هذه هى الترجمة الكاملة للورقة البحثية التي كتبها الفريق أول عبد الفتاح السيسي إبان دراسته في الكلية الحربية في كارلايل بالولاياتالمتحدة عام 2006 ويقدم فيها رؤية استراتيجية لمفهوم تطبيق "الديمقراطية في الشرق الأوسط". ويمكنكم تحميل النسخة كاملة بلغتها الأصلية الإنجليزية بالنقر هنا . تُعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق أهمية في العالم، وهي موطن ميلاد الديانات العظمى بما فيها ديانات الإسلام والمسيحية واليهودية. ويتضح للعيان تأثير الطبيعة الدينية على البيئة المحيطة في ثقافة شعوب الشرق الأوسط، وهو من أهم العوامل المؤثّرة على السياسة بالمنطقة. ولا بدّ على المرء أن يأخذ في الحسبان الطبيعة الدينية للشعوب عندما يقود مفاوضات دبلوماسية ويؤسّس لسياسة معينة، وذلك بسبب طبيعة ثقافة الشرق الأوسط. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد رُزقت هذه المنطقة بكميات هائلة من النفط واحتياطيات الغاز الطبيعي التي تزوّد معظم احتياجات العالم من الطاقة، ولذلك، تحافظ القوى العظمى على اهتمامها الشديد بالمنطقة، وتعمل على التأثير والهيمنة عليها لكي تستحوذ على بقاء مقومات الطاقة اللازمة لاقتصاديات بلدانها. فتعرّض الشرق الأوسط نتيجة لذلك إلى ضغوطات متواصلة لإرضاء مشاريع العديد من الدول وغاياتها، وهو ما قد لا يلبي احتياجات شعوب الشرق الأوسط ورغباته. أضف إلى ذلك، أنه من الناحية الجغرافية وحسب المنظور العالمي، يُعتبر الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية بسبب وجود قناة السويس ومضيقي هرمز وباب المندب، وتتّصف هذه المواقع بالأهمية القصوى لخطوط الشحن التجاري وتتّسم بالحيوية لتلبية أي اعتبارات عسكرية. ويخلق التزاوج بين الطبيعيتين الإستراتيجية والدينية للمنطقة جوًّا عامًا يمنع من تحدّيات إقامة أي ديمقراطية في أرجاء المنطقة على المدى القصير. ومما يزيد من تعقيد عملية تطوّر الديمقراطية مسألة الصراع العربي الإسرائيلي. إن الصراع لا ينحصر بكونه صراعًا فلسطينيًا إسرائيليًا، بل هو صراع يؤثّر على جميع العرب في الشرق الأوسط. فحقيقة أن وجود إسرائيل في المنطقة يعكس المصالح الغربية هو ما يثير الشكوك بين العرب حول طبيعة الديمقراطية وسيعمل هذا بالمقابل على إبطاء نشوء الديمقراطية في الشرق الأوسط، وقد يسوّغ ذلك ظهور نوع من الديمقراطية تعكس حقيقة مصالح المنطقة وربما لا تحمل سوى قليل من عناصر التشابه مع الديمقراطية الغربية. على الرغم من أن الشرق الأوسط في إطار التحوّل نحو حكومات ذات صيغة ديمقراطية، إلا إن بقايا الأنظمة المستبدّة وذات الحكم الفردي لا تزال هي السائدة. وتكتنف ظروف تنامي الديمقراطية توتّرات وضغوطات ظاهرة نتيجة لحالة الشدّ الموجودة –فعلاً- في الشرق الأوسط بسبب الصراعات الجارية في كل من العراق وأفغانستان وكذلك الصراع مع إسرائيل. وهناك حاجة ملحة لتسوية التوترات السائدة قبل تحقّق قبول الديمقراطية كليًّا من شعوب المنطقة. يدّعي العديد من القادة ممن يتمتعون بالحكم الفردي بأنهم يثنون، ظاهريًا، على المُثل والحُكم الديمقراطي، إلا إنهم في الواقع حذرين من التخلي عن السيطرة التي يمتلكونها للتصويت الشعبي في أنظمتهم. وثمّة أسباب وجيهة لهذا منها أولاً، إن العديد من الأقطار لا تتمتع بالتنظيم الذي يؤهلها لتعزيز حكم ديمقراطي. وثانيًا، وهو ما يشكّل أهمية أكبر، أن هنالك مخاوف أمنية داخلية وخارجية بهذه الأقطار. وبما أن العديد من القوات الأمنية والجيوش مخلصة للأحزاب الحاكمة في أقطارها فإنه لا ضامن أن قوات الشرطة والجيش ستتعاون مع الأحزاب الحاكمة الجديدة، إذا ما تبلورت ديمقراطيات بدوائر انتخابية مختلفة. ويتعيّن أساسًا على القوات الأمنية للدولة تكوين ثقافة تثبت الالتزام التام نحو الدولة لا الحزب الحاكم. وعلاوة على ذلك، يتعيّن تهيئة وإعداد الجماهير التي تعيش في ظل النظام لتحقيق دور مشترك في الحكم الديمقراطي. وتتطلب هذه العملية زمنًا لتثقيف الناس بها كما تحتاج إلى تطوير العملية الديمقراطية ذاتها لكي تمكّنها من اكتساب عنصر الاجتذاب. لقد ظلت أمريكا هي القوة الدافعة في الشرق الأوسط، لاسيّما عندما يتعلق الأمر بدعم مصالحها القومية. وقد دعمت أمريكا، في سعيها لتحقيق ذلك، أنظمة غير ديمقراطية وبعض الأنظمة التي لا تتمتع بالاحترام بالضرورة في الشرق الأوسط، مثل أنظمة الدول الخليجية، كالمملكة العربية السعودية، ونظام صدام حسين في بداياته، والمغرب، والجزائر، وغيرها. فيشكّك الكثيرون نتيجة لهذا بدوافع الولاياتالمتحدة ورغبتها في إقامة الديمقراطية في الوقت الراهن. فهل التحوّل نحو الديمقراطية يصبّ في حقيقته لصالح الولاياتالمتحدة، أم هو لصالح دول الشرق الأوسط؟ إن التطوّر الديمقراطي في الشرق الأوسط لن يتحقق بسهولة إذا ما نُظر إلى مبادرة الديمقراطية كتحرّك من قبل الولاياتالمتحدة لتكريس مصالحها الخاصة. ثم أن هنالك قلقًا من أن الحرب العالمية ضد الإرهاب ليست سوى قناع لإقامة ديمقراطية غربية في الشرق الأوسط. فلكي تنجح الديمقراطية في المنطقة لا بدّ أن تعكس مصالح الشرق الأوسط وليس مصالح الولاياتالمتحدة فقط. ولا بدّ أن يُنظر للديمقراطية كعامل مفيد لشعوب الشرق الأوسط من خلال احترام الطبيعة الدينية للثقافة السائدة، بالإضافة إلى تحسين ظروف معيشة رجل الشارع العادي. إن نموذج كيفية نشوء الديمقراطية في العراق لهو من الأمثلة القياسية الأساسية لاختبار تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. فهل ستسمح أمريكا للعراق بالتطور حسب أسلوبها الخاص بها، أم إنها ستعمل على تشكيل ديمقراطية بصيغة موالية للغرب أو بنظام حليف له؟ على سبيل المثال، من المرجّح بروز الجماعات الإسلامية (الإخوان المسلمون، الشيعة، أو غيرهم) في مختلف دول الشرق الأوسط بوصفهم مجموعات تسعى إلى الحكم من خلال الحكومات الديمقراطية المنتخبة. فإذا نُظر إلى العراق باعتباره دمية بيد أمريكا، فإن الدول الأخرى قد لا تشعر بالجاذبية نحو التوجّه إلى الديمقراطية، وإن فعلت ذلك، فهل أمريكا مستعدة لقبول ديمقراطيات شرق أوسطية بحسب الطبيعة الخاصة بها والتي قد تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الغربية، لاسيما في السنوات الأولى من عمر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟. إن رغبات شعوب بلدان (المنطقة) ومتطلباتها يتعين أخذها بعين الاعتبار. فهل يحتاجون للديمقراطية وهل هم مستعدون لتغيير أساليب حياتهم من أجل إقامتها وتفعيلها؟ إن تغيير الثقافة السياسية دائمًا ما يتسم بالصعوبة. فأن يقال إن الديمقراطية هي الصيغة المفضلة لنظام الحكم هو أمر يختلف تماما عن التأقلم مع متطلباتها وقبول خوض المخاطر الناجمة عنها. فعلى سبيل المثال، أظهر التاريخ أن السنوات العشر الأولى من الديمقراطية الجديدة غالبًا ما يحدث خلالها صراعات داخلية أو خارجية إلى أن تنضج هذه الديمقراطية الجديدة ولا بدّ على الشعوب التي تعيش في ظل هذه الديمقراطيات الجديدة أن يلتزموا بالمُثل الديمقراطية ولا بد أن يستعدوا للتغلب على التحدّيات ومعالجتها. إن تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الفردي إلى الديمقراطي لن يكون كافيًا ببساطة لبناء ديمقراطية جديدة، لأن الأنظمة الاقتصادية والدينية والتعليمية والإعلامية والأمنية والقانونية بالدولة ستتأثر جميعًا. ونتيجة لذلك، سيتطلب الأمر زمنًا للشعوب ومؤسسات بلدانها لكي تتأقلم مع صيغة الحكم الجديدة ونظام السوق الحرة الذي سيتكوّن نتيجة لذلك. وسيتعيّن على الدول الديمقراطية الموجودة أن تقدم الدعم وأن تتحلى بالصبر مع الديمقراطيات الجديدة الناشئة. وحسب رأيي، فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة صالحة، كالوضع الاقتصادي المعقول والشعب المتعلم وإلى فهم معتدل للقضايا الدينية بالنهاية (الإقرار المحدود توافق عليه الأنظمة للمشاركة بالسلطة). وبالنظر إلى أن البلدان شرق الأوسطية تمتلك قاعدة دينية قوية، فمن المهم على كبار الزعماء الدينيين أن يعملوا على إقناع شعوب المنطقة أن الديمقراطية مناسبة للبلد ولا تتناقض مع القيم الإسلامية المعتدلة. ويمكن لهذا النوع من الدعم القادم من الزعماء الدينيين أن يوفر دعمًا قويًا لإقامة أنظمة ديمقراطية، والتغيير المصاحب لعملية التحوّل نحوها. فلا يمكن للمرء أن يتوقع للشرق الأوسط الانتقال بسرعة إلى أنظمة حكم ديمقراطية نظرًا لعملية التغيير المطلوبة ومتطلبات الزمن المصاحبة. وثمّة قلق في الشرق الأوسط من أن أمريكا متعجّلة "بدمقرطة" المنطقة بناء على تصرفاتها العدوانية في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى إستراتيجيتها المبنية على الإجراءات الوقائية إذا اختارت فعل ذلك أما التحرك بهذا الاتجاه بسرعة فقد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث إن الدوافع الأمريكية قد تُعتبر من التحركات الأنانية ولا تحترم أسلوب الحياة الذي يتميّز به الشرق الأوسط. ومن المهم أن تسير بلدان الشرق الأوسط نحو الديمقراطية بأسلوب منطقي ومستقر ومحكم الضبط وينفّذ حسب ظروف بلدان الشرق الأوسط. إلا إنه يتعيّن على الديمقراطيات الغربية تقديم المساندة من خلال توفير الدعم الاقتصادي والتعليمي والتقني للمساعدة بتعزيز عملية التطوّر والتغيير. 1 2 3 › »