متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    ارتفاع أسعار الريال السعودي في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو    بكام أسعار العدس اليوم الأربعاء 29-5-2024 في الأسواق؟    انطلاق أولى رحلات الجسر الجوى لحجاج بيت الله الحرام إلى مكة والمدينة    بسبب استمرار تسليح إسرائيل، استقالة جديدة في إدارة بايدن    فيورنتينا يصارع أولمبياكوس على لقب دوري المؤتمر الأوروبي    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    ارتفاع أسعار النفط الأربعاء 29 مايو 2024    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    عاجل | حدث ليلا.. 4 دول تستعد لحرب نووية وخطر يهدد أمريكا وصدمة جنود الاحتلال    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    شعبة المخابز تكشف حقيقة تحريك سعر رغيف العيش    تواصل أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية بالبحر الأحمر والنتيجة قبل عيد الأضحى    «الرفاهية» تتسبب في حظر حسابات السوشيال بفرمان صيني (تفاصيل)    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تحفة معمارية تزين القاهرة التاريخية.. تفاصيل افتتاح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    «الخشت» يصدر قرارا بتعيين وكيل جديد ل«طب القاهرة» لشؤون خدمة المجتمع    الصحة: روسيا أرسلت وفدا للاطلاع على التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    10 أطعمة تحمي العين وتقوي البصر.. تناولها فورا    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    توقعات بطقس شديد الحرارة داخل مكة اليوم الأربعاء    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    فشلت للمرة الرابعة.. آمال كيم "التجسسية" تتطاير في الهواء    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    شيكابالا يكشف عن نصيحته ل مصطفى شوبير بشأن الرحيل عن الأهلي    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    ارتفاع أسعار الذهب بعد 4 أيام من التراجع    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل .. وآخر : يوم في حياة جمال عبد الناصر !
نشر في أخبار الحوادث يوم 22 - 09 - 2010

مساء يوم 28 سبتمبر 1970.. خرج صوت أنور السادات عبر الإذاعة المصرية، ينعي إلي مصر والعالم العربي والعالم أجمع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي رحل عن الدنيا في الساعة السادسة والربع من مساء نفس اليوم.
كان صوت أنور السادات متهدجًا رغم عمقه، مجروحًا رغم صلابته.
وقال أنور السادات:
فقدت الجمهورية المصرية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها، رجلاً من أغلي الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر، الذي جاد بأنفاسه الأخيرة، في الساعة السادسة والربع من مساء اليوم 27 رجب 1390 الموافق 28 سبتمبر 1970، بينما هو واقف في ساحة النضال، يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها..
لقد تعرض البطل الذي سيبقي ذكره خالدًا إلي الأبد، في وجدان الأمة والإنسانية، لندبة قلبية، بدت أعراضها عليه في الساعة الثالثة والربع بعد الظهر.
وكان قد عاد إلي بيته، بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب الذي انتهي أمس في القاهرة، والذي كرس له القائد والبطل كل جهده وأعصابه، ليحول دون مأساة مروعة دهمت الأمة العربية.
إن اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الوزراء وقد عقدا جلسة مشتركة طارئة علي أثر نفاذ قضاء الله وقدره لا يجدان الكلمات التي يمكن لها تصوير الحزن العميق الذي ألم بالجمهورية العربية المتحدة، وبالوطن العربي وبالإنسانية، إزاء ما أراد الله امتحانها به، في وقت من أخطر الأوقات.
إن جمال عبد الناصر كان أكبر من الكلمات..
وهو أبقي في كل الكلمات.. ولا يستطيع أن يقول عنه، غير سجله في خدمة شعبه وأمته والإنسانية مجاهدًا عن الحرية مناضلاً من أجل الحق والعدل، مكافحًا من أجل الشرف، حتي آخر لحظة في العمر.
ليس هناك كلمات تكفي عزاء في جمال عبد الناصر..
إن الشيء الوحيد الذي يفي بحقه وبقدره، هو أن تقف الأمة العربية الآن كلها وقفة صابرة صامدة شجاعة، قادرة، حتي تحقق النصر الذي عاش واستشهد من أجله، ابن مصر العظيم، وبطل هذه الأمة ورجلها وقائدها.
_ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي _.
كانت الساعات الأخيرة في حياة جمال
عبد الناصر ساعات مثيرة درامية، وهي تعهد جمال
عبد الناصر لحظة الرحيل الأخير، لحظة انتهاء حياة رجل عظيم، ونهاية حياة بطل مصري حتي النخاع.
كانت القاهرة _ عاصمة الأمة العربية _ قد شهدت خلال الأيام السابقة. الأحداث الساخنة لوقائع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، بعد أحداث مروعة دموية في الأرواح انطلقت فيها رصاصات عربية ضد صدور عربية، وسال الدم العربي علي الأرض العربية.
وانتهي مؤتمر الملوك والرؤساء العرب بعد أحداث مثيرة، وبدأ الرئيس جمال عبد الناصر، يودعهم في مطار القاهرة واحدًا بعد الآخر.
وعلي أرض المطار..
وبعد أن انتهي جمال عبد الناصر من توديع أمير الكويت وبينما هو واقف في انتظار تحرك طائرة الأمير، أحس بألم في صدره، وشعر بالعرق يتصبب منه بغزارة.. والتفت عبد الناصر إلي نائبه..
وطلب أن تجيء سيارته إلي حيث يقف، لأنه يشعر بتعب مفاجئ، ولا يستطيع أن يسير بنفسه إلي السيارة كما كان يفعل عادة..
وأسرعت السيارة إلي مكان وقوف الرئيس جمال عبد الناصر.. وركب الرئيس السيارة متوجهًا إلي بيته، حيث دخل مباشرة إلي حجرته..
وخلال دقيقة كان طبيبه المقيم الدكتور الصاوي يدخل الغرفة خلف الرئيس.
كانت الساعة قد بلغت الرابعة إلا ثلثًا.. وكان الدكتور الصاوي قد أجري فحصًا مبدئيًا علي الرئيس، وعندما وجد أن الأمر خطير، طلب استدعاء الدكتور فايز منصور، الذي كان يشرف علي علاج الرئيس جمال عبد الناصر، وفي نفس الوقت طلب أيضًا الدكتور زكي علي والدكتور طه عبد العزيز، الذين لحق بهم الدكتور رفاعي محمد كامل، واجتمع الأطباء حول عبد الناصر في فراشه..
وكان تشخيصهم الفوري أن هناك جلطة شديدة، أحدثت أزمة قلبية حادة، وأن هناك عدم انتظام في دقات قلب الرئيس!
وفي الحال..
بدأ الأطباء محاولاتهم لإنقاذ حياة جمال عبد الناصر..
وبدأوا الإسعافات الأولية السريعة، واستخدموا جهاز الأوكسجين، وأجهزة الصدمة الكهربائية لتنشيط القلب، وكل ما في وسعهم من علاجات معروفة، تستخدم في هذه اللحظات الحرجة في حياة مريض القلب.
ومن ناحية أخري..
وبينما شبح الكارثة يحوم حول حجرة نوم عبد الناصر..
كان البيت قد امتلأ بمعاوني الرئيس..
كان جمال عبد الناصر يرقد في حجرة النوم، والأطباء حوله يصارعون الخطر، ويحاولون السيطرة علي الأزمة القلبية.
وفي هذه اللحظات العصيبة.. كانت السيدة تحية قرينة الرئيس جمال عبد الناصر تقف علي قرب خارج حجرة النوم.
وكان الأطباء هم الذين أمروا بذلك!
وكانت دموع زوجة الزعيم تتدفق في صمت.. والتف حولها بقية أفراد أسرتها، ودموعهم في عيونهم!
كان القلق واضحًا في كل الوجوه.. وكانت أعصاب الجميع ترتجف.
وفي داخل حجرة النوم.. بدأت الدقائق الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر تحمل للأطباء النذير المروع!
كانت حالة جمال عبد الناصر تتدهور باستمرار سريع!
وعلي الناحية الأخري من الفراش وفي أركان الحجرة.. كان يقف الفريق محمد فوزي وشعراوي جمعة وسامي شرف، ومحمد أحمد والكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، وبعد برهة انضم إليهم حسين الشافعي وعلي صبري وأنور السادات.
كانت اللحظات الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر..
الأطباء حوله يبذلون المستحيل وكل ما تعلموه وخبروه من وسائل العلم والطب.
وكبار رجال الدولة في أركان الغرفة.. وعيونهم علي الفراش الذي يرقد عليه زميل النضال وزعيم الثورة..
بعضهم كان يبكي في صمت.. وبعضهم كان يصلي.. وبعضهم كان في ذهول تام!
وكان الدكتور الصاوي مستمرًا في تدليك قلب عبد الناصر، وكان يضغط علي صدره عشرات المرات.. لكن في الساعة السادسة والربع تمامًا.. أدرك الأطباء الحقيقة الحزينة، أن الأصل قد ضاع، وأن روح عبد الناصر قد فارقت جثمانه المسجي علي الفراش.
لكن الأطباء رغم ذلك بدوا وكأنهم لا يصدقون.. ما هم متأكدون منه.
وبدا أنه لا أحد آخر في الغرفة قادر علي التصديق!
لكن الأطباء بدأوا في الابتعاد عن فراش جمال عبد الناصر.
وعلي باب غرفة النوم..
انفجر الدكتور منصور فايز في البكاء!
وكانت دموعه هي التي فجرت دموع كل الواقفين في غرفة النوم!
في لحظة الموت هذه..
اندفعت السيدة قرينة عبد الناصر إلي حجرة النوم.. وأسرعت إلي فراشه.. وأمسكت بيد رفيق العمر الذي رحل، وأخذت تقبلها وتغمرها بدموعها التي تمزق القلوب!
وأسرعت هدي عبد الناصر إلي الغرفة ومعها شقيقتها مني.. وخلفهما دخل خالد وعبد الحكيم.
الوحيد الذي لم يكن موجودًا هو عبد الحميد.. الذي كان ضابطًا بالكلية البحرية، وكان مقر عمله في الإسكندرية.
لكنهم استدعوه للعودة بالطائرة إلي القاهرة.
وبدأ الموجودون يغادرون الغرفة في ذهولهم.. ليتركوا الأسرة في لحظات الوداع الأخير.
وذهبوا إلي غرفة المكتب المجاورة مباشرة لغرفة نوم عبد الناصر، يحاولون استيعاب الموقف، وأصوات أسرة عبد الناصر تصل إلي آذانهم.
وطلب منهم أنور السادات أن يعقدوا في الحال اجتماعًا في صالون البيت.
وفي الصالون اجتمعوا: أنور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري وشعراوي جمعة، والفريق محمد فوزي وسامي شرف وهيكل.
وانتهي الاجتماع بالاتفاق علي دعوة اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الوزراء، إلي جلسة عاجلة لإعلان الخبر المروع، وبحث الإجراءات المفروض اتخاذها، وذلك بعد أن اتفقوا علي إعلان حالة الطوارئ القصوي في الجبهة تحسبًا لأية أحداث طارئة.
واتفق الجميع علي نقل جثمان الرئيس جمال
عبد الناصر، وأن يكون تشييع الجنازة في العاشرة من صباح يوم الخميس. لإتاحة الفرصة أمام ملوك ورؤساء العالم، من أصدقاء عبد الناصر للاشتراك في وداعه الأخير.
وجاءت قرينة الرئيس عبد الناصر لتطلب من حسنين هيكل..
ومن خلفها وقف خالد عبد الناصر وعبد الحكيم عبد الناصر وحاتم صادق، يحاولون قدر إمكانهم التخفيف عنها..
وكانت لحظات حزينة..
وقالت قرينة الرئيس عبد الناصر لهيكل:
لا أريد شيئًا.. لم أرد في حياتي غيره.. لم يكن بالنسبة لي رئيسًا للجمهورية.. كان زوجي.. وليس لي من أمل في الدنيا غير أن أدفن إلي جانبه!.
ولم يكن أحد من الحاضرين يستطيع تحمل هذا المشهد، أو هذه الكلمات.
كانت الدموع تغرق كل العيون..
وفي صمت حزين جاءت سيارة الإسعاف الخاصة بالرئيس ليركبها لأول مرة في حياته، جثمانًا بلا حياة!
وقام رفاق السلاح بالمهمة الأخيرة للصديق البطل..
رفعوا جثمانه من علي فراشه، حيث سجي علي نقالة الإسعاف.
وهبطوا درجات سلم البيت الداخلي، وهم يحملونه عليها حتي سيارة الإسعاف!
وانطلقت السيارة إلي القصر الجمهوري بالقبة.. وهناك وضع الجثمان في عيادة القصر..
وتقرر أن يجري غسل الجثمان ثم الصلاة عليه في مسجد القصر.
وبعدها أعيد النعش إلي العيادة.. انتظارًا لموعد تشييع الجنازة.
وكانت ليلة حزينة في القصر الجمهوري.. الذي امتلأ بكبار رجال الدولة ورجال الثورة والوزراء. الذين كان عدد منهم في ذلك اليوم في زيادة خاصة للجبهة وتم استدعاؤهم علي عجل بالطائرة.
وتحدث أنور السادات.. وقال في حزن إنه كان يتمني ألا يعيش هذا اليوم، وأن ينعاه جمال عبد الناصر، ولا يقوم هو بنعي جمال عبد الناصر!.
ولم يتحمل الدكتور عزيز صدقي الكلمات وأجهش بالبكاء..
وغادر السيد مرعي القاعة والدموع في عينيه.. بينما كان الفريق محمد فوزي يمسح دموعه التي سقطت في صمت حزين.
ودُعي الأطباء لكتابة تقريرهم الطبي عن الوفاة وسببها.
وتم الاتفاق علي أن يذيع أنور السادات نائب رئيس الجمهورية البيان عن الفاجعة.
وقطعت الإذاعة والتليفزيون برامجهما العادية.. وبدآ في إذاعة تلاوة القرآن الكريم.
لم تكن تلك هي النوبة القلبية الأولي التي تصيب جمال عبد الناصر!
وكان في سبتمبر أيضًا في العام السابق قد تعرض لنوبة قلبية. لكن يومها وحرصًا علي الاكتفاء بأشياء كثيرة، تم الاتفاق علي الإعلان عنها بأنها نوبة أنفلونزا.
وإثر تلك النوبة الأولي قضي جمال عبد الناصر ستة أسابيع في الفراش.
ونصحه الأطباء بعدم إجهاد نفسه..
لكن جمال عبد الناصر كان شخصية عنيدة مقاتلة، فما إن نهض من فراشه، بعد انتهاء الأسابيع الستة، حتي أغرق نفسه في العمل الشاق.
ولم يمكن لعبد الناصر أن يتغافل عن الظروف السياسية والعسكرية التي كانت مصر تعيشها وأيضًا العالم العربي.
وسافر جمال عبد الناصر إلي الاتحاد السوفيتي.. وهناك فحصه طبيب القلب الروسي الشهير "شازوف"..
وقال له "شازوف": سيدي الرئيس.. إنني أتابع من بعيد برامج عملك.. وأعرف أنك كنت أخيرًا في ليبيا وفي السودان.. وأعرف أنك تعمل أكثر من أربعة عشر ساعة في اليوم.. واسمح لي سيدي الرئيس أن أقول إن هذا خطر عليك.. وإنني أحذرك من استمرار هذا الوضع!
لكن عبد الناصر لم يكن يهتم بصحته كثيرًا..
وكان في ذهنه أشياء تشغله عن الاهتمام بنفسه.
الوضع المصري بعد 67.. والوضع العربي الذي كان يتدهور باستمرار.
لكنه بعد إلحاح طويل من الأطباء الروس.. وافق علي أن يدخل مصحة "بريني" لأسبوعين من العلاج المنظم، علي أن يلتزم بعد ذلك بمواعيد عمل ثابتة ومحدودة.
لكن عبد الناصر لم يلتزم بنصائح وتحذيرات الأطباء!
وما إن عاد إلي القاهرة حتي انغمس في العمل الشاق المستمر.. واللقاءات والاجتماعات التي لا تنتهي!
ولم يرض كل من حول عبد الناصر ويعرفون حقيقة مرضه وصحته بذلك.. فألحوا عليه كثيرًا.. حتي وافق أخيرًا علي أن يذهب في إجازة إلي مرسي مطروح!
وسافر عبد الناصر بالفعل إلي مرسي مطروح.. لكن الإجازة انتهت في نفس يوم وصوله إليها!.
فقد انفجرت في نفس اليوم أزمة الأردن والمقاومة الفلسطينية.. وطار إليه من ليبيا في نفس اليوم معمر القذافي.
وقطع عبد الناصر في صباح اليوم التالي أجازته التي لم ينعم بها وعاد إلي القاهرة.. من أجل مؤتمر الملوك والرؤساء العرب.
وكان عبد الناصر في حالة نفسية سيئة بسبب نزيف الدم العربي في الأردن.
وبذل جهدًا كبيرًا في مؤتمر الملوك والرؤساء العرب لوضع حد لهذه الكارثة.
وعندما طلب منه بعض الأصدقاء أن يراعي الجهد الخرافي الذي يبذله في المؤتمر.
قال لهم: هناك رجال ونساء وأطفال يموتون.. نحن في سباق مع الموت!.
وطوال تسعة أيام ضغط عبد الناصر علي جهده وأعصابه وفكره.. لوقف النزيف في الأردن.. وإتاحة الفرصة للمقاومة الفلسطينية حتي توقيع اتفاق القاهرة.
وفي ليلة انتهاء المؤتمر..
غادر عبد الناصر فندق هيلتون _ مقر المؤتمر _ في نحو الساعة العاشرة مساءً بعد توقع الاتفاق.
وكان لحظتها يشعر بإجهاد شديد..
لكن في نفس الليلية..
قام بتوديع معمر القذافي وقضي بقية الليلة حتي الفجر يتابع عمل لجنة الرقابة، التي كانت قد سافرت إلي الأردن برئاسة السيد الباهي الأدهم.
وكان حريصًا علي توفير كل الضمانات لتحقيق الهدف.. ووضع الاعتمادات المالية اللازمة تحت تصرف اللجنة.. وتوفير معدات اتصالات لاسلكية لها مع القاهرة.. وانتهت الليلة العصيبة.
وبزغ نهار اليوم الأخير في حياة جمال عبد الناصر!
اليوم الأخير في حياته..
كان علي عبد الناصر أن يودع الملوك والرؤساء الذين سوف يغادرون القاهرة..
وفي الساعة الثانية عشرة صباحًا اتصل محمد حسنين هيكل ليسأله عن آخر التطورات، بعد اجتماعه _ هيكل _ مع ياسر عرفات وزعماء المقاومة الفلسطينية..
وفي نهاية المكالمة..
قال له الرئيس جمال عبد الناصر: إنني أشعر بتعب شديد.. ولا أحس أنني قادر علي الوقوف علي قدمي!
وقال له هيكل: الوقت قد حان لإجازة.
ضحك جمال عبد الناصر..
وقال لهيكل: سوف أضع قدمي في ماء ساخن به ملح.. وسوف أشعر براحة بعدها!
رد عليه هيكل: الجهد كان كبيرًا. وما زلت سيادتكم في حاجة إلي إجازة وأقترح أن تقضي بضعة أيام في الإسكندرية.
قال له جمال عبد الناصر: بعد قليل سأذهب لوداع أمير الكويت وأعود بعدها لأنام!
وصمت عبد الناصر برهة..
ثم استطرد قائلاً : أريد أن أنام نومًا طويلاً.. ولن أستطيع أن أستريح في الإسكندرية.. أريد يومًا أو يومين من النوم هنا.. وبعدها أفكر في الذهاب إلي الإسكندرية.
وانتهت مكالمة عبد الناصر مع هيكل..
ولم يسترح بعدها طويلاً، فما لبث أنه غادر البيت في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا إلي مطار القاهرة.
وهناك شعر بالتعب بعد توديع أمير الكويت. وطلب أن تحضر إليه سيارته حيث يقف علي أرض المطار..
وكان وصل إلي البيت.. وهو في طريقه إلي حجرة نومه.. حتي سأل عن السيدة قرينته..
وسألها: هل تغديتي؟
قالت له: كنت في انتظارك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.