاف الكليبات المصوره للمشاهير من كل الميادين والأطياف والتيارات لتقول للناس أرفضوا التعديلات ) ومن المعروف أن لكل منهم مريدين ومناصرين وسوف ينصاعوا لأفكارهم بمجرد رؤيتهم . كان هذا شقاً .. أما الشق الاخر فكان للجانب الديني الذي يتعصب الجميع ويتحزبون اليه معصوبي الأعين وكان لرجال الدين الإسلامي والمسيحي وأحزاب المعارضه والأحزاب الإسلاميه رأياً أخر ودوراً كذلك ، وفي ذلك حدث ولا حرج ! رأينا السلفيين إعتلوا منابرهم وسنوا خطبهم ليقنعوا الناس بأن يوافقوا علي التعديلات الدستوريه ، ونظرا لأن هذا التيار له تأثيراً في الشارع المصري فكان لابد أن يقتنع الناس بما يقولون فسمعاً وطاعه ولا تفكير . من أجل الاستقرار وحمايه الماده الثانيه من المساس، التي إن وضعوا دستورا جديداً وأرادوا المساس بها لفعلوا . فكان من الطبيعي أن من سيرفض التعديلات من منظورهم كل ماهو غير مسلم !!! والشوط الثاني من تلك المباراه الدينيه كان للإخوان المسلمين حيث جندوا كل شيء ليوافق الشارع المصري علي التعديلات ، فملئوا جميع شوارع مصر بالملصقات وعقدوا الندوات والإجتماعات والتحدث إلي الناس وإقناعهم أن الصالح الإسلامي والصالحي العام يوجب الموافقه ، هذا بخلاف باقي الاساليب ( من مكبرات الصوت التي تعلوا السيارات والافتات الكبيره المعلقه في الشوارع ، نهايه بإصدارهم فتوى بأن المشاركه في الإستفتاء والموافقه عليها " واجب شرعي " الشوط الثالث أو الوقت الإضافي : كان للقساوسه الذين علوا مقاعدهم وسنوا خطابهم وأخذوا يبثون كلمات مسمومه لتغيير قناعات رعاياهم الذين سينساق الكثير منهم لهم بالتأكيد ، وأخذوا يحذرونهم من خطوره التيارات الإسلاميه وخاصه الإخوان المسلمين وأن الموافقه ليست في صالحهم مع التهويل بأن الإخوان هم العنقاء التي تأكل الأخضر واليابس مع قليلا من تغيير الماده الثانيه هذا بخلاف حمله رجل الأعمال المشهور الذي بث حملته لرفض التعديلات . قولوا لي يا ساده أليس هذا تجنيدا صريحا للدين لتسيير المصالح وتغليبها ؟؟ أليس حراما ومرفوضا إستغلال الدين في نشر أقاويل مكذوبه ونشر دعاوى دينيه بإسم الله والله منها براء؟؟ رأينا من يعلن عن موافقته علي التعديلات دون أن يعلم لماذا وافق ؟؟ ورأينا من أعلن رفضه دون أن يعلم لماذا رفض؟؟ لا نقول أن جميع من قالوا "نعم" تم التأثير عليهم وكذلك لا نقول أن كل من قالوا " لا " تم التاثير عليهم أيضا ولكن تم التأثير علي الكثيرين بالفعل أين الحريه في كل ذلك ؟؟ أين الإختيار الحر والعقل المفكر والإراده المنفرده التي لم يشوبها شيء ؟؟؟ كل ما تم قد أثر علي الناس سواء بالسلب أو بالإيجاب ، مما سلب منهم حريتهم وتفكيرهم الحر فلماذا نصبت تلك الجهات وصايتها علي الشعب ؟ فلا يقول لي أحداً وعيا دينيا فنحن نعلم أن النظام السابق نجح أيضا في تغييب الناس عن السياسه والدين فإنقسم الناس بين متشدد وبين مغيب والفئه المعتدله قله ، والكارهين للدين في إزديادّ فهل هذا ذنب الدين أم ذنب سفراءه ودعاته ؟؟؟؟؟ كنت أتمني أن تكون هذه أول تجربه ديمقراطيه بحق نزيهه بعيده عن التأثير والضغط علي الناس بطرق مقززه ورخيصه ، فالخطأ أول طريقه في التعلم ، فإني كنت أعلم مسبقاً أن تلك التجربه لن تكون مثاليه ، لكن لم أتوقع أيضا أن تكون كذلك . وفي جميع الأحيان يجب أن نذكر أن جميع الأحزاب السياسيه مهما كانت أهدافها تتشابه في أن كل منها يريد مصالحه وتتباين في اساليب تحقيقها ، ولا أحد منهم يريد مصلحه المواطن في المقام الأول ، فلابد أن نري الحقيقه كما هي ولا ننقسم أو نتحزب ولا ننسي أننا أبناء وطن واحد مهما إختلفنا ، فدور رجال الدين والسياسيه والأدب هو التوعيه بما هو صحيح وليس بما يقتنعون به من أراء وتجارب شخصيه . وبناء علي الذي رأيناه فليلتزم كل منهم دار عبادته ويترك الخيار للمواطن المطحون الذي يعاني من الوصايه عليه في كل شيء ولا أحد يشعر . وفي جميع الأحيان إن هذه التجربه سوف تصقلنا وتعلمنا لمرات قادمه ماذا نريد ، وكيف نحقق ما نريد ، بعيداً عن السلطات الأبويه ممن يلقون أوامرهم وسمومهم وهم في أبراجهم العاجيه غير شاعرين ولا عابئين ، الذين يظنون أنهم يحملون تفويضا من الله لتحريك الناس كعرائس الماريونت كما يريدون. كان كل الكلام السابق رصدا لما حدث لتبصير من إلتبس عليه الأمر ومازال يدافع عن حزب ويتعصب من أجله ويراه معصوماً أما الأن كفانا تهجماً وإلقاءاً للتهم ودعونا نري ما يجب علينا فعله ، فمصر تحتاج الكثير والكثير حتي ترقى وتعود مصر القديمه التي كانت مناره الشرق والغرب ومهد الأديان والحضارات وفقنا الله جميعا للعمل الجاد والمثابره حتي نصل إلي ما نريد وتذكروا جميعا قول الله تعالي " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ " فإن التجمع جداراً منيعا ً والتفرق يجعله مليئاً بالثقوب . لينك النوت على الفيس بوك