صرح "مولن يري" رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة في بغداد بأن هناك تحديات سياسية صعبة تعترض توصل القادة العراقيين لقرار نهائي بشان تمديد بقاء القوات الأمريكية حتى نهاية العام الحالي . وقال مولن في مؤتمر صحافي عقب اجتماعه برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس العراقي جلال طالباني أنه لابد من إسراع القادة العراقيين في إنهاء هذه المسالة بسرعة , والدخول في مفاوضات مع الولاياتالمتحدة . وعلي الرغم من أنه من المقرر انسحاب الجيش الأمريكي من العراق بنهاية العام الجاري وفقا لاتفاقية أمنية موقعة بين بغداد وواشنطن إلا أن أمريكا قامت مؤخرا بنشر 47 ألف من قواتها في العراق وهو ما يؤكد الضغط الأمريكي علي العراقيين من أجل دفعهم إلي طلب تمديد البقاء الأمريكي إلي ما بعد نهاية العام . وهو ما يظهر جليا في التقارير الأمريكية الأخيرة حول الوضع الأمني للعراق وارتفاع حصيلة أعمال العنف حيث أشار تقرير صادر عن هيئة مراقبة أميركية أن الوضع الأمني في العراق تراجع مقارنة بعام 2010 في إشارة للدور الأمريكي في حماية وحفظ العراق . وقال "ستيوارت بوين" المفتش العام الخاص لإعادة اعمار العراق أن" العراق لا يزال مكانا في غاية الخطورة للعمل وأنه الآن أقل أمانا مما كان عليه قبل 12 شهرا . تسابق المسئولون الأمريكيون في التأكيد علي تردي الوضع الأمني في العراق حيث أشار تقرير صادر عن وكالة " فرانس برس " أن حصيلة القتلى العراقيين في أعمال عنف ونزاعات طائفية والذين بلغ عددهم 259 عراقيا قتلوا وجرح 453 آخرون في يوليو الماضي , وأكدوا علي أنها ثاني أعلى حصيلة شهرية هذا العام فضلا عن قتل خمسة عسكريين أميركيين في يوليو الماضي ما يرفع عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية إلى 4474 منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003 . وتأتي تصريحات القيادة العراقية متماشية مع الرغبة الأمريكية في الاستمرار, حيث قال المالكي أن القوات العراقية بحاجة إلي بقاء مدربين ومستشارين أمريكيين. وذلك علي الرغم من أن أسلحة ومعدات الجيش العراقي ليس منشأها أمريكي مما لايستوجب الإبقاء علي مدربين ومستشارين أمريكيين ، وذلك وفقا لأراء بعض العسكريين وأعضاء لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي , . وفي نفس السياق تمسك الطالباني بنتائج التقارير الأمريكية للتأكيد علي عدم قدرة الجيش العراقي علي حفظ الأمن وحماية الحدود وصد الاعتداءات الخارجية . وتأتي هذه المواقف الملتبسة للقادة العراقيين في ظل أزمة سياسية خانقه، افتعلت في بعضا من جوانبها ، مما يحملنا علي توجيه أصابع الاتهام لجهات وأطراف سياسية تستفيد من الوجود الأمريكي في العراق . ويبدو ذلك طبيعيا مع استعراض الخلفية المتناقضة لتصريحات الساسة العراقيين من النواب ورجال السلطة الذين طالما نادوا بانسحاب القوات الأمريكية من العراق في حين أداءهم وسلوكهم علي مدي سبع سنوات قدم لأمريكا الحجج والمبررات لوجودهم , فعدم التوصل لحكومة شراكة وطنية وغياب مفهوم المواطنة من ذهن الحكومة العراقية الجديدة , وانتشار الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة وضعف الخدمات , وعدم قدرة الجيش علي ضبط الأمن وحماية البلاد مما أدي لتدمير حياة العراقيين بسبب فشل القيادات السياسية في إدارة شؤون البلاد وعدم تمكنهم من بناء دولة مؤسسات ديمقراطية تحترم المواطن ، وهو ما أعطي لأمريكا الفرصة كاملة للمطالبة ببقاء قواتها العسكرية في الوقت الذي اقترب فيه الموعد المحدد لخروجها من العراق . ولا تتوقف الأزمة العراقية عند حدود الضغط الأمريكي بالبقاء فإيران تستخدم العراق وسيلة للضغط علي أمريكا لرفع يدها عن سورية وليس أدل علي ذلك من الرسالة التي حملها "الطالباني "من علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية إلي كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية خلال مؤتمر مكافحة الإرهاب في طهران , "إذا ظل الأمريكيون يضغطون علي سورية كما يفعلون حالياً، فإننا سنزيد الضغط عليهم في العراق". وهو ما يظهر جليا في تصعيد إيران العسكري علي الحدود العراقية وتكثيف قصف المدفعية لمناطق وقري في إقليم كردستان، وتوغل قواتها داخل الأراضي العراقية ، لإظهار عدم قدرة القوات العراقية علي صد الاعتداءات الخارجية وحماية الحدود بما يؤكد علي أهمية القوات الأمريكية خوفا من التدخل الإيراني في العراق . ولم تلقي هذه التدخلات الإيرانية أي ردود فعل من قبل الحكومة العراقية من أجل التأكيد علي فكرة ضعف العراق وحاجتها إلي أمريكا .وهو ما يلقي قبولا شديدا من القيادة العراقية . وتأتي المصلحة الإيرانية متقاطعة تماما مع تمديد البقاء الأمريكي في العراق , لاستمرار نزيف القوات الأمريكية وبقاء المواقف الأمريكية تحت ضغط المطرقة الإيرانية.والتي تلوح من حين لأخر بغزو العراق وشن غارات عسكرية علي الحدود , وتقدم أمريكا لإيران باستمرارها في العراق فرصة ذهبية خاصة مع المخاوف الإيرانية بامتداد الثورات العربية لطهران بحيث تظل أمريكا منخرطة في عملياتها العسكرية بالعراق بدلا من دخول الصراع الأمريكي الإيراني مرحلة التصعيد ضد طهران أو احتمالية نشوب حرب إقليمية شرسة للإطاحة بالنظام الإيراني في حال توفرت العوامل المساعدة علي ذلك. إذا تخلص الأمريكيون من جحيم المستنقع العراقي الذي شكل عبئا كبيراً عليهم ، وهو ما يتنافي مع المصلحة الإيرانية .