أقر السيد حمادي الجبالي الذي إستقال مساء الثلاثاء من منصبه كرئيس للحكومة. أقر بفشل مبادرته تكوين حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة بعد أن إصطدمت هذه المبادرة بإعتراض حزبي النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية خصوصاً رغم الإجماع الذي حصل حولها من بقية الأحزاب بإستثناء الجبهة الشعبية التي عارض الناطق الرسمي بإسمها "حمة الهمامي" المبادرة ودعا إلى تكوين حكومة أزمة لإخراج البلاد من الأزمة التي تردت فيها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً . وقد كان الكثير من التونسيين وأنا منهم يعلقون أمالاً كبيرة على مبادرة السيد حمادي الجبالي ويرون فيها الحل المناسب للخروج من عنق الزجاجة. ومن هنا جاءت المساندة شبه الواسعة للمبادرة وصاحبها ، وقرأ الكثيرون الصدق في إخلاص الرجل لمبادرته وتقديره للوضع الصعب الذي تمر به البلاد والذي يتطلب ضرورة حكومة كفاءات غير متحزبة تستطيع أن تقوم بعملها بعيد عن تأثير الصفة الحزبية أو السياسية للوزير. إلا أن هذه المبادرة إصطدمت منذ البداية برفض حزبي النهضة والمؤتمر وهو ما جعل المشاورات بشأن تجسيمها تتعثر رغم توسيع دائرة المشاورات لتشمل أغلب الأحزاب السياسية على الساحة بما في ذلك حزب نداء تونس الذي كانت حركة النهضة ترفض الجلوس معه على نفس الطاولة. وتوسم الجميع الخير في المساعي الرامية إلى التوصل إلى إتفاق جماعي حول تكوين حكومة كفاءات وطنية. وكان بإمكان المبادرة لو نجحت أن تجنب البلاد تاثيرات الأزمة الخانقة التي تردت فيها وتنتقل بها من طور إلى طور جديد ومن مرحلة شديدة القتامة والإحتقان السياسي إلى مرحلة تزرع الأمل في نفوس التونسيين سمتها الإنفتاح والتسامح والإتفاق على مصلحة الوطن الكبرى. والوطن فوق الأحزاب وفوق مصالح الأفراد خصوصاً وأن المبادرة جاءت بعد حدث هز البلاد وكان بحجم الزلزال وهو حادثة إغتيال الشهيد شكري بلعيد. لا أريد ان اصدق ما ذهب اليه عدد من المحللين من أن الإعلان عن المبادرة كان مجرد سيناريو محبوك ومدروس لإمتصاص غضب الناس بعد حادثة إغتيال الشهيد شكري بلعيد والإشارة بأصابع الإتهام إلى حركة النهضة وحتى إلى زعيمها بشكل مباشر بالضلوع في حادثة الإغتيال لأن هذا الأمر يحتاج إلى تدقيق ولكن الثابت أن النهضة شعرت بالعزلة بعد حادثة الإغتيال وهو ما أشارت إليه بوضوح إحدى الصحف الأمريكية الكبرى مؤخراً. فكان لا بد من إختلاق هذا السيناريو وجاءت المبادرة من رئيس الحكومة الذي هو في نفس الوقت الأمين العام لحركة النهضة وكأنها إنقاذ لحركة النهضة بعد تهري شعبيتها لدى الشارع العريض. لا أريد أن أصدق شخصياً هذا السيناريو الخطير والرهيب في نفس الوقت وسأظل على رأيي الذي أبديته في مقالات سابقة من أن مبادرة السيد حمادي الجبالي كان لو كتب لها النجاح والذهاب بها إلى الأخر أن تشكل أداة للعبور بتونس إلى وضع أفضل. وكان على الجميع وفي المقدمة أحزاب الترويكا أن يدركوا حساسية المرحلة التي تتطلب التحلي بالتواضع حتى ولو كان صاحب الكتلة الأكبر في المجلس التأسيسي. وأعتقد مخلصاً أن أحد أسباب الأزمة التي نعيشها فضلاً عن تعقيدات النظام البرلماني الذي تم إختياره هو ما أشار إليه الوزير سمير ديلو ذات مرة وهو عدم تحلي الفريق الفائز بالتواضع وعدم تحلي المعارضة بالمسؤولية فلا الفائز يعتقد أن فوزه يسمح له بالتعالي ومحق كل مبادرة فيها خير للوطن ولا المعارضة يجب ان ترى كل الاشياء بمنظار أسود. وأنا هنا لا أقيم مردود الحكومة فهناك إجماع على فشلها على جميع المستويات ولولا فشلها ما وصلنا إلى هذه الأزمة الخانقة حيث يكاد ينهار كل شئ ونحن على وشك ضياع الدولة نفسها. إن بلادنا اليوم في حاجة إلى تحلي الكثير من السياسيين بالتواضع ومراجعة النفس فمن منحك الشرعية اليوم يمكن أن يتراجع غداً وهو أمر مؤكد في المسألة الديمقراطية. ويضعنا فشل مبادرة السيد حمادي الجبالي وتقديم إستقالته اليوم من منصبه أمام عدة تساؤلات. أولها : أي مستقبل للترويكا اليوم خصوصاً بعد تفتت حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وتوالي إستقالات أعضائه وأخرها إستقالة أمينه العام وهو اليوم حزب يعيش حالة إنفجار من الداخل ؟. وثاني الأسئلة : أي مستقبل للسيد حمادي الجبالي وقد أكد مرة أخرى أنه في مستوى تعهداته بتقديم إستقالته بعد فشل مبادرته ؟.