أخيراً أقر السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة بفشل كل المشاورات التي تمت على إمتداد أسابيع بين حركة النهضة وعديد من الأحزاب السياسية من جهة وبين رئاسة الحكومة وهذه الأحزاب من جهة ثانية من أجل التوصل إلى إتفاق يساعد على تشكيل حكومة جديدة .. وبالتالي لم يتم الإعلان مساء السبت عن التحوير الوزاري المرتقب. وقال رئيس الحكومة : أن الأمر سيرفع الآن إلى المجلس الوطني التاسيسي لتشكيل الحكومة وإذا عجز المجلس في التوصل إلى إتفاق حول تشكيل هذه الحكومة فسيضطر هو إلى إستعمال صلاحياته وتكوين حكومة يرى في أعضائها الكفاءة والقدرة على أداء المهام الموكولة إليها للمرور في أقرب وقت إلى إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية قبل الخريف القادم كاقصى تقدير. إنه من المؤسف حقاً أن يتحول التحوير الوزاري إلى مشكلة المشاكل في تونس ويجد رئيس الحكومة نفسه عاجزاً عن تشكيل حكومة جديدة يمكنها أن تواصل تسيير البلاد إلى أن يحين موعد إجراء الإنتخابات التي أن أمرها لم يحسم بعد بما يطمئن التونسيين. ورد هذا في إعتقادي يعود إلى التجاذبات السياسية بين الأحزاب وعدم تنازل حزب حركة النهضة عن بعض طلباته وخاصة تمسكه بوزارات السيادة وعدم التفريط فيها في نفس الوقت الذي تتمسك فيه أحزاب أخرى برغبتها في حصول تغيير في وزارات السيادة بالنسبة للحزبين الحليفين وهما المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل. أما بقية الأحزاب الأخرى التي تم الإتصال بها وخصوصاً الحزب الجمهوري وكتلة وفاء والتحالف الديمقراطي والتي رفضت جميعها الحكومة الجديدة فقد بنت رفضها على جملة من المعطيات .. أولها : أن يكون التحوير مبنياً على برنامج يشكل قاعدة الحكومة الجديدة .. وثانيا : حيادية وزارات السيادة وهي الداخلية والعدل والخارجية وهو أمر ترفضه حركة النهضة. لقد حاولت النهضة الإستعاضة عن رفض الأحزاب المشاركة في الحكومة بعرض المنصب الوزاري على عدد من الأشخاص والسياسيين وهناك من قبل لأن المنصب بالنسبة للبعض يسيل اللعاب وفرصة لن تتكرر. وقد رأينا من يقبل عن ظواعية تقديم إستقالته من الحزب الذي ينتمي إليه ويعلن قبوله المنصب ودخول الحكومة كمستقل. وهو ما دعا "عصام الشابي" الناطق الرسمي بإسم الحزب الجمهوري بأن النهضة تمارس عملية تحويل وجهة لعدد من الشخصيات التي أغوتهم بالمنصب الحكومي وقبوله بصفتهم مستقلين. وهو ما أثار أيضاً حفيضة عدد من الملاحظين الذين ذهبوا إلى حد وصف هؤلاء بخيانة أحزابهم ومبادئهم ومن خان حزبه لا يمكن الثقة به في الحكومة. إذن وبعد تشويق إستمر لأشهر حيث أن الحديث عن التحوير الوزاري في تونس بدأ منذ شهر جويلية الفارط. بعد كل هذه المدة الطويلة وصلنا إلى الحلقة الأخيرة من مسلسل التحوير الوزاري ليعلن رئيس الحكومة فشل المفاوضات والإتصالات وبالتالي تعذر تشكيل الحكومة الجديدة. إن الموضوع على غاية من الخطورة وتتجاوز المصالح الضيقة للأحزاب إلى مصلحة تونس ومصلحة الوطن العليا التي تتطلب من الجميع التخلي عن أنانيتهم ومصالحهم الضيقة. فأوضاع البلاد في تدهور مستمر إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وفي كل يوم تطالعنا الأخبار بإكتشاف أوكار ومخازن للأسلحة في تهديد صريح وواضح لأمن البلاد وإستقرارها وصندوق النقد الدولي يضع شروطه المجحفة التى تخفس رغبته في وضع يده على القرار السياسي في البلاد مقابل منحنا قروضاً .. وبؤر التوتر أصبحت في كل مكان ما إن تهدأ في منطقة حتى تندلع في أخرى وتهديدات القاعدة للبلاد أصبحت واقعاً لا يخفى على أحد. وأمام كل هذه الأخطار التي تهدد الوطن مازالت أحزابنا تتعارك على إقتسام الغنائم إن بقيت غنائم طبعاً وبعد مفاوضات ومشاورات إستمرت لأشهر وأسابيع نعجز عن تشكيل حكومة.. ولا يريدون منا أن نتأسف على زمن بورقيبة أو حتى زمن بن علي عندما كانت الدولة دولة وكانت لتونس مهابتها ووزنها بين الأمم. فعلاً لا يملك الإنسان في مثل هذا الوضع إلا أن يتذكر ذلك البيت الشعري المعبر جداً : ذهب الحمار بأم عمرو ... فلا رجعت ولا رجع الحمار