بعد الضجة الاخيرة التي اثارها حديث »فنجان القهوة« والذي جاء علي لسان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في قناة »الجزيرة« وهو الحديث الذي لم يعجب أغلب الناس حيث روي فيه الاستاذ هيكل حكاية غير موثقة تزعم أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات قتل صديقه ورفيقه الزعيم جمال عبدالناصر بواسطة »فنجان قهوة مسموم« أعده له بيديه ورغم أن الاستاذ هيكل في نهاية حكايته قال أنها قصة لا دليل عليها، إلا أن المسألة كلها أثارت استياء الكثيرين. بعد هذه الضجة ثارت ضجة أخري خلال الاسبوع الماضي حول الاستاذ محمد حسنين هيكل لأنه تقدم بطلب إلي سلطات محافظة 6 أكتوبر لبناء مقبرة خاصة به داخل عزبته في منطقة برقاش! وكان الدكتور فتحي سعد محافظ مدينة 6 أكتوبر قد تلقي منذ حوالي شهرين طلبا من الاستاذ هيكل لبناء مقبرة داخل مزرعته في قرية »برقاش« والتي تبلغ مساحتها 52 فدانا. وفي اجراء طبيعي أحال المحافظ هذا الطلب إلي رئيس مدينة منشأة القناطر التابعة لها قرية »برقاش« طالبا من رئيس المدينة تشكيل لجنة لدراسة هذا الطلب ثم عرض النتيجة في الاجتماع التنفيذي للمحافظة. وبالفعل تشكلت لجنة تمثل إدارة أملاك المحافظة والمدينة ورئيس الوحدة المحلية وقالت اللجنة أنه لا مانع من إنشاء المقبرة بعد الحصول علي موافقة الجهات المختصة. ولم يكن في مقدور المحافظ أن يوافق شخصيا علي طلب الاستاذ هيكل فالقانون لايسمح بإقامة مقابر خاصة خارج حدود المقابر العامة التي هي مرسومة بحدود معينة في كل مدينة. إذن كان مع المحافظ كل الحق في أن يأخذ رأي المجلس المحلي سواء للمدينة أوالمحافظة والذي حدث أنه عندما أثير الموضوع داخل المجلس المحلي إعترض عضو المجلس أحمد الشريف علي تخصيص مقبرة خاصة للاستاذ هيكل: حتي لو اقيمت علي أرض مزرعته لأن ذلك سوف يفتح الباب أمام كل من يملك مزرعة أن يبني فوقها مقبرة خاصة! وقال البعض أنهم لايوافقون علي التصريح لهيكل ببناء مقبرة خاصة لأنها قد تتحول مع الايام إلي »مقام« يقدسه المواطنون وهي ظاهرة انتشرت قديما في مصر حيث تحولت مقابر بعض الاولياء وغير الاولياء إلي »أضرحة« و»مقامات« يقدسها الناس ويتبركون بها ويشعلون حولها الشموع ويطوفون حولها وهم يتضرعون بالدعاء! وقال هؤلاء أن الاستاذ هيكل ليس وليا من أولياء الله، وليس شيخا مبروكا ولا هوزعيم ديني، ولاحاكم أو رئيس حتي تكون له مقبرة خاصة بعيدا عن مقابر عامة الناس! وعلي الناحية الاخري كان رأي أهالي قرية »برقاش« مؤيدا لفكرة مقبرة خاصة في مزرعة الاستاذ هيكل ونشرت بعض الصحف أن »سميررمضان الدغوغي« عمدة قرية »برقاش« رحب بالفكرة وقال أن الاستاذ هيكل له قيمته التاريخية وأنه ثالث أفضل كاتب وصحفي في العالم! وقال عمدة »برقاش« أنه مهما اختلف أو اتفق الناس حول الاستاذ محمد حسنين هيكل فإن أهالي القرية متمسكون ببقاء الاستاذ هيكل معهم سواء »حيا أو ميتا«. وقال العمدة: الاستاذ هيكل رجل لايتأخر ابدا عن أهالي القرية! هكذا أيد »عمدة برقاش« فكرة بناء مقبرة خاصة للاستاذ هيكل في مزرعته رغم أن المزرعة تجاور المقابر العامة الخاصة بالقرية! وأخيرا جاء قرار المجلس المحلي لمدينة 6 أكتوبر برفض طلب الاستاذ هيكل وفي نفس الوقت نشرت صحيفة »الحقيقة الدولية« آراء لعدد من علماء الازهر يستنكرون فيها طلب الاستاذ هيكل بناء مقبرة خاصة به في مزرعته. وقال بعضهم: حكاية المقبرة الخاصة فيها »استكبار« الاغنياء علي الفقراء حتي في الموت وفيها أيضا مخالفة للشرع! وقالت آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الاسلامية سابقا بجامعة الازهر: أنا مندهشة من طلب هيكل ومن النفس البشرية التي ترفض التواضع والإنكسار لله في اللحظات الاخيرة وهذا الطلب فيه استكبار واستعلاء علي الفقراء والموت.. والمقابر الخاصة مرفوضة رفضا باتا لأنها تجسد حالة من الاستعظام علي الممات خصوصا وأن جميع البشر ذاهبون في نهاية المطاف الي حفرة بسيطة! أما عبدالفتاح ادريس رئيس قسم الفقه المقارن. بكلية الشريعة والقانون فقال: طلب هيكل مرفوض شرعا لما يترتب عليه من مفاسد بيئية وصحية ويعكس فكرة استعلاء الاغنياء علي الفقراء حتي في الموت! وأضاف قائلا: هيكل أراد أن يكون مميزا في الآخرة.. كما كان مميزا في الدنيا. بسبب مخالطته للرؤساء والزعماء مما يعتبر رفاهية مرفوضة! أما عن نفسي.. فأنني لم أكن يوما من تلاميذ الكاتب الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل.. لكني كنت من تلاميذ ومريدي عملاق الصحافة الراحل مصطفي أمين - وقد كان الاستاذ هيكل نفسه يوما من تلاميذ ومريدي مصطفي أمين - ومنذ بداية اقترابي من الاستاذ مصطفي أمين وأنا أراه وأسمعه يتحدث ويكتب مالا يسر عن الاستاذ هيكل وكان مصطفي أمين يعتقد ويؤمن أن الاستاذ هيكل كان أحد أهم الأسباب لدخوله السجن طوال 9 سنوات! لكني كنت من المعجبين بالاستاذ هيكل وتربيت علي قراءة مقاله الاسبوعي »بصراحة« كل يوم جمعة في جريدة الاهرام وعندما عينت رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة عام 7991 ذهبت الي الاستاد هيكل والذي كان من أبرز رؤساء تحرير »آخرساعة« وكانت له صولات وجولات علي صفحاتها وانتصارات صحفية لاتنكر. ذهبت الي الاستاذ هيكل في مكتبه أطلب منه النصح والمشورة وأسأله »بماذا تنصحني يا أستاذ«؟ ورحب بي الاستاذ هيكل وكان قبلها بسنوات قليلة قد طلب رؤيتي والحديث معي بعد أن قمت برحلة صحفية إلي لبنان وكانت مشتعلة. وعندما علم الاستاذ هيكل أنني حصلت علي الكثير من أوراق الاستاذ محمد التابعي أمير الصحافة المصرية هنأني واقترح علي أن أنشرها تحت عنوان »أوراق التابعي« بل وعرض أن يكتب في »آخر ساعة« بعض مقدمات لبعض هذه الاوراق لكنه لم يفعل لا أعلم لماذا؟! عن نفسي.. كنت دائما »أتهيب« من الكتابة عن الاستاذ محمد حسنين هيكل فمن أنا كي أواجه علي الورق قامة الاستاذ هيكل الصحفية والسياسية وهي قامة لايمكن إنكارها مهما اختلف حوله بعض الناس! لكن.. عن نفسي! لا أري أي مانع أن يبني الاستاذ هيكل لنفسه مقبرة علي أرض مزرعته بغض النظر عن كل الآراء والمواقف المعارضة. لأن قرية برقاش.. ليست علي القمر! ومزرعة الاستاذ هيكل ليست أرضا مقدسة لكنها في النهاية أرض الله التي تحتضن في النهاية كل البشر فقراء أو أغنياء كبار أوصغار مشهورين أو نكرة! ثم أن المقابر أصبحت مشكلة عامة فقد تكدست المقابر العامة بالموتي ولم يعد هناك مكان تحت أرضها وحتي أن عشرات الآلاف أصبحوا يسكنون ويعيشون في المقابر التي أصبحت أسعارها بآلاف الجنيهات! مقبرة عامة.. أو مقبرة خاصة! المهم ماذا سيحدث للانسان.. بعد أن يذهب إلي المقبرة! المهم.. يوم الحساب العظيم! محمود صلاح