تمر اليوم سنتان على ثورة الرابع عشر من جانفي "يناير" 2011 والتي كانت شرارتها الاولى قد انطلقت من مدينة سيدي بوزيد في السابع عشر من ديسمبر 2010 عندما اضرم محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على ما لحقه من اهانة وقد كان بائع خضار على عربة متنقلة ..وبعد مرور سنتين على الثورة يقف التونسيون اليوم حائرون وقد اصابهم الاحباط واليأس .. الى اين نحن سائرون ؟ .. فقد تعقدت اوضاعهم المعيشية وازداد عدد العاطلين عن العمل وتقهقر اقتصاد البلاد وازدادت الاوضاع الاجتماعية تعقيدا. حتى ان عديد الاحزاب والجمعيات دعت الى عدم الاحتفال بذكرى الثورة طالما ان الاحتفال هو احتفال بالانجازات والمكاسب وبتغيير الاوضاع نحو الافضل وبما ان لا شئي من هذا قد تحقق فلا يكون للاحتفال بالثورة اي جدوى. واجمع جل التونسيين الذين التقتهم امس واليوم قنوات تلفزية واذاعية تونسية وعربية لمعرفة ارائهم بعد سنتين من الثورة انهم يشعرون باحباط وبخيبة امل كبيرة وان البلاد قد تاخرت كثيرا الى الوراء. حتى ان الكثيرين منهم تمنى عودة الرئيس الذي اطيح به في الرابع عشر من جانفي "يناير" زين العابدين بن على وترحموا على ايامه عندما كان المواطن يشعر بالامن والاطمئنان ولم تكن الاسعار ملتهبة كما هي الان ولم يكن اقتصاد البلاد على الحالة الصعبة التي هو عليها اليوم والتي تنذر بالخطر في قادم الايام. لقد سرقت الثورة من قبل اناس لم يقوموا بها ولم يشاركوا فيها اصلا . هكذا يقول لك اي مواطن تونسي تساله عن رايه في الثورة بعد سنتين. وتلاقي الحكومة الحالية المتكونة من ثلاثي النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل انتقادا لاذعا من قبل التونسيين الذين يرون ان هذه الحكومة التي تقودها حركة النهضة ذات التوجهات الاسلامية قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق اهداف الثورة والاستجابة لانتظارات المواطنين ولم تستطع ان تتقدم بالبلاد قيد انمله .. بل تاخر وضع البلاد خمسين سنة الى الوراء على راي احد السياسيين. حكومة تريد ان تغير نمط المجتمع وسلوكياته واصبحت العديد من المكاسب الاجتماعية والسياسية مهددة اليوم وتفشت مظاهر اجتماعية خطيرة لم يالفها المجتمع التونسي من قبل مثل ظاهرة الزواج العرفي التي بدات تبرز بشكل لافت في الاوساط الجامعية والاحياء الشعبية الفقيرة وبروز اصناف من الجريمة الخطيرة وانتشار حالات التسيب والاهم النظرا لهشاشة الدولة. يذهب التونسيون الى القول بان الحياة اصبحت صعبة وان المناظق المهمشة والتي ثارت في وجه بن علي مثل سيدي بوزيد والقصرين ومنزل بوزيان والرقاب وسليانه ازداد تهميشها ولم تستطع الدولة ان تحقق فبها انجازات تطمئن المواطنين وتضمن لهم الشغل وجاءت الاحداث الاخيرة التي شهدتها عديد الجهات الداخلية مثل سيدي بوزيد وسليانة والقصرين واخرها بنقردان وصفاقس لتؤكد ان الجهات الداخلية تنتفض من جديد وان الاوضاع فيهذه المناطق من التردي ما لم يعد بمقدور المواطن تحمله..وهو ما عبر ت عنه سيدي بوزيد بكل قوة يوم 17 ديسمبر الماضي عندما رشق اهلوها منصة الرئيس المرزوقي ورئيس المجلس التاسيسي بن جعفر بالحجارة وحبات البرتقال. سنتان بعد الثورة والتونسيون يشعرون بخيبة امل وباحباط كبيرين .. ومما زاد الوضع تعقيدا التجاذبات السياسية بين الاحزاب التي يبدو انها تعيش على هامش القضايا الحقيقية للناس واكثر ما يهمها هو الوصول الى الحكم وازاحة النهضة التي تحكم البلاد اليوم ..محاولين استغلال ما عليه الحكومة من ضعف وهشاشة للاجهاض عليها مستغلين حالات الاستياء التي بات يعبر عنها المواطنون اليوم وكانهم خدعوا في هذه الحكومة بعد ان منحوها ثقتهم في انتخابات 23 اكتوبر 2011. النهضة لم تنتظر طويلا لكي تبسط هيمنتها على كل مفاصل الدولة مركزيا وجهويا وتعطي لنفسها الحق في الاستئثار باغلب المناصب والامتيازات وهو ما جعل التونسيين يتحدثون عن اقتسام غنائم واهمال قضايا اساسية تهم المواطنين وقد ساهم هذا ساهم في تدني شعبيتها وبروز احزاب جديدة تكتسح اليوم الساحة السياسية بشكل لافت وتشكل خطرا على حركة النهضة مثل حزب نداء تونس والجبهة الشعبية التي تراهن على خيارات اساسية لا يرضى عنها اغلب التونسيين بديلا وهي مدنية الدولة وحرية المعتقد والحرية الشخصية في كل مظاهرها وعدم الرجوع في مكاسب المرآة ونشر الثقافة وفق قواعد الحداثة والتنوير بعيدا عن استيلاب العقول. ولعل اوسع الابواب التي كان يمكن لحركة النهضة ان تدخل عبرها هي ابواب حرية الثقافة ودعم كل اشكال الابداع الفكري . لا التنقيص في ميزانية وزارة الثقافة ومحاولة الهيمنة على الاعلام وادخاله بيت الطاعة واتباع والصاق تهم الولاء للعهد السابق لمن لا يسيرون في ركبها والصاق صفة الازلام بمعارضيها او منتقديها وهو ما اشاع جوا من النقمة والسخط على الحكومة وحزب النهضة تحديدا الذي توجه له اليوم انتقادات لاذعة من قبل خصومه بانه اكبر من ركب على الثورة وانه لم يشارك في الثورة باي شكل من الاشكال وان وصوله الى الحكم كان على اساس ان الشعب يتوسم فيه الخير انطلاقا من مرجعيته الدينية وان جماعته يخافون الله .بعد ان ملوا من حكم بن علي خصوصا خلال سنواته الاخيرة التي شهدت بروز عصابة الطرابلسية المدعومة من زوجة الرئيس خصوصا ..وتحظى بالحماية ولذلك كان الشعار الرئيسي الذي رفع اثناء الثورة هو "التشغيل استحقاق .. يا عصابة السراق" الى جانب شعرات اخرى تدعوالى تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية. سنتان بعد الثورة .لم يتحقق فيها اي شئي جديد واصاب التونسيين الاحباط والياس خصوصا بعد تنامي احداث العنف وقطع الطرقات والاعتصامات وبروز عصابات جديدة اخذت مكان عصابة الطرابلسية..وبدات تلوح ملامح افلاس اقتصادي في الافق. واذا كان الوضع هو بهذه الصورة القاتمة فباي نجاحات سيحتفل التونسيون. ومن هنا نفهم غضبهم حتى ان الكثيرين باتوا يلوحون بثورة جديدة سيما وان شهر جانفي اقترن على مر تاريخ تونس بانه شهر الانتفاضات والحراك الشعبي التي تبدا من المناطق الداخلية حيث يشعر اهلها قبل غيرهم بالاحباط والياس وتتدنى حالات الفقر والبطالة الى ادنى درجاتها. اين الدستور ؟ .. سؤال يطرحه التونسيون الذين يرون ان المجلس الذي انتخب من اجل صياغة الدستور في ظرف سنة لم يف بوعوده وتحول الى حلبة للصراعات والنقاشات البيزنطية والخصومات الهامشية وهي كلها اشياء لا تعني المواطن التونسي او من قريب وهو ما زاد في الطين بلة. فهل حققت ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها ثورة تونس التي كانت الاولى والبداية حلم المواطن العربي ؟؟ .. ام انها كانت انتفاضات لتغير نمط الحكم بدعم من جهات خارجية واحلاص الاحزاب ذات المرجعية الدينية على سدة الحكم ؟ .. على الاقل هذا ما يقوله المواطن العادي اليوم وحتى جانبا كبيرا من المثقفين وقد لا يكون هذا الراي صحيحا ولكنه مع ذلك لا يخلو من صواب.