كان يحيي بن زكريا نبيا كريما، مهد لدعوة عيسي عليه السلام، وقال عنه النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم: »ما من أحد يلقي الله عز وجل إلا وقد هم بخطيئة أو عملها إلا يحيي بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعمل«. ويحيي بن زكريا التي حملت به بعد أن كانت عاقرا، وكان والده قد بلغ من العمر عتيا، واستجاب لدعائه بأن ينجب من يخلفه، فقد كان عمر زكريا عندما أنجب يحيي 89 عاما، وقد حملت به أمه عندما كانت مريم عليها السلام حاملة بعيسي عليه السلام. ويحيي بن زكريا ينتهي نسبه الي سليمان بن داود عليهم السلام، وقد ولد بمدينة القدس.. وعندما شب عن الطوق كان جميل الصورة حسن الصوت.. جميل الأخلاق، طويل الأنف مقرون الحاجبين، وكان ينفق أيامه في عبادة الله جل علاه.. وكان عالما بأمور شريعة موسي عليه السلام، وهو الذي عمد المسيح عليه السلام في نهر الأردن، وقد بدأ دعوته للناس للايمان، وترك المعاصي، والأخذ بما أحل الله وحرم الله، عندما كان في الثلاثين من عمره، وقد دعي بني اسرائيل الي العمل بشريعة موسي، والبعد عن المعاصي، وألا يشركوا بالله شيئا، وأمرهم بالصدقة، والصلاة والصيام. وإذا كان القرآن قد وصف يحيي عليه السلام بقوله: »يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا، وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا، وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا«. فإن القران الكريم يصف عيسي عليه السلام بنفس الصفات: »قال إني عبدالله أتاني الكتاب، وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا.. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا«. ويحيا بن زكريا أو »يوحنا المعمدان« هو ابن خالة سيدنا عيسي عليه السلام، كان من كبار فقهاء الشريعة الموسوية، وكان يبشر باقتراب ملكوت السماء.. وكان زاهدا.. محبا للبساطة. »لباسه كما يقول انجيل متي من وبر الابل وعلي حقويه منطقة من جلد، وكان طعامه جرادا وعسلا بريا«. وكانت كلماته للناس فبشيرا بمجيء المسيح عليه السلام: »توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات«. »أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة، كل واد يمتليء، وكل جبل أكمه ينخفض، وتصير المعوجات مستقيمة، والشعاب طرقا سهلة، ويبصر كل بشر خلاص الله« انجيل متي. وكان يقول وهو يدعو الناس ويبشرهم بمجيء ودعوة السيد المسيح: »أنا أعمدكم بماء التوبة،ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوي مني،الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار« وقد لاقي الكثير من العنت من اليهود، رغم أنه يريد لهم الحرص علي التقوي، ومخافة الله والسير علي منهج الله كما جاء في الوصايا العشر. وتمر الأيام وكان عميل الرومان وحاكم فلسطين (هيردوس) يريد الزواج من أرملة أخيه (هيروديا) وكان يحب ابنتها سالومي.. ورأي يحيي أن تصرفات هذا الحاكم تخالف ما جاء في الشريعة ومن هنا فقد قررت هيروديا أن تتخلص من يحيي، واستغلت حب هذا الحاكم لابنتها الجميلة سالومي، وأخذت سالومي ترقص رقصاتها الخليعة أمام هيردوس، وانتشت الخمر برأسه، وطلب منها أن تطلب منه ما يشاء، وأوعزت لها أمها أن يأتي لها برأس يحيي علي طبق!! ان نبي الله يحيي يعارض تصرفات هذا الحاكم الأحمق الذي استباح لنفسه أرملة أخيه وابنتها اللعوب، وأمر هذا الحاكم بقطع رأس يحيي عليه السلام ليقدم هدية علي طبق ليفي من بقايا أورشليم! وهكذا ذهب دم هذا النبي الجليل الذي ساءه أن يساء لشرح الله، وأن تسود رذيلة الزنا. لقد وقف اليهود أمام هذه الجريمة مكتوفي الأيدي.. ولم يقفوا بجانب يحيي عليه السلام وهو يريد أن يقيم شرع الله.. بل زاد اليهود في غيهم فإذا بهم يشمتون في يحيي عليه السلام، وكانوا من قبل يحاولون الايقاع بهم، وجعله يصطدم مع السلطة بتهمة أنه يحاول أن يثير الناس ضد قيصر وحكم الرومان. وهذه هي أخلاق اليهود لم تتغير علي مر العصور.. رغبة في التدمير والقتل والايذاء والوصول الي أهدافهم علي حساب كل القيم الشريفة متصورين أن الله - جل شأنه - هو ربهم وحدهم دون البشر، وأن رسالاته لابد أن تكون منهم.. وإله اسرائيل إله حرب وسفك دماء.. وعندما انتقل يحيي عليه السلام الي أكرم جوار، وكان عيسي عليه السلام يستمع الي عظاته، وهو الذي عمد السيد المسيح في نهر الأردن، وقيل عيسي عليه السلام هذه العمادة، وعندما تناهي الي سمعه ما حدث لنبي الله يحيي عليه السلام، بدأ عيسي يجاهر بدعوته، في الجليل ثم في بيت المقدس، وجاهر بهذه الدعوة أيضا في الهيكل الأكبر نفسه. وبدأ صوت هذا الرسول العظيم يتردد صداه في كل مكان.. بعد أن اجتمع حوله الناس لسماعه في الناصرة. ان عيسي عليه السلام يدعو الناس الي الحب والاخاء ونبذ الخصومات، والبعد عن المحرمات، والاقتراب من الله بالعمل الصالح، وهال اليهود أن دعوة السيد المسيح لم تكن لهم وحدهم من دون الناس، ولكنها دعوة للناس جميعا بما فيهم اليهود، وليست لليهود وحدهم.. انه ليس مسيح اليهود، ولكنه مسيح للبشر جميعا.. ومن هنا حنق عليه اليهود.