أؤمن كثيراً بنظرية المؤامرة وخاصة فى وقت كوقتنا هذا ولا أخذ بظواهر الأمور مطلقاً ولكن ببواطنها، ومن لا يؤمن بنظرية المؤامرة فى هذه الأوقات فعليه أن يعيش غير فاهمٍ وغير واعٍ لما يجرى من حوله، وبالتالى سيأخذ قرارات خاطئة ربما تبدو فى الظاهر أنها قرارات صحيحة وصائبة ومع الثورة ولكنها فى باطنها قد تكون قرارات تخدم أهداف أعداء الثورة. فى إنتخابات الرئاسة المصرية لم يكن أحد من المصريين يتوقع مطلقاً أن يأتى الفريق أحمد شفيق للإعادة على منصب رئيس الجمهورية فقد كانت كل التوقعات تصب لصالح عمرو موسى، بل أكد الكثيرون أن عمرو موسى هو مرشح المجلس العسكرى، كما كانت كل التكهنات أيضاً تشير إلى أن أبو الفتوح هو مرشح الإخوان المستتر .. وقد ظل عمرو موسى وأبو الفتوح فى مقدمة كل الإستبيانات مما جعل من شبه المؤكد أن جولة الإعادة ستكون بين الإثنين (موسى – أبو الفتوح). إلا أن الأغلبية قد صُدمت بعد نجاح شفيق فى الجولة الأولى وليس عمرو موسى ليصعد إلى جولة الإعادة، وصُدمت أيضاً لنجاح "الإستبن" وليس أبو الفتوح .. وقد أثار هذا الأمر دهشة الجميع وقتها وقبلوا بالتحليل السهل أن شفيق هو فى الحقيقة مرشح المجلس العسكرى وأن مرسى هو مرشح الإخوان. وأنا من هؤلاء الذين أصابتهم الدهشة، إلا أننى سرعان ما أدركت أن هذه النتيجة التى وصلت إليها جولة الإنتخابات الأولى كانت مدبرة بخطة محكمة ومنطقية للغاية. فقد كان مطلوباً أن يكون المرشحان اللذان سيصلان لجولة الإعادة على طرفى نقيض ويكونان من التيارات اللاوسطية لنجد أنفسنا أمام إنتخابات إعادة أربكت المصريين وأصابتهم بالإكتئاب وخاصة الثوار منهم. وظل المصريون غير المنتمين لهذا أو ذاك يسألون عن من سننتخب، فكلاهما خياران أحلى ما فيهما مر، فكانت إنتخابات الإعادة بمثابة كابوس بالنسبة للمصريين. ثم يأتى الحل السحرى الذى يتم الترويج له وسط الثوار من بعض السياسيين وبعض الإعلاميين وبعض الثوار بأن إنتخاب محمد مرسى هو إنتخاب للثورة وأن الثوار يجب أن يكونوا إلى جوار الثورة حتى لا يعود نظام مبارك متمثلاً فى أحمد شفيق (حملة عصر الليمون)، وللأسف وكالعادة يلتقط الثوار الطعم ويذهبون ليصوتوا لمحمد مرسى، بل لقد شاركت بعض التيارات الثورية والسياسية وحملات مرشحين آخرين لرئاسة الجمهورية فى حملة مرسى. قلت من قبل إنه كان مطلوباً فيمن يصل إلى جولة الإعادة أن يكونا منتميين لتيارين حديين لا وسطيين حتى تصل الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من تمكين الإخوان المسلمين من الحكم فى مصر. ولكن ماذا حدث .. وكيف وصل شفيق إلى الإعادة وليس عمرو موسى ؟ .. هذا السؤال الذى توقف عنده المحللون ولكنهم حللوا الأمر بأن شفيق هو مرشح المجلس العسكرى وأنهم كانوا مخطئين عندما توقعوا أن عمرو موسى هو مرشح المجلس. ولكن جميع التحليلات قبل الإنتخابات كانت قد أكدت على أن الكتلة التصويتية لأحمد شفيق كانت تتكون من الأحزاب الصغيرة التي خرجت من عباءة الحزب الوطني المنحل والتى كانت أيضاً أصواتها منقسمة بين أحمد شفيق وعمرو موسى، وهذه الكتلة كانت قد حازت في الإنتخابات البرلمانية على ما يقرب من 6 % فقط من الأصوات، وحتى لو أعطت هذه الكتلة كل أصواتها لشفيق فهى لم تكن كفيلة بالمرة بإنجاحه فى الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية .. أما أصوات الليبراليين البالغة 9 ر4 مليون صوت (الوفد والكتلة) فكانت تنقسم ما بين عمرو موسى وأبو الفتوح وإن كان حمدين صباحى قد فتت هذه الكتلة بأن جزء من هذه الكتلة منحته أصواتاً لرفضها مرشح النظام السابق عمرو موسى أو أبو الفتوح المحسوب على تيار الإخوان. إذن كيف وصل شفيق لإنتخابات الإعادة وكل المؤشرات وكتلته التصويتية الضعيفة كانت تؤكد أنه لن يصل أبداً إلى إنتخابات الإعادة ؟ .. خاصة أن ما أشيع من أن هناك حوالى خمسة مليون ناخب قد أضيفوا لقاعدة البيانات فى الإنتخابات الرئاسية لكى تذهب هذه الأصوات لشفيق لم يكن صحيحاً، بل الخطأ كان فيما أعلنه المستشار عبد المعز إبراهيم عن عدد الناخبين فى الإنتخابات البرلمانية فى المرحلة الأولى وقال إنهم حوالى 13 مليون ثم تدارك هذا الأمر فى اليوم التالى (أثناء الإنتخابات البرلمانية) وصحح هذا الخطأ فى مؤتمر صحفى وقال إنهم 5ر17 مليون ناخب ليصبح عدد الناخبين فى الجداول الإنتخابية وقت الإنتخابات البرلمانية بالفعل حوالى 50 مليون ناخب. من الواضح أن الأسابيع القليلة من الإنتخابات قد شهدت تغيرات كثيرة ومنها تراجع شعبية موسى وأبو الفتوح بعد المناظرة التليفزيوينة فى قناة ال أون تى فى .. كما وضح أيضاً صعود شعبية شفيق وحمدين صباحى فى الأسابيع الأخيرة من الإنتخابات. ومما لا شك فيه أنه كانت هناك توجيهات من المجلس العسكرى لمن يمكن أن نسميهم بفلول الحزب الوطنى والأحزاب الصغيرة التى خرجت من عباءته ورجال الأعمال لإنتخاب شفيق بدلاً من عمرو موسى، بالإضافة للترويج لشفيق بقوة وسط حزب الكنبة مما أدى لأن يأتى شفيق فى المركز الثانى فى نهاية اليوم الأول من إنتخابات الرئاسة وينافسه على هذا المركز حمدين صباحى والذى جاء فى المرتبة الثالثة. إذن صعود شفيق لجولة الإعادة كان مخططاً من قبل المجلس العسكرى وكذلك صعود مرسى كان مخططاً من قبل الإخوان وربما صعودهما كان مخططاً من قبل الإثنين .. لكن المشكلة كانت فى أن حمدين دخل المنافسة وكان مُهدداً لأحمد شفيق وهو ما وضح فى اليوم الثانى حيث ظل حمدين وشفيق يتبادلان المركز الثانى والثالث من خلال مؤشرات النتائج .. الأمر الذى كان يهدد مخطط المجلس العسكرى والإخوان سوياً فى وصول شفيق ومرسى للإعادة .. فكيف يتم حسم وصول شفيق للإعادة بعد أن ضمن محمد مرسى المركز الأول ؟. لقد قام الإخوان والسلفيون بالتصويت فى اليوم الأول لمحمد مرسى، ولكن وعكس كل التوقعات، فى اليوم الثانى جاء تكليف لكتلة تصويتية منهم بإنتخاب أحمد شفيق، الأمر الذى أثار إندهاش هذه الكتلة التصويتية من الإخوان والسلفيين ولكن لأنهم يتبنون إسلوب السمع والطاعة فقد نفذوا ذلك حتى مع إندهاشهم .. وصلتنى هذه المعلومات بالأمس لتحل هذا اللغز وتجعل وصول شفيق للإعادة منطقياً للغاية .. بل وصلت نفس هذه المعلومات للبعض من قبل ولكنه لم يبال بها أو تشكك فيها .. ولكن هذا هو التفسير الوحيد المقبول والمنطقى رغم غرابته لوصول شفيق إلى إنتخابات الإعادة الرئاسية. إن هذا العامل الجديد ينسف جميع تحليلات المحللين الخاصة بإنتخابات الجولة الأولى من أساسها على الأقل فيما يخص اليوم الثانى من الإنتخابات. وتجعلنا ندرك أننا فى الحقيقية كنا لعبة فى يد الإخوان المسلمين والسلفيين، وأيضاً المجلس العسكرى. أقول أيضاً المجلس العسكرى حيث أنه ليس من المستبعد أن يكون المجلس قد أدار هذا الأمر بالإتفاق مع الإخوان المسلمين لكى يصل بهم لسدة الحكم تنفيذاً لرغبة الولاياتالمتحدة فى وصول حليفهم "الإخوان المسلمين" إلى الحكم فى مصر. فحتى لو حصل شفيق على أصوات أكثر من مرسى فى جولة الإعادة يستطيع الإخوان وقتها أن يقوموا بالتمثيلية التى قاموا بها قبل إعلان النتائج بأن قاموا بإعلان فوز مرسى والتظاهر فى ميدان التحرير والتهديد بالعنف، وينجر ورائهم ساعتها الثوار كما حدث بالفعل والذين قاموا حتى بالإحتفال مع الإخوان فى الميدان واعتبروا أن فوز مرسى هو هزيمة لنظام مبارك. سيقول البعض ولكن إذا كان الإخوان قادرين على حسم المعركة الإنتخابية من أول جولة لصالح مرشحهم محمد مرسى فلماذا يعطون أصواتاً من أصواتهم وأصوات السلفيين لأحمد شفيق ؟ .. ببساطة ربما تكون الكتلة التصويتية للإخوان كبيرة لكنها لم تكن كفيلة بأن يحصل مرسى على نسبة ال 50% اللازمة لحسم الأمر من الجولة الأولى لكثرة المرشحين. لا أستطيع أن انكر إعجابى الشديد وتقديرى لهذا الذكاء فى التخطيط والمؤامرة، والذى لا أنسبه للإخوان ولا للسلفيين ولا حتى للمجلس العسكرى ولكن لجهة ما عملت على التخطيط وهم قاموا بالتنفيذ .. ولا أنكر أيضاً أن النظرة السطحية للثوار وللتيارات السياسية للأمور ولمجريات الأحداث جعلتهم فى كثير من الأحيان ينخدعون ويتخذون قرارات تبدو فى ظاهرها ثورية لكنها فى الحقيقة كانت ضد الثورة وتنفيذا لمخطط وضعه أعداء الثورة وهم ليسوا فقط تيارات الإسلام السياسى والمجلس العسكرى، بل يلزم لتنفيذ مثل هذه المخططات أن يكون أيضاً بيننا نحن الثوار من يعمل لصالحهم لكى يدعم بعض مخططات التيارات المعادية للثورة مثلما هو الحال فى الدعوة لإنتخاب مرسى لأنه ممثل للثورة ضد مرشح نظام مبارك، أو كما حدث فى مليونية " لا للدستور تحت حكم العسكر" فى إبريل 2012 التى خرجت لتطالب بأن تكون الإنتخابات الرئاسية أولاً قبل الدستور. فهل بعد كل هذا هناك من مازال ينكر نظرية المؤامرة، بل مازالت هناك العديد من المؤامرات التى تحاك لنا ولثورتنا ومع ذلك مازال الثوار ينجرون وينفذون هذه المخططات دون أن يدروا أنهم فى الحقيقة ينفذون مخططات الثورة المضادة، فهل نفيق من غيبوبتنا أم نظل آداة فى يد الإخوان ومن يدعمونهم ويخططون لهم.