مما لا شك فيه أن الوضع الحالى يمثل إختباراً حقيقياً لكل القوى السياسية والثورية فى مصر ويمثل نقطة مفصلية سيتحدد بناءاً عليها مستقبل مصر ومستقبل ثورتها وشعبها. ومما لا شك فيه أيضاً أن الوضع فى غاية الصعوبة والتعقيد حيث تحدده الكثير من العوامل سواء الداخلية أو الخارجية، ولا يملك أي محلل سياسى أى رؤية مؤكدة فى الوقت الراهن، وتظل كل التحليلات مجرد إحتمالات قد تتغير بتغير العوامل المؤثرة في الوضع، أو حدوث تغير طارئ لم يكن فى الحسبان. وفى هذه السطور أحاول أن أضع تصوراتى للوضع الراهن وليس تصوراتى عن الوضع فى الأجل المتوسط أو البعيد. السيناريو الأول : فى هذا السيناريو يظل الدكتور مرسى وتيار الإسلام السياسي يطيلان فى حالة الجدل والشد والجذب خلال الأيام القادمة دون تراجع عن الإعلان الدستورى أو الجمعية التأسيسية، وكما توقعت فإنهم قد تراجعوا عن تنظيم مليونيتهم فى ميدان التحرير وأعلنوا عن أن مليونيتهم القادمة ستكون فى محيط جامعة القاهرة، فليس من صالحهم مطلقاً توسيع دائرة العنف، ولكن ستستمر المناوشات والإشتباكات المحدودة وذلك لحين الإنتهاء من مشروع الدستور المسموم ودعوة الدكتور مرسى الناخبين للإستفتاء عليه. وفى نفس الوقت، وحتى مع تصاعد المد الثورى الرافض للإعلان الدستورى وللدستور وللإستفتاء ولحكم مرسى نفسه، لن تقوم القوى السياسية بتعلية سقفها لترقى لمستوى مطالب جماهير الثورة، ولن تطرح بديلاً خلال هذه الأزمة، وحتى إن قامت المحكمة الدستورية بالحكم بحل الجمعية التأسيسية فإن هذا سيُدخل البلاد فى جدل قانونى لا طائل منه، بل سيستمر الدكتور مرسى وجماعته فى طريق الإستفتاء على الدستور. والمشكلة الأن ليست فقط فى الرئاسة وقوى الإسلام السياسى، بل فى فشل وتخاذل القوى السياسية الديمقراطية عن تقديم بديل حقيقى للجماهير الثائرة. وبالرغم من قوة المليونيات التى تحشدها القوى الثورية والسياسية والتى أوضحت بشكل جلى أن القوى المؤيدة للديمقراطية هى قوى لا يستهان بها، إلا أن تأثير هذه المليونيات سيظل محدوداً ولن تؤدى إلى تراجع الرئيس عن قراراته، فالنظام قادر على إستيعاب مثل هذه التظاهرات حتى وإن كانت حاشدة وتبلغ عشرات الملايين. كما أنه بالرغم من قدرة هذه القوى على الحشد إلا أن تواصل هذه القوى مع المواطن العادى البسيط مازال عاجزاً عن المراهنة على قدرة هذه القوى فى التأثير على المواطن العادى لكى يصوت ب"لا" فى الإستفتاء. وفى هذا السيناريو سيستمر الحال على هذا المنوال لحين الإنتهاء من الإستفتاء على الدستور ويتم تمريره وتخمد قوى الثورة لتكون الحالة الثورية الحالية مجرد محطة من محطات الثورة، تماماً مثلما كان الحال فى أحداث محمد محمود فى عام 2011 والإنتخابات البرلمانية. وبهذا سيتم التمكين للإخوان بشكل كبير وسيطول أمد وجودهم فى السلطة وسيكون النضال ضدهم فى غاية الصعوبة، حيث من المتوقع أن يقوموا بعد تمكينهم بالبطش بمعارضيهم. ولا أعتقد أن ردود الأفعال الغاضبة التى أعلنها المجتمع الدولى من قرارات الدكتور مرسى والتى بعضها حقيقى وبعضها مصطنع يمكن أن يعول عليها فى هذا الصدد. السيناريو الثانى: وفيه يقرر الثوار أنفسهم خطواتهم التصعيدية القادمة بعيداً عن النخب السياسية، ولكن الخطر القائم فى إتخاذ هذه الخطوات التصعيدية هو إحتمالية قيام حرب أهلية حقيقية تُدخل البلاد فى نفق أكثر إظلاماً، وربما وقتها سيتدخل الجيش ويقوم بإنقلاب عسكرى ويصعد للسلطة، هذه السلطة التى لم يبتعد عنها كثيراً ولكنه سيكون فى واجهة الحكم مرة أخرى لتدخل البلاد فى حلقة من حلقات الصراع على السلطة. وفى هذا السيناريو ستقوم قوى الثورة والقوى السياسية بالمطالبة ب"الدستور أولاً"، وسيحتفظ العسكر فى الدستور بوضعية خاصة كما هو الحال فى مشروع الدستور الحالى، وفى كل الأحوال سيكون الجيش قاسماً مشتركاً فى الحكم جنباً إلى جنب أى قوى أخرى ستأتى للحكم، ثم تُقام بعد ذلك الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية. لا أريد أن أبدو متشائمة ولكنى أريد أن أكون واقعية وكما قلت هذه تصوراتى عن الوضع الراهن وليس عن الأجل المتوسط أو البعيد. وحتى الآن فالسيناريو الأول هو الأكثر إحتمالية للأسف، لكن هذا لا يمنع فى كلا السيناريوهين أهمية إستمرار الحالة الثورية على أن تسير فى خطوط متوازية وليس فقط بشكل رأسى متمثل فى الصراع على السلطة ولكن أن يكون هناك أيضاً بناء من أسفل من خلال توعية جماهيرية واسعة وبناء لمؤسسات شعبية عريضة تستطيع الدفاع عن مصالحها فى الصراع السياسي الدائر.